تعدد رؤوس التسلسل في الحكم يربك الدولة

mainThumb

05-02-2013 08:05 PM

 كنا قد أشرنا في مقابل سابق في موضوع كان عنوانه حِمْل الحزبية الثقيل عن العبء الذي يتحمله العضو في حزب حاكم في نظام بغض النظرعن نوع الحكم أو تصنيفه ضمن أنواع الحكم المعروفة التي تبادل الناس خبراتها عبر مراحل الزمن المختلفة,إلى أن توصل نظام الحكم الديمقراطي بتنوع أشكال الديمقراطية وأنماطها.ولم يحدث في التاريخ السياسي أن قام نظام حكم ليس سيئا,هذا حكم نجده  في كثير من أدبيات السياسية وتراثها المتراكم, وفي شروحات أنواع النظم وأطروحاتها التي مرت الإنسانية بها عبرهذا التاريخ  الطويل من التجارب التي ألقت الحضارات المختلفة فيه بثقلها الثقافي ومراكمة معارفها جاهدة في محاولة الوصول إلى تركيبة نظام حكم يمكن أن نصفه بالنظام الجيد,رغم كل المحاولات التحليلية والدراسات التفصيلية لما مرت به المجتمعات الإنسانية من تطبيقات تفاوتت في وسائلها وفي أدواتها.وانسحب الفشل على ربط الأوضاع الاجتماعية والسياسية ربطا توثيقيا بين  نظام الحكم في محاولات,إيجاد الصيغة الفكرية التي لا توغل في المثالية في وصف نظام حكم مرت به البشرية. وعليه يمكن التعميم بأنه: 

 
ليس هناك نظام حكم جيد,بل نظم حكومات تتفاوت في سوئها ودرجاته ومستوياته.أي إن كل نظام حكم سيئ بمقدار.ولهذا وصفت الديمقراطية بأنها أفضل أنواع نظم الحكم السيئة.
 
مكمن الذكاء في الديمقراطية,الذي أضفى عليها ميزتها التي تميزت بها عن جملة الخيارات لنظم الحكم الأخرى وإداراتها, إنها أي الديمقراطية,توزع مساوئ الحكم وسيئاته على كافة مكونات المجتمع وعناصره لاعتمادها أسس التعددية والتنوع ,وارتباطها المباشربالحرية التي يتمتع الفرد بها دون  اشتراط الالتزام بقواعدها المعنية بعلاقة حرية كل فرد بحرية غيره من الأفراد , لتظهر بثوب أنقى طهارة من أثواب أنظمة الحكم الأخرى غير الديمقراطية أو شبه الديمقراطية.وليس أسوا من نظام الحكم الدكتاتوري الفردي سوى النظام الشمولي فكرا,فكيف إذا اجتمع هذاالفكر مع تعدد رؤوس الحكم وصانعي قراراته وواضعي سياساته ؟؟.
 
بعد أنْ استقرت الأنظمة السائدة في دول العالم على,أقرت تقسيم العمل في النظم إلى محاوره الثلاثة الشائعة والمتداولة التي تمثلها مؤسسات جرت تسميتها بالسلطات الثلاث وهذه : السلطة التنفيذية ؛ والسلطة التشريعية ؛ والسلطة القضائية.واعتبار كل منها سلطة منفصلة ومستقلة إداريا وماليا,وإناطة تنسيق مهامها وأعمالها وجهودها بخبرائها كي تتكامل الصيغة البنائية لنظام الحكم المستقروالمتفرغة   كل سلطة من سلطاته لأداء مهامها وواجباتها في ترقية الوطن وحماية حقوق المواطنين الطبيعية والقانونية,وحسرمساحات التمييزوالمحاباة إلى أضيق الحدود كي تمكن النفس البشرية من التحرك  بأوسع قدرمن الضميرالوطني ومن السلوك الأخلاقي في المساواة بين الجميع في التعامل بين المواطنين ومعهم,ولردع محاولات تجاوزأي من هذه السلطات لصلاحياتها,ومنع تغول طرف منها على أي   طرف آخر,أو التدخل في منهجية عمله,والحؤول دون السماح بالتلاعب بالتشريعات والقوانين لخدمة مصالح فئوية أو شخصية وفردية ضيقة ومحدودة.ترسخت هذه العلاقة مع المفاهيم الديمقراطية وقيمها ووسائلها وأساليبها.
 
بكل بساطة فإن إدارة الشأن العام (فعاليات المجتمع المجني ::جمعيات ,أحزاب,تيارات سياسية ,نقابات,روابط,منتديات ....) بشكل خاص,وإدارة الدولة بشكل عام لا تتحق لها الانجازات المرجوة   ولن تتمكن من النجاح في جهودها ومساعيها لتنفيذ واجباتها في الخدمة العامة,سوى بإقامة المؤسسات (اللجان المتخصصة في فعاليات المجتمع المدني) المستقلة والمتعاضدة في أهدافها وفي أداء واجباتها التكاملية في غاياتها ومراميها.
 
حكم الحزب الفائز في انتخابات نزيهة في دول التحول الديمقراطي,أو العاملة في مسار قد يقودها إلى مرحلة التحول الديمقراطي,مهمة تأخذ في الحسبان قدرة هذا الحزب على وضع شعاراته المنطلقة من مبادئه موضع التطبيق العملي الطوعية,أي التي قبل الناس بها وتشكل دافعا لقواه أو بعضها المساهمة  في ذلك برضى وقناعة.وهذا بطبيعة الحال يحتاج إلى رصانة في صياغة الأهداف ووضوح في تبني وسائل تحقيقها بعد أن يُصاغ قرارالتعاطي بها من مصادره المشروعة,أي المصنفة في التشريعات السارية والموصوفة بدقة في صلاحيتها وفي مرجعيتها القانونية.
 
إن المصطلح الذي يجاهر بأن الدولة الحديثة لها رؤوس ثلاثة تتكامل في مهامها وتنسق جهودها و أعمالها وواجباتها بما يحقق نظام الحكم الرشيق والمتواصل مع العصر وأفكاره وأدواته ينطبق إلى    على المجتمع المتحضرالمسمى الديمقراطي بالمجتمع الديمقراطي (مجتمع التعددية والحرية والديمقراطية) الذي تتمتع كل سلطة فيه بالاستقلال وتنفصل فيه عن بعضها البعض بفواصل واضحة ومعتمدة,ولكن عندما تتنطع للسلطة التنفيذية في دولة ثلاث قوى منها من هو المرشد العام لحركة  سياسية بمرجعية دينية ورئيس حزب تابع للحركة ثم رئيس جمهورية ملتزم بالحزب وبالحركة كل من هذه الشخصيات  له صفة تتفوق على صفات الشخصيتين الأخرتين مرجعية وتنظيميا وقيادة  وصلاحيات, فإن مثل هذه الدولة ليست ديمقراطية ولن تكون تحت أي ظرف من الظروف السياسية أو الفكرية أو الثقافيةأو تحت أي مسمى دولة ديمقراطية, ولن تماثل في أوضاعها أي شكل ديمقراطي بدائي.
 
ولكن لا تكمن كل المشكلة في حالة الدولة عند هذا الوضع المتنافي مع أبسط معاني الديمقراطية وأسسها الأولية,وبعدها بمسافة طويلة عن مفاهيم الديمقراطية وعن الاستعداد الطوعي للمقرطة,إنما فيما ستؤول إليه أوضاع هذه الدولة تحت إدارة برؤوس ثلاثة متسلسلة في صلاحيات كل منها وقوة تأثير قرار أحدها على الآخرين,أي ليست قيادة برؤوس ثلاثة متكافئة الصلاحيات تتوزعها فيما بينها بالاتفاق والتنسيق المبني على الاختصاص والخبرة فيما بينها خدمة للصالح العام.وها نحن نشهد حالتي مصر بشكل  مباشر كبيرومستغرب وحالة تونس (إلى حد بعيد). 
 
في مصررئيس الجمهورية (الدكتور محمد مرسي) عضو في قيادة حركة الإخوان المسلمين التي   يقودها مرشد عام للحركة العالمية والمصرية من ضمنها,يساعده رجل قوي في مصرهو السيد خيرت الشاطروهو,أي رئيس الجمهورية عضو في حزب تابع للحركة يقوده شخص آخر(السيد سعد الكتاتني) وكان من نتيجة ذلك الوضع المتناقض مع غايات التعددية البناءة والغريب على مناهج المدارس   السياسية وموضوعاتها ما آلت إليه أحوال مصر العربية التي يمكن وصف بعضها على النحو التالي :
 
1-التردد في اتخاذ القرارات وضعف موضوعها وأسلوب اتخاذها.
2-التراجع السريع عن قرارات بعد إصدارها بوقت قصير.
3-التراجع عن وعود كثيرة قدمتها الحركة,ووعد بها الرئيس المكونات السياسية الوطنية والشعب المصري وخاصة ما يتعلق منها ما يتعلقبحريات الصحافيين ومحطات البث التلفزيوني.
4-عدم الالتزام بما ألزم الئيس نفسه به,مثل :لآعودة لحالة الطوارئ منذ هذه اللحظة (عندما فاز بالانتخابات المشكوك في نزاهتها) فقام بفرضها مع فرض عدم التجول على  مدن القناة الثلاث لم يلتزم بها أي من مواطنيها!!ولا لحظة واحدة.
5-لم تظهر ردة فعل الرئيس أو أي من الرؤوس الثلاثة على استقالة عدد من مستشاري الرئيس احتجاجا على قراره الدستوري المشؤوم.
6-سال دم مصري كثير في ظل النظام متسلسل الرؤوس,وكان الدكتور مرسي وعد بأنه لن يبقى ريسا إذا سالت نقطة دم واحدة,إذ لربما كثرة الدم المسفوك تختلف في تهجئتها عن نقطة الدم الواحدة !!. 
 
أي  واحدة من هذه الإخلالات بالوعود,وحجز الحريات والتضييق على القضاء والإعلام وحالات التعذيب والقتل وإسالة دم المواطنين وسحلهم عراة  من مجموعة من أفراد أمن النظام علنا وبصورة همجية مقززة, وافتقاد الصدق والصراحة كافية كاف للإطاحة ديمقراطيا بالحكم الذي يقترفها حتى ولو كانت نسبة الكصوتين له في الانتخابات 100%,وتحويل رؤوس النظام ومرتكبي أي فعل منها والعارفين والمنسبين والآمرين بها إلى محاكمات علنية تنقذ سمعة الوطن الأخلاقية وتراثه الحضاري.ولكن في ظل الدكتاتورية تظل أعمالا مبررة  بحكم الطبيعة سيرتكب نظامها المزيد منها ومما هو أبشع منها بكثير.الاستبدادية التي عندما يستبد تفكير الحفاظ على الحكم على كل العقائد والمبادئ وقيمهما ومثلهما,وتركيب الاتهامات ونعت الآخرين بها,والتنصل من مسؤوليتها, يشي بما سيكون عليه حال أكبر دولة عربية,وما آلت إليه رؤية المواطن إلى هكذا حزب لا يرى في أخطائه وعيوبه إلا أصرارا على التمادي بها.
 
ويظل السؤال المحير فعلا هل تستقيم النظم الديمقراطية مع الدعوات الثيوقراطيةالأوتوقراطية ومرجعياتها الدينية في أي نظام حكم!!؟؟؟.


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد