السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة

mainThumb

03-12-2012 10:56 PM

 العبارة المعنونة للمقال قالها جون آكتون الإيطالي الذي خدم في القوات البحرية وشغل منصب رئيس وزراء نابولي في القرن التاسع عشر,القرن الذي ازدهرت فيه السياسات الاستعمارية وسطوة القوة العسكرية وسلطان الترهيب والتخويف,دون التغاضي عن التشبث بمنظومات القيم الإنسانية والأخلاقية,للتغطية على فظاعة الحقد وشدة القسوة التي يمكن للإنسان أن يمارسها في سبيل تحقيق   مكاسب ليست من حقه,لسلبها من أصحاب الحق وهم في حالة من الجهل والضعف.وبغض النظرعن تجربته الشخصية في العمل العسكري – السياسي,إلا إن عبارته حول العلاقة بين السلطة وبين الفساد  تثبتها وقائع عملية عاشتها النظم السياسية والقيادات مالكة سلطة إدارية في أي مجال من الأنشطة المدنية, في كل الحضارات التي شهدتها البشرية وعاشرت الفساد بأشكاله المختلفة ,وأساليبه العديدة وأنواعه الكثيرة,مجتمعات في معظم دول العالم,إن لم تكن كلها على الإطلاق,كانت وما زالت حتى يومنا هذا.

 
المؤرخون المخلصون والأوفياء لرسالة التاريخ البشري هم الحيادون الذين يصرون على تذكيرنا بأهمية التعلم من الحدثالأحداث التاريخية بأسبابها ونتائجها واستخلاص العبرمن تلك الأحداث وما ساقت إليه   من نهايات والاتعاظ بما آلت إليه أوضاع المجتمعات التي شهدت تلك الأحداث فكريا وثقافيا واجتماعيا,  وما رسمته في الذاكرة الشعبية من صور وذكريات,وما صاغته من محفزات تعبوية في النفوس,وتركت جوانبه مضيئة في الوعي الوطني والقومي,هم مؤرخون أمناء على مهنتهم,مخلصون في ولاءهم الوطني,حريصون على الميراث التاريخي الحيوي والمنشط لذاكرة حية واعية مدركة لعلاقة الحدث بمايتسبب به من نتائج وبما يحيط به من ظروف ذاتية وأخرى موضوعية تساعده على فهم الحدث  والاتعاظ بما يمكن أن يتكررمن أسباب أو مبررات أو يطرأ من ظروف ممثلة أو مخادعة في تزوير الحقائق وفبركة المآلات وتزيين التجربة بما فشلت في تأديته من واجبات في ظل ظروف كانت أكثر ملاءمة ثقافية وتماهيا مع معارف مرحلتها بدقة وبحسابات معرية وليس بحسابات المصلحة الذاتية.
 
ما زلنا في مرحلة ما ندعي إنها مرحلة (الربيع العربي) تائهون في تفسيرسلوك القيادات السياسية في دول ذلك المسمى ربيع,وأحزابها ومؤيديها وداعمي توجهاتها المستقبلية,ولكن الأدهى والأمرمن حالة التوهان تلك, يتمثل في موقف الحكومات وقادة أحزابها وجماعاتها المتشنج والمتعالي على المعارضة بأطيافها المتعددة(خاصة عندما يسعون إلى محاكمة التاريخ قبل ستين سنة ,لمرحلة الناصرية المفتقدة في الضمير العربي,بظروف الزمن الحاضر ومنطلقاته) واللجوء إلى منهج التبريرلأسباب كل حدث أو موقف متناف مع أبسط مبادئ التغيير والتحديث,وخطورة اعتماد منهج التبريرتسكن في ثنايا الضعف على مواجهة الحقائق والاعتراف بالحقوق والإقرار بأن كل حدث ناشئ عن تغيريسير باتجاهات التجديد والعصرنة,وإن الإصرار على التبريريقود بالضرورة إلى حالة التصحر الثقافيفي حين إن حاجة المجتمع تكون حاجة ماسة إلى نبض ثقافي متساوق مع عصرالمعرفة وحداثة المعلومات وتجددها.إذ  برزت معارضة أيدولوجية  داخلية تتبناها التيارات الإسلامية من غير جماعة الإخوان المسلمين,إضافة  إلى معارضة التيارات المدنية من العلمانيين والليبراليين من مختلف المشارب والمذاهب والمواقف من قضايا العقائدالدينية وقضايا اجتماعية,وقضايا سياسية,هذا كله عدا عن الاختلاف الجوهري حول طبيعة النظام وشكله الذي تسعى إلى دسترته جماعة الإخوان المسلمين الذي يأخذ النظام إلى تشريعات الدولة الدينية,وادعاء سطحي وبدائي المعرفة في التمييز بين الدولة المدنية وبين الدولة الدينية وإصرار المفكرين من مثقفيهم بثقافة مصدرمحدد ومرجعية وحيدة إن الدولة الإسلامية هي دولة مدنية !!.
 
فقدت التجربة الإخوانية في مصروإلى حد بعيد في تونس توازنها القيادي وطال التلوثقرارها    السياسي وأعجزها فقدان الخبرة والمعرفة بمتطلبات العصرواختلاف موازين قوى السلطة بموازين وعي المؤسسات المدنية المتقدم بدرجات على وعي القادة الحزبين ,وأعيت القادة السياسيين طروحات المعارضة ونقدها المتنورلسلوك السلطة وكشفت مخابئ المفاجآت التي ظنت طروحات الفكر الشمولي إنها تجاوزت قدرة العقل الشبابي والوعي العام على القبول التلقائي لغوغائية أساليب التبريرالمضنية لجهد صاحبها من الحزبيين  والمناصرين والانتهازيين. 
 
مفسدة فكرالثورة وإفساد خط سيرها الطبيعي بمعانيها الثورية ,أي التجاوب مع متطلبات حركة تاريخية رصينة نحو الديمقراطية والحرية والتعددية تنشأ عن التنادي بالثورة والتغاضي عن مدها بالطاقة اللازمة لإدامتها,هذا من جانب.من الجانب الثاني,محاولات إسقاط المبادئ الشمولية المستقرة والثابتة المعالم والسياقات على مجتمع دينامي متحمس يزداد نشاطه وتتقد مشاعره كلما واجه معيقات خارج النص  الثوري الذي لم تعد خافية على الرأي العام في عصرانتشار المعلومات واتساع رقاع مدن المعارف وامتلاك وسائل انتقالها في كافة الأوساط الاجتماعية بسرعة آنية. ومن الجانب الثالث بدلا عما يستدعيه ذلك من الاعتراف بالمعارضة وبحقها في توجيه النقدوإبداء الرأي الآخروالتذكير بالعلاقة بين المستقبل وبين الاستعداد له بتكوين البنى الأساسية على قواعد حديثة, تبتعد نهائيا عن الاستئثار بالقرارالعامد إلى إعادة صياغة المجتمع!! بما ترتأيه نظرة حزبية وعقيدة  سياسية لم تعتد العمل الديمقراطي في وسط هياكلها التنظيمية,وتتم مطالبة القوى السياسية والتجمعات المدنية والصحافة والصحفيين وغيرها  بهدنة بين النظام وبين الشعب وتوحيد الموقف (التوحيد النقيض المباشر للتعددية البناءة) خلف راية   الزعيم ليتمكن من أداء عمله!!.
 
التطلع إلى المستقبل رؤية ثورية تحملها همم الثوارالمتنورين بالعلم والمعرفة ودورهما في التأقلم مع متغيرات دائمة وحثيثة في الفكروفي التقنية وفي النظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المجربة والتي تنتمي إلى تراث عالمي متماه مع قيم التعارف والتقارب والتسامح والتصالح والتعدد والتنوع جعلت   ميزتها الحتمية سمة أساسية من سمات الحداثة والتطورفي وسائل حياة الشعوب الحية وأساليبها وفي     ثقافة الأمم التي تعمل  تثبيت مكانة حضارية في عالم لم تعد فيه مكانة مرموقة لغيرالمتنورين بقوانين التطورالبشري وترقي وسائله وأفكاره المنسجمة ومنطلقات قواعد الحتمية التاريخية,والتي من أهم  دروسها إن النظم الشمولية تشيخ بسرعة ويزداد تسارع الشيخوخة بتسارع الفكرالحرالمبدع والخلاق.
 
من مخرجات المبادئ الشمولية : مصطلح الحكم كديكتاتورمؤقت الذي ابتدعه النظام الحاكم في مصر لحماية الثورة الديمقراطية وحقوق الشعب في 22112012؟؟ في إعلان دستوري مؤقت باعتبار  قرارات الريس السابقة واللاحقة محصنة عن الطعن أمام أي محكمة أو جهة أخرى لأي سبب كان وفي   أي مجال وقع, ومن هذه المجالات الحد من حريات التعبير والمنابر الإعلامية وحظر التظاهرت والاعتصامات .وهذا أحد المشاهد الفكرية الديمقراطية والثورية (للربيع العربي)!! المحزنة.ولم يصل فساد في دولة أشد تأثيرا من فساد السلطة الاستحواذية الدكتاتورية.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد