التبرير سذاجة مدعاة تخلف

mainThumb

14-01-2013 09:47 PM

 ليس عسيرا أن نتعرف على مستوى الثقافة التي يتمتع بها محدثنا في جلسة عائلية أو ندوة فكرية أو محاضرة علمية أو مناقشة فلسفية,أو مقابلة صحفية أو في أحد وسائل الإعلام ,خاصة منها التلفزيونية والإذاعية.وأصبح ميسورا أن نقارن بين من يبررعملا أو موقفا من أي قضية من القضايا العامة بشكل رئيس السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية وبين من يقدم له تفسيرا يبين أسبابها ويصل إلى تقييم نتائجها,وتحليل دوافعها بما هي عليه دون تحاذق وتذاكي.

 
التبريرلموقف أو قضية محاولة بائسة للتهرب من مواجهة أسباب أي منهما الحقيقة,وهو لذلك أسلوب تعوزه كل أدوات الموضوعية وأساليبها,ويلجأ إلى تجاهل الواقع أو الجهل به, وإلى اللف والدوران على الحقائق باللجؤ إلى استعمال عبارات خالية من المضمون,كثيرة الاستعمال لمفردات القيم والأخلاق دون رابط لها بالموضوع, ويتضح فيه نهج الكلام المتلعثم والمتناقضة بداياته مع نهاياته.إنه بالفعل تناقض الذات الثقافية مع المرجعية الثقافية ذاتها.
 
أما التفسير,فمعالمه واضحة من خلال عملية التقييم النقدية للعمل أو الموقف بعبارات واضحة,وبيان دوافعه بجلاء,وتحديد نتائجه بدقة وصفية,واستخلاص النتائج أو العبر بوضوح وشفافية,انطلاقا من القاعدة الذهبية أن وسيلة حل أي مشكلة,أو قضية, تبدأ بالاعتراف بها والإقراربوجودها دون مواربة أو ترددووالبحث الجاد في معرفى تفاصيل أسبابها دون تحيز أو محاباة .إنه بالفعل تماهي الثقافة مع مرجعيتها المرنة والمتنورة.
 
التبريرملجأ أصحاب العقائد الشمولية التي يسيئها التعرف على أخطائها,بل يرفضون الاعتراف بها,وتبغض أيما بغض من ينبهها إلى مساوئ ما ترى من واقع وإلى مخاطر ما تفعل من أعمال وإلى جهالة ما تقول من تبريرات.وإذا اضطرت إلى الإقرار بعدم صواب أي من أفعالها وأقوالها وطروحاتها,لجأت إلى البحث في النوايا والحديث عن الطبيعة الإنسانية,التي تختزلها لتبريرالخطأ والتغاضي عن محاسبة فاعله أو محاكمته ما دام ينتمي إلى فئتهم أو ممن يصادقهم وكل من يناصرهم.وهم بذلك يظلون غافلين عن أخطائهم وخطاياهم,ويظلون أسرى ظنهم بأنهم النخبة التي اصطفتها السماء,أو اختارتها الطبيعة اختيارا انتقائيا كي تقود مجتمعاتها إلى حيث ترى من مناهج ,وبطروحات تتفق مع مصالحهم وغرائزهم.
 
التفسيرقدرة على مواجهة الذات,بمواجهة المشكلة لحل ليس فقط نتائجها وإنما البحث في أسبابها  ودوافعها ومعالجتها لتفادي تكرارالوقوع فيها.واللجوء إلى التفسيرتعبيرواضح عن الثقة بالنفس,والثقة بالمعتقد وبالمنهج وبالأسلوب,وهذه من تجليات مصفوفة التقدم وتطوير الذات بمنطلقات العصر الحضارية وشروطه,فقد أثبتت التجربة الثقافية والأيدولوجية إن نقد الذات أصدق تعبير عن الثقة    بالنفس من جهة ,وعن عقلية منفتحة على أسباب التطورودوافعه من جهة ثانية,وعن يقظة الضمير الوطني عندما يتعلق الأمر بقضية عامة في المجتمع.
 
التبريرتغطية على تخلف في فهم دور الفكر ومصدره,ونتيجة طبيعية للقيود الثقافية ومحدودية المصادرالتثقيفية التي يقيد البعض نفسه بهما ويوصي بذلك لأتباعه ويقف عند حدودها لمواجهة :
 
*- الفكر الغريب والواقع إنه لا وجود لفكر غريب,ولكن الغرابة وصف الفكر بالغريب.والتصدي : 
*- للفكر المستورد .والواقع إنه لا وجود لفكر مستورد.بل هناك إصرارعلى تخلف فكري بممانعة التواصل مع الفكرمن أي مصدر كان,عملا بمبدأ العلم بالشيئ خير من الجهل به.
 
وهذه الادعاءات دلالة من دلالات التصحر الثقافي,وعلامة من علامات الفقر المعرفيالذي تعاني منه عقليات منغلقة على اعتقادها بصواب ما تحصلت عليه من معرفة تغني عن التفكير بما يعرفه الآخرون أو يظنون,فالبداية والنهاية عند هذه العقليات مرتبطتان بقالب مصمم مسبقا وهو عصي على أي تعديل أو تغيير.  
 
وهذا التعرض لوصف الفكربالغريب والمستورد يتناقض بشدة مع ما يحصل عليه ببساطة من معرفة   كل من قرأ في كتاب الحضارات الإنسانية التي تقع الحضارة العربية الإسلامية في القلب منها.والمجال لقراءة هذه المصادر مفتوحة على الدوام!.وهوتعرض رافض للرأي الآخر,ولنهل المعرفة التي هي سبيل التنور والتحضرفي عصرهو عصرالمعرفة.
 
ولنستعرض بعض الأمثلة التي تسترعي الانتباه في العلاقة المتضادة في أثرها على المنهج العملي الذي تحدد المجتمعات في ضوئه بعض غاياتها وأسلوب تعاملها مع واقعها ومع محيطها, بين  التبرير وبين التفسير,ولنترك لضمائرنا حرية التفكر,وهي الحرية التي لن تتمكن منها أعتى الدكتاتوريات:-
 
•*- زعيم عصابات الاحتلال الصهيوني لفلسطين يقول (حسب جريدة الرأي):التاريخ سيكون قاسيا في حكمه على من يقارن بين (اسرائيل الدولة الديمقراطية),وبين الأنظمة الاستبدادية التي تذبح أبناء جلدتها وتمتلك أسلحة دمار شامل.!!!وهذه (الدولة الديمقراطية) شردت شعبا بكامله وذبحت الآلاف منه ومن العرب وما زالت كل يوم تفعل ذلك,ولديها أسلحة دمار شامل رهيبة مخزنة في مخازنها على أرض فلسطين واحتياطيها في كل القوة العسكرية الأميركية وقوى حلف الناتوالتي نعرف مزاياها !! في  فيتنام وكوبا وفي  العراق وفي أفغانستان ويوغوسلافيا السابقة.
 
*-أعلن الرئيس المصري إعلانه الدستوري المحصن لقراراته السابقة واللاحقة (حفاظا على المؤسسات الديمقراطية ) في مصر.ولم تعرف ثقافة الديمقراطية الحقيقية في تاريخها الطويل,إن قرارا دكتاتوريا ممعن في استبداده يخدم فكرة ديمقراطية أو يصحح مسارا ديمقراطيا ,أويحافظ على أي قيمة أو مؤسسة ديمقراطية.وهل محاصرة محكمة دستورية لمنع أحكامها العادلة,له ما يجوز أن يبرره,وقد عُد عارا فعل عارتاريخي في تاريخ القضاء,لم يحدث له مثيل.؟؟!!
 
*-تنادت دول حلف الناتو بإيعاز أميركي إلى نصب عدة بطاريات باتريوت مع طواقمها الأجنبية على الحدود التركية – السورية ,لحماية المدن التركية من خطر الصواريخ السورية,وحماية تركيا من عدوان سوري؟؟!!وإن هذه البطاريات هي محض دفاعية.فهل من استهانة بعقل بشري أكثر من الاستهانة  به بمثل هذا التبرير.
 
ألم تدرك منا حواسنا التاريخية,ووعينا المتراكم لما صنعته بنا الأطماع الإمبريالية والتجربة المأساوية والخبرة الممتدة عبر أكثر من نصف قرن من التآمروالاستغلال, تلك المفارقة الصارخة التي تجعل من الغرب وأميركا  حاملي راية دعم (الثورات الشعبية ) في الدول العربية,من أجل الحرية والديمقراطية!!؟؟ لاستدعاء قواتهم العسكرية ومطالبتهم والتوسل إليهم لتدمير كيانات الوطن وتفتيت أجزائه التي عجز في الماضي عن تفتيتها باسم ( الثورة الشعبية)؟؟!!.
 
وقد أشار أديب عباسيوفي كتابه عودة لقمان إلى رجل اشتهر بالدعوى الكاذبة في أنه يستطيع أن يحمل ِحمْل جمل ويسير به بأيسر جهد,.....فأحضر أصحابه عدلين مملوئين حنطة ورفعوا أحدهما ووضعوه على كتفه..... برك الرجل على الأرض ولم يستطع النهوض رغم محاولاته الشديدة,فضج أصحابه بالضحك والسخرية وأراد ان يستر خجله فقال غاضبا : ألعلكم عجزتم عن رفع العدل الآخر؟!.... فقال أحدهم ملخصا هذه النفسية الغريبة : حملناه عدلا فبرك وقال حملوني العدل الآخر.وكان عنوان هذه الحكمة دعوى وصفاقة.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد