يهرفون بما لا يعرفون

mainThumb

04-11-2012 03:45 PM

 تظل جمهورية مصر العربية تحت كافة النظم السياسية منذ عهد المرحوم جمال عبد الناصر الذي استطاع خلال فترة قياسية,لما يتمتع به من شخصية كارزمية تبلورت ميزاتها القيادية بما تمكن منه وعيه الذاتي نتيجة معارفه التاريخية التي انكب على دراستها وتدريسها,وكان من الطبيعي أن يعيد إلى مصر بعدها الجيوسياسي الذي يمكنها من استعادت دورها الطبيعي في الربط بين آسيا وأفريقيا وأن يلملم شتات العرب ويضعه على خارطة التكوين القومي للأمة العربية بكافة مكوناتها وأطيافها وفئاتها,وأن يحي  اللحمة الدافئة مع مكونات الأمة من القوميات الأخرى التي أعاد إليها ثقة ترسخ قيم المواطنة,وإعادة   الحس الوطني لها جميعاً.

 
أدرك الزعيم الراحل,بحسه المتنور بالمعرفة,وعقليته المتفتحة الأبعاد الاستراتيجية لدور مصروريثة حضارة من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية وتنورت بكفاءاتها العلمية والتراثية, وهي في الحضن العربي الدافئ والواعد في تشكيلاته الجغرافية وقواه البشرية الوطنية وثرواته الطبيعية, وقدراته الثقافية,وصاغ أهداف ثورة 23 يوليو باستهداف مباشرلاستعادة كرامة الطبقات الشعبية المظلومة ولقمة عيش فقراء العمال والفلاحين ووضع حد لملكيات الأرض الإقطاعية,ووقف أطماع الإقطاعيين.وكانت  كلها أهداف تسمو على المطامع الشخصية والبعيدة  كل البعد عن الفئوية أو المصلحة الحزبية الضيقة,    كما هو الحال بالنسبة للأحزاب ذات العقائد الفئوية الأبوية الطابع والتوجه.
 
ثورة يوليو بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر, امتدت آثارها,كونها ثورة حقيقية في ضمائر ثوارها وانسابت إلى الضمير الشعبي المترقب ساعة الخلاص من نظام الظلم والإهانة التي تلحق الوطن بارتباطه بسياسات أجنبية طامعة وجائرة,ومنتظمة في مسارها في التغيير والانتقال إلى مرحلة ما بعد الثورة,متماهية مع ظرفها التاريخي,ليس في المنطقة العربية – الإفريقية وحسب,وإنما في العالم الذي أخذته صحوة التحرر إلى مقاومة القوى الغربية الاستعمارية وتحقيق الانتصارات المتوالية عليها.وكان  ذلك الزمان متواطئة فيه أنظمة الحكم مع القوى الامبريالية والصهيونية,التي جاءت الثورة من أجل مواجهته أي التواطؤ,امتدت آثارها إلى القوى الشعبية الوطنية في كافة الدول العربية.
 
تأثير مصر في المنطقة متعدد الأوجه والمجالات وهوفي العادة تأثيرمباشر تحت كل الظروف التي تمر مصر بها,ونشير هنا إلى إن التأثير لا يعني الطاعة والموافقة الراضخة لشذوذ السياسة,ونميز بين تأثر الجماهير وقواها الوطنية بذلك الذي يحدث في مصر, وتأثر النظم الحاكمة فيها,فإذا هتفت مصر للحرية تنادت لها جماهير عربية عريضة بالعمل والكفاح ضد أعداء الحرية,وإنْ تصالحت مصر كما فعل  السادات مع الصهيونية المحتلة,أحبط النضال المسلح ضد الوجود الصهيوني,ولكن لم يقترب سلام  الاتفاقية من سلام النفوس الرافضة له,على الرغم من الضعف الذي اعترى جهود النضال المسلح  وجبهاته وقواعده ونضوب  مصادر دعمه وتمويله.وشكل حال مصربعد اتفاقية السلام الوهمي مع  المحتلين مرحلة أناطت بمبارك إدارة مرحلة ما بعد مقتل السادات,فتراخت قوى الحكومة المصرية وانشغلت قياداتها في إفساد الحياة السياسية وتغذية الفساد المنظم والمتأسس على فتح المجال أمام المال السياسي ليلعب دوره الملعون في السياسات المصرية ,إلى أنْ أشعلت قوى الشعب المصري الليبرالية والعلمانية والوطنية شرارة الثورة وهزمت النظام بكل شخوصه ورموزه.ويعبر ذلك عن استجابة مصر بشعبها الواعي وقواه المنفتحة العقل والذهن إلى مجريات الوقائع التاريخة مرة أخرى,إذ جاءت ثورة   يوليو 1952تعبيرا عن مرحلة لعبت القوات المسلحة فيها دورا وطنيا في مختلف أنحاء العالم,أي كانت مرحلة دورالعسكرفي ثورات التغيير والتحرر,وجاءت ثورة يناير الحديثة منسجمة مع مرحلة الثورات الشعبية التي انطلقت في أنحاء عديدة من العالم منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وقد تمكنت الحركات الإسلامية بمهارة المناورة,وتحريك العواطف الدينية في الشارع المصري المدعوم من الخارج,ماليا وسياسيا,من مصادر عربية وأميركية بشكل خاص, من الاستحواذ على مجريات حركة التغييروإعادة توجيه مسارها.
 
شكلت المواقف الحوارية التي يشارك بها ممثلو جماعة الإخوان المسلمين وقادة حزب التنمية والعدالة في الآراء وفي المعارف السياسية ومصطلحاتها العامة والمعممة عبر تاريخ علوم السياسة الطويل نشاطا إعلاميا ملحوظا,ولكن كان مفاجئا من جانبه الثقافي والسياسي والمفاهيمي, لما شابه من شروحات ساذجة وتعاريف متناقضة في جوهرها مع مضمونها من خلال منظور فئوي طاغ,وخواء فكري ظاهربوضوح.هذا عداك عن وعود كثيرة جرى التنكر لها والتنصل من أدائها التبريرالتقليدي لذلك وعدم القدرة على الوفاء بها لأنها أتت في نطاق الوعود التي تنقصها الخبرة القيادية وتحتاج إليها المراحل الانتخابية الحماسية المخاطبة لعواطف شعب طيب بلغت نسبة الأمية فيه حوالي 45%منه.فعندما فتح الرئيس رداءه ودعى الشعب إلى مكتبه المفتوح لهم,تفاجأ الذين صدقوا الدعوة بأن الأسوارالعالية ما زالت مانعا تخفي حقائق الحكام الحقيقية.
 
وشكلت التحديات التي أرادت الجماعة منها مواجهة القضاء طعنة لمبادئ نظم الحكم المترسخة منذ عهود القرن السابع عشر في احترام القضاء ووصون استقلاليته واحترام أحكامه والتقيد بها,وتؤكد تصميم  الحركة على ما يطلق عليه مثقفو مصراللامعين المتنورين أخونة الدولة,والاستحواذ على كامل  السلطات التي تتماهى مع نظرتهم إلى ما ادعاه أحدهم -إعادة صياغة المجتمع وتغيير ثقافته!!!.وما زالت مفاهيم الديمقراطية,على الرغم من كل التجارب العالمية في الشرق والغرب التي أتت على نبذ مفهوم الأغلبية -الأقلية,واعتباره من أكبرعيوب الديمقراطية وأشدها وطأة على القيم الديمقراطية لما تمثله من شكل دكتاتوري أكثر انحطاطا من دكتاتورية الفرد أو النخبة أو القلة.
 
الإصرارعلى استعمال مفردات :الشعب, وإرادة الشعب وسلطة الشعب وقرار الشعب, ووضع سلطة الشعب في مواجهة سلطة القضاء, التي يجد فيها المتحدثون المدافعون عن السلطة بما ارتكبت من أخطاء في مراحلها الأولى,توضع في غير مكانها وتستعمل في غير أوانها وبدون وجه حق,وإنما استغلال بدائي لأغراض مكشوفة وإرادة منغلقة على فكر شمولي.كل مفردة من تلك المفردات لا تستعمل ولا تنتهك معانيها بهذا الشكل المؤسف إلا في دولة الديمقراطية مكتملة  الأركان والأسس وهي لا تنطبق على مصر حاليا,ولم تبدأ مصر العزيزة مرحلة التحول إلى الديمقراطية بعد,وليس من المتوقع أن يأخذ ذلك مجراه في طل نظم ترى في الديمقراطية كفرا أو بعض كفر,أو فكرا مستوردا.والديمقراطية ليست مجرد عملية تجري فيها انتخابات كيفما مهدت لها السلطة المشرفة عليها, وتعلن نتائجها لأغراض فئوية  سياسية بتدخلات خارجية أو بتأثير المال السياسي,الانتخابات مجرد ركن من أركان الديمقراطية التي أصبح عمرها يزيد على قرنين من الزمان ترقى العلم خلالهما وماعاد الجهل بالقراءة أمية فقد أصبح الجهل بما هو معلوم ومجرب ومتداول في الكتب والمراجع العلمية والفكرية ومطبق بتجارب حية ماثلةأما أعين العقول المنفتحة على بصيرة صاحبها والمتفتحة على ما يجري حولها.ومتابعة أسلوب إعداد الدستور(لانريد حوارا حول الدستور الجديد بل استماع إلى آراء !!! هذا ما تقوله زعامات سياسية في مصر اليوم !!!) فيه من ترصدالنوايا المسبقة لمستقبل مصر الغائبة في إعداده مساهمة قواه العديدة.
 
كانت حاجة الثورة المعاصرة في مصر إلى زعامة بشخصية,فردية أو جماعية, قوية مخبورة الفكر   والفهم والتصرف بحنكة الثوار وقدرتهم المتنورة على إدارة التغيير الثوري المتزن الجامع لكل مكونات الشعب التعددية, المستهدف إحياء دور مصر الريادي والقيادي  مستقل القرار والإرادة في منطقة تتسابق على السيطرة عليها قوى الجوار, وليس إدارة مؤسسات حكم نمطية متحاذقة لن تؤدي في النهايةإلا إلى فشل مكررعن أمثلة وتجارب سوابق كان الأولى تجنبها.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد

بمناسبة اليوبيل الفضي .. الأردن يكشف عن سلاح استراتيجي جديد

عدد الأردنيين الذين دخلوا السعودية بتأشيرات سياحية بهدف الحج

دول تمنح تأشيرة عند الوصول للأردنيين

مدير الأمن السعودي:هناك جنسية الأكثر مخالفة للحج‬⁩ بتأشيرات سياحية .. فيديو

اليوبيل الفضي:وصول الملك والموكب الأحمر و الـ drone .. بث مباشر

ضبط رجل يسرق أحذية المصلين في أحد المساجد .. فيديو

السوسنة تتبّع رحلةَ هجرةِ الأردنيين إلى أميركا وتكشف تفاصيل مروعةً ووضعًا قانونيًا معقدًا

مطلوب أعضاء هيئة تدريس في جامعة البلقاء التطبيقية

ماذا هتفت الجماهير الأردنية بالدقيقة 25 من مباراة النشامى .. فيديو

مهم من الضمان بشأن موعد صرف رواتب المتقاعدين

الخدمة المدنية:ناجحون في الامتحان التنافسي .. أسماء

موجة حر جديدة تؤثر على الأردن بهذا الموعد

تجاوزت 46 .. مدينة تسجل أعلى درجة حرارة بالمملكة الجمعة

شخص يضرم النار بنفسه حتى الموت بالعقبة

شاهد قوة النيران والدخان باحتراق سيارة كهربائية .. فيديو