الحوار مؤسسة فكرية قائمة بذاتها

mainThumb

29-12-2012 10:35 PM

 التنمية التي نتنادى بها ونستسهل الإسهاب في الحديث عنها وننتدي لمناقشة مشاريعها ويفاخر زعماء  السياسة وقادة النظم والحكام بما حققوه من منجزات مادية بإقامة البنى التحتية ومشاريع الخدمات الأساسية من طرق وجسور وأنفاق ومصادر مياه وكهرباء وغيرها ومؤسسات تعليم لمختلف المراحل الدراسية وتغطية مناهج التخصص المتجددة في العلوم التطبيقية والعلوم الطبيعية وفي الطب والهندسة,ومأسسة  الخطط والبرامج التنموية التي تعتمدها السلطة وتخصص لها الموازنات التقديرية ... وتعج أدبيات الساسة وأساتذة الثقافة التنموية ودعاتها بإهمية ما سُمي تنمية الثروة البشرية المقترنة بشعار -- الإنسان أو  المواطن بتعبير أدق من الناحية العملية,هوغاية التنمية ووسيلتها-- وهو شعارصادق في منطوقه وفي كل مفردة من مفرداته.ومصداقية هذا الشعارتوضع على المحك في حالتين :-

 
الحالة الأولى : هل شارك المواطن في حوارفني وسياسي مع راسمي سياسات التنمية الرسميين لوضع معالم السياسة التنموية الشاملة وتحديد أهدافها المرحلية.؟
 
الحالة الثانية : هل شارك المواطن في منطقته الإدارية (المحافظة البلديةالمتصرفية ) في حوار مع ممثلي السلطة لتحديد أولويات المشاريع في منطقته وتقدير احتياجاتها المالية والمادية ونوع  تخصص الكوادر البشرية المؤهلة لتنفيذ تلك المشاريع وتأمين احتياجات نجاحها وتقليص فرص تعثرها؟
 
الحوارمنذ زمن بعيد جدا,كان وسيلة الحكماء والفلاسفة والمتنورين الفاعلة ( لتنقية ) الفكرة,أي فكرة من احتمالية تناقض عباراتها بينيا واختلاف منطلقاتها مع مدركات الظواهر الطبيعية,وملامح الطبيعة البشرية  في استجابتها للحدث وفي رد فعلها إزاء ما تواجه من صدمات وتقلبات في ما يدور حولها من وقائع عملية.وفي عُرْف الحكماء والفلاسفة والمتنورين أصبح الحوارمؤسسة تعليمية وتثقيفية ومختبرا يزن صلاحية الفكرة ويصوب ما يعتريها من نواقص أو اختلاط مفاهيم أو تناقض غايات وتضارب معان,كماإن الحوار إغناء لمفردات الفكرة واتساع مجال تغطيتها لواقعها ,واستبصارالمستقبل بعيون الخبرات وليس بعين واحدة خبيرة,كي تكتمل الفكرة في عناصرها السالبة منها والموجبة,تحدد الصيغة النابضة بالمعنى القصود أو المعاني والمفاهيم التي يمكن تعميمها وتعليمها للناس وتعليمهم بها والتواصل مع مراقبة نتائجها وتقديرمدى تأثيرها على مجريات لأحداث والتعاملات بين الناس في مجتمعهم.وكان الحكماء وعظماء الفلاسفة يحرصون قبل طرح أفكارهم على إجراء حوار حولها مع مخالفين لموضوعها  ومعترضين على فحواها لتصل الحكمة إلى مستوى يفسح الزمن لها ديمومة التناقل والتثقف.
 
الحوارمؤسسة بالمعنى المهني للمفردة,فهناك أطراف من المتحاورين,متفقين كانوا أو مختلفين,أصدقاء هم  أو أعداء,وهناك موضوعات حيوية تشكل مادة الحوار,وهناك أدوات للحوار ووسائل إدارته وتوثيق مخرجاته ومستخلصاته ونتائجه,ولجان من المتحاورين المختصين بالصياغة والنشر والتعميم..وهي مؤسسة تصميم سياسات اقتصادية وثقافية وفكرية وتعليمية وتوجيهية ومعنوية بحسب اختصاص أطرافها وطبيعة الموضوعات التي تبحثها وتفرد لها نشاطا فكريا وتصلها بالطروحات النظرية والعملية,والخبرات المتوفرة حول تلك الموضوعات.
 
الحوارأخذ صيغه العديدة من طبيعة موضوعاته وطبيعة المتحاورين,وتم اعتباره وسيلة حضارية من   وسائل الاتفاق والتوافق بمشاركة الأطراف المعنية أو من يمثلونهم بالاختيار والوصول إلى برامج و أو نتائج و أو تسويات بين الأطراف المتخاصمة بطرق سلمية,يحترم كل طرف الطرف الآخر, ووضع حلول موضوعية  للمشاكل والخلافات لا تهدر حق أحد ولا تتجاوزعلى القوانين أو الأعراف,ويتحاورالمتفقون في المبادئ والمنسجمون في الآراء حول طروحاتهم الفكرية والسياسية والاقتصادية كي تجمع الطروحات رؤى عديدة تغطي جوانبها المختلفة وتخرج بصيغة مرضية تندر أخطاؤها وتبرز ألمعية نقادها وعبقريتهم في الإضافةأو الحذف لمزيد من صلاحها وصلاحية الاستفادة الكلية منها ومن قراراتها.ولهذا أدخلت الديمقراطية الحواركأداة لا تقل أهمية عن الأداة الانتخابية لاختيار المرشحين المتنافسين من أدوات الديمقراطية ووسائلها.
 
ومن أبسط قيم الحواروأعمقه جوهرية هو في أن يسبق الحوار القرار لتحقيق الوفاق الوطني,ولكي يكون حوارا موضوعيا بناء,فليس من المعقول أن تتحاور أطراف في موضوع تم إقراره مسبقا ,كما هو  شأن قرارات الحاكم المستبد, أوالزعيم المتسلط ,أو القائد المتفرد الذي يجد نفسه في مأزق وضع نفسه  فيه دون تقدير لعواقبه, كما يحدث في مصر في موضوع لجنة صياغة مسودة الدستورووتحصين قرارات الرئيس!!وهوقرارمضحك مبك لحدوثه في مصروريثة حضارة عريقة في القرن الواحد والعشرين في  عصر المعرفة والمعلوماتية والديمقراطية وانتشاء الكرامة الذاتية للفرد!!. فالفرق بيّن بين حوار بناء وبين حوار تقييم مواقف مسبقة ومحاكمتها فكريا وموضوعيا.
 
يرفض الحوارفي ظل ظروفه الطبيعية,ومتطلباته الأساسية,وأسس قيام أي حوار,من هم دون مستوى المسؤولية العلمية والمقدرة الفكرية والثقل الثقافي وحاملوا التعليمات المسبقة المثقلون بالمواقف المصمتة والمصممة لخدمة فئة أو طرف ومصالحها الذاتية على حساب مصلحة الطرف الأطراف الأخرى,أوعلى حساب المصلحة العامة,أما دعاة الحوارعلى قرارهم الجدلي فيمثل مهزلة ثقافية,ودعوة استعلاء الجاهل بما يظن أنه علم من أمريهم العوام ما يمكن له  أن يدعو الناس للحوارحوله,فلا يجد مناصا من إلغائه أو تعديله  أو التراجع عنه مكرها لا مقتنعا !!.
 
فكما إن للعلم مدارس ومذاهب تحيط بها الأنوار والأضواء من كل جانب,فإن للجهل وسائل وطرق يطفئ العناد أي بصيص من أمل في التعاطي مع العصر بأدواته,وذكاء التفاعل مع متغيراته.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد