أتباع لأميركا لا حلفاء

mainThumb

09-02-2013 05:15 PM

في سؤال تضمنه فصل من كتابنا الفساد في الفكر كما في الإنسان ( عمان 1996) كان يتعلق  بالعلاقة بين فشل العقيدة السياسية وبين فشل العقائديين المتبنين لتلك العقائد,وكان البحث في هذ العلاقة يتناول تجارب عملية مرت بها الأحزاب السياسية في الوطن العربي بما لها وبما عليها من تجارب  فاشلة وأخرى حققت نجاحات مرموقة.

فإذا اعتبرنا أن عملية تسييس الدين هي عملية سياسية,تتبناها تيارات وجماعات ترى في ممارساتها للسياسة أن الاستعانة بالقيم الدينية يخدم أغراضها السياسية,وهو أمر طبيعي أن تحتاج السياسة إلى الاستعانة بالدين ولكن بكل تأكيد لادين يحتاج إلى الاستعانة بالسياسة كي تخدم قيمه ,فقداسة القيم    الدينية جزء لا يتجزأ من كينونتها,وتظل هذه القيم تفوق كل قدرة للعقول البشرية على محاكاتها,وإنما   من الفروض أن تلتزم بها كما جاءت بها القيم الدينية ونصوصها بكل وضوح وشفافية.

لا يستغني المتابع لأحداث منطقتنا العربية وجوارها (أو الأحداث في أي منطقة أخرى من العالم المعاصرومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الولايات المتحدة الأميركية الكاسب الوحيد بين مجموعة الدول التي شاركت بها مباشرة أو بطرق غير مباشرة),عن أهمية متابعةالصياغات الواضحة والمعلنة للاستراتيجية الأميركية التي تتبناها إداراتها الديمقراطية أو الجمهورية لا فرق.وملخصها بأن على الولايات المتحدة أن تحافظ بكل الوسائل هيمنتها الثلاثية الأركان,أي أن تظل الأقوى عسكريا من أي قوة عسكرية أخرى والأقدرفي التأثيرالمباشروالملحوظ على مجريات كل منها في كل دولة من دول العالم دون استثناء,وهذه الثلاثية : الهيمنة الاقتصادية ؛ الهيمنة السياسية ؛ الهيمنة العسكرية.

من ملامح الهيمنة الاقتصادية هي إبقاء الاقتصاد أكبر حجم من اقتصاد أي منالدول الأخرى,والعمل  على ترسيخ حريات التجارة والاستثمار,وإبقاء حصة الولايات المتحدة في المؤسسات الدولية الحصة الأكبر(البنك الدولي,صندوق النقد الدولي ....),كي تكون صاحبة الرأي النهائي في قراراتها.

ومن ملامح الهيمنة السياسية,التأثير على مجريات القرارات وتحديد المواقف من أطرافها في مجلس الأمن,وقرارات الأمم المتحدة ولجانها ومنظماتها بالإبقاء على حصة الأسد في تمويلها والتبرع لهاوالمساهمة العريضة في ميزانياتها.إضافة إلى الاستعانة بالضغوط الاقتصادية وحجوم المنح والمساعدات التي تقدمها للدول الأخرى,عدا عن الاستعانة بالضغوط العسكرية والتدخل الاستخباراتي والتجسسي,وأساليب الحصاروسياسات الاحتواء والمقاطعة...

أما ملامح الهيمنة العسكرية فتتلخص بالحفاظ على أضخم قوة عسكرية دفاعا وهجوما,وعلى الانتشار العسكري بالبحار وعلى اليابسة وفي الفضاء في مختلف مناطق العالم وآفاقه التي تحقق لها البعد الواحد في الفهم الاستراتيجي العسكري للحفاظ على مصالحها الجيوستراتيجية والجيو اقتصادية والجيوثرواتية,ومنع بروز قوة عسكرية منافسة تستطيع الاخلال باستقرار توازن الوجود الأميركي داخل الولايات المتحدة وخارجها وأماكن تواجدها.

ولكن الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها الاقتصادات الأوروبية عامة,والاقتصاد الأميركي خاصة,بعد حماقة غزو العراق واحتلاله لتجد نفسها أمام حرب طويلة خسائرها المادية والمعنوية جسيمة,وخلخلت الكيان العسكري الأميركي الذي كان منهمكا كذلك باحتلال أفغانستان.مما أجبر الإدرادة الأميركية على مراجعة الخطط والبرامج التكتيكية في سياساتها الاقتصادية والعسكرية,والنحو ناحية الانكماش  العسكري بعد معانات احتلال العراق بعد أفغانستان,فأخذت تنأى بنفسها عن التدخل العسكري المباشر,وتركت لأتباعها من لحلف الأطلسي مهمة عسكرة تدخلاتها الاستعمارية الفجة,واكتفت أميركا بتقديم الدعم اللوجستي لحلفائها الأوروبيين كما حدث في عملية تدمير ليبيا بحجة تحريرها,وها  هم الأوروبيون اليوم يعانون من تهديد الليبيين لاحتلالهم الامبريالي الجشع والمتعطش للبترول وثروات الدول الأخرى لدعم رفاهية شعوبهم على حساب الدول الضعيفة.ولم تجرؤ أميركا على التدخل المباشر في العدوان البشع على سوريا,واكتفت بالتنبؤ الفاشل بذهاب النظام السوري وتقديم الدعم الاستخباراتي والإعلامي لمقاتلين عرب وأجانب  طلبت من قطر والسعودية تمويلهم فكان التمويل سخيا,ومن تركيا تدريبهم ودفعهم إلى أتون حرب تقود إلى تدمير القدرات السورية وتقديم سوريا ضعيفة هدية  للصهيونية المحتلة للأرض الفلسطينية!!باسم الثورة.فإذا (بالثورة الشعبية ) التي راهنت وتوسلت الأجانب على تحريرهم !!تستهدف منصات إطلاق الصواريخ  والدفاعات الجوية السورية !!!.

تركز البرمجة التكتيكية لحفاظ أميركا على مصالحها وعلى موقعها الذي تريده لنفسها على :-

*محاربة الإرهاب (حسب معاييرها المزدوجة) في كل مكان,(ودعمه في سوريا) ؛
* ردع نمو أي قوة منافسة لقدراتها العسكرية أو الاقتصادية,قد تخل بموازين القوى الدولية التي تحقق المصالح الأميركية وأتباعها ؛
*منع انتشار الأسلحة النووية التي سمحت بها في باكستان والهند,وتحرمها على إيران من أجل حماية الكيان الصهيوني.

والحال كما هو عليه,فإنه من الواضح,ومن منظورأميركي معبرا عنه بالاستراتيجية الموضوعة لملزمة للإدارات المتعاقبة, عقم الادعاء بأن لأميركا حلفاء بالمعنى الحرفي للكلمة,هناك أتباع بدرجات تبعية مختلفة ,مقسمون في تبعيتهم إلى مستويات من التبعية التطبيقية,تبعية بريطانيا,على سبيل المثال, من المتوقع لها أن تكون في مستوى أرفع كثيرا!!من تبعية قطر,والاعتمادالأميركي على تبعية فرنسا يدعوها إلى الحوار المشروط بالتوصل إلى اتفاق على ما يحقق المصلحة الأميركية,أما بالنسبة للبقية من النظم العربية التي أقامت فيها أميركا قواعدها العسكرية ,وحاربت العراق بادعاء  الدفاع  عن نظمها العاجزة عسكريا,فهم أتباع طاعة وموافقة غير مشروطة على الرغبات الأميركية.وتجعل إطلالة حلف الأطلسي وقواعده وقواه على المنطقة عبرالقاعدة التركية أرضا وجوا وفضاء من تركيا تابعة للتابعة,أي تبعية بدرجة ثالثة أو دونها.ومع ذلك تستجمع ذاكرة تركيا أطماعها الامبراطورية العبثية مستهدفة البلاد العربية,لتواجه الصخرة السورية المقاومة بالحس الوطني والقومي فتصاب زعاماتها بالإحباط واليأس ولم تعد تلك الزعامات تحتمل الرأي الآخرفتملأ بسجونها الصحافيين ولم تألف غير تصديق ذاتها وأطماعها فساقت بلادها إلى مسارات تنحدرفيها إلى عدم الاستقرار وافتقاد الأمن والأمان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد