العسكريتاريا تدير مصر من جديد!

العسكريتاريا تدير مصر من جديد!

04-09-2013 01:57 PM

مقولة "الطبع غلب التطبع"غالبا ما تسري على الأنظمة العسكرية، وخاصة في العالم العربي.فجميع تلك الأنظمة جاءت تحت شعارات التحرير والمساواة، والتقدم، والحرية، لكنها زرعت الرعب، وأقامت حكومات بوليسية قمعية فتاكة بشعوبها إلى أبعد الحدود، يتزعمها رئيس ملهم، له سلطات مطلقة يحظر الاعتراض عليها.

نجد الزعيم من "أصول" عسكرية يظهر على شعبه في كثير من المناسبات بالبزة العسكرية لتذكيرهم بمصدر قوتة وبطشه. واليوم عادت مصر لتصبح نموذجا جديدا من نماذج حالات الطبع الذي غلب التطبع. فمصر يحكمها اليوم الفريق عبدالفتاح السيسي، ولكي يبعد عن نفسه صفة العسكريتاريا أصبح يظهر على قنوات البلطجة الإعلامية المصرية بزي مدني.

لكن جوهر نظرية الطبع والتطبع لا يكمن في ملابس السيسي بل في ممارسات حطام وبقايا الحكومة الصدئة الفاسدة التي تخلفت بعد انهيار نظام مبارك وما زالت تتمسك بمفاصل الإدارة الاقتصادية، والسياسية، والإعلامية، والتعليمية، والأدهى وأمر إدارة القضاء وتوجيهه الوجهة التي تريد حكومة العسكر التي يتزعمها السيسي. هذه الطبقة المنتفعة من القضاة تبحث عن سيد تخدمه لضمان مصالحها، وليس أهون عندها من التضحية باستقلالية القضاء لضمان تحقيق تلك المصالح.

جمهرة كبيرة من الإعلاميين المصريين يمارسون الآن ما دأب عليه القضاة، فضحّوا بحرية الصحافة وقدسية المهنة الرقابية، فدقتطبول الترحيب والاعتزاز بالبطل عبدالفتاح، وزينت له كذبة نيله رضا الأغلبية المطلقة من الشعب المصري، ودوما يذكروه بالكذبة الكبرى التي تقول أن ثلاثين مليون مصريخرجوا لتأييده في اليوم الأخير من حزيران/يونيو الماضي. فاغتر السيسي، والدليل أنه ابتلع الطعم أنه بدأ يظهر تدريجيا كما قلت بملابس مدنية تمهيدا للخطوة التالية. هذا التدرج المحسوب له نهاية وغرض. أما النهاية فهي تشكيل حكومة انتقالية أو وراثية لا فرق لأن أسباب استطالة عمرها ستأتي في الوقت المناسب.أما الغرض المباشر فهو أن يرأسها السيسي مصحوبا بزفة إعلامية صاخبة تتغنى بمواهبة غير المحدودة وتضحياته الجسام أيضا. فهو الرجل الديمقراطي الذي طلب من الشعب تفويضا (وأمر أيضا) لمواجهة الإرهاب المحتمل. الرئيس الجديد (غير المعلن بعد) بمجرد أن تجمَّعت السلطات المطلقة في يده أعلن أنه قضى على الإرهاب، مع أن الإعلام العالمي، وجزء من الإعلام العربي رأى أن السيسي لم يقض على شيئ سوى المعارضة التي أزاحت مبارك. هذه المعارضة التي قامت بثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني كانت تتميز بأروع ميزات الثورات العالمية: التعددية العرقية، والتعددية الدينية، والتعددية السياسية. فكان صعيد مصر ومدنها، وأهل النوبة وسيناء، ومسلمي مصر وأقباطها، أحزابها الدينية والعلمانية،  قد شكلوا جميعا قوام ثورة شعبية بكل أبعادها أسقطت نظام مبارك. لم يكن الإخوان المسلمين إلا أحد المكونات، ربما أكبرها حجما كي لا يقال أنهم هم فقط من قاموا بالثورة على النظام الفاسد، لكنهم والحق يقال كانوا أكبر المتضررين من حكم سادي تمترس على صدر مصر ثلاثين عاما.

وعودة إلى نظرية الطبع والتطبع وكلاسيكيات الممارسات العسكرية في إدارة البلدان التي تبتلى بهم. العسكر المتسيسون لا يرون إلا مكانين إثنين لا ثالث لهما لإي معارض أو مخالف لهم في الرأي: السجن المؤبد مع الأشغال الشاقة في أبي زعبل أو طره، أو في القبر وهو الخيار الأفضل. وهذا في الحقيقة ما تفتقت عنه قريحة السيسي. فبعد أن قتل ما يقارب الألف مواطن في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وضع الحبل على الغارب للأجهزة القمعية التي خدمت نظام مبارك البوليسي عبر ثلاثين عاما لإلقاء القبض على جميع قادة ثورة 25 يناير/كانون الثاني دون تحديد، ولكن بشكل خاص قادة الإخوان المسلمين الأكثر صخبا وتهديدا لمخططات الزعيم الجديد، الذي ما زال في طور التشكل، خداجا يتم تصويره تارة على النموذج الناصري، وتارة أخرى على النموذج الساداتي، وأحيانا على نموذج مبارك الرخوي الذي أطلق يد الفسدة لنهب الشعب المصري، ورضي بنصيب معلوم منهم.

من أبرز سمات مرحلة العسكريتاريا ما نراه اليوم في مصر من كبت للحريات وقمع للآراء وزج المحاسيب في المفاصل الحساسة للدولة. من أجل ذلك لم يتوانَ الفريق السيسي أن يغلق الفضائيات التي لا تتلائم نغمتها وتوجهها مع ما يردده الكورس الإعلامي المتعسكر، وأبعد من ذلك وأعمق، لأنه ليس بمقدور القائد العسكري، والسيسي ليس استثناءً،تصور وجود إعلام حر متعدد الآراء ليس مسيطرا عليه. القائد العسكري، والسيسي نموذجا، لا يستطيع تقبل وجود إعلام له رأي مغاير لما يرى، لذا فإنه يلجأ إلى أشد السبل قمعية كطرد و ترحيل الصحافيين الأجانبت الذين يعملون لصحف أو لقنوات عربية. كما أن الإعلاميين المصريين العاملين في قنوات عربية غير مصرية عرضة ليس للطرد أو الترحيل فقط بل للسجن أيضا لأنهم مصريين. وهذا بالتحديد ما حدث إلى عبدالله الشامي، مراسل قناة الجزيرة، ومحمد بدر مصور في قناة الجزيرة. يقضي الاثنان مددا غير محددة في السجن تمدد خمسة عشر يوما عند انقضائها دون اكتراث بالقوانين التي تحدد مدة تجديد الحبس بعد ذلك إما توجيه التهمة أو الإفراج عن المتهمين.

أي قائد عسكري أو أي زعيم انقلابي، وهذا بالتجربة التي يشهد لها التاريخ ليس تعميما خاطئا، يفضل فضائية واحدة وثلاث أو أربع صحف مسيطر عليها كليا. ومن لديه أدنى شك فلينظر إلى إعلام صدام حسين، وبشار الأسد وقبله أبيه، وعلى عبدالله صالح، ومعمر القذافي، وعمر البشير، وزين العابدين، وغيرهم من نظرائهم الاستبداديين في شرق أوروبا أو في كوبا، أو في كوريا الشمالية.

وفي فورة "تنظيف" الأجواء من المراسلين المصابين بفايروس الحرية الإعلامية، شرعت الأجهزة التي ورثها السيسي عن مبارك في ترحيل مراسلين أجانب أيضا يعملون لحساب قنوات عربيةناطقة بالإنجليزية. من بين هؤلاء المراسلين الأجانب: روس فين (إيرلندي)، وعادل بردلو (جنوب إفريقي)، و وين هاي (نيوزيلاندي) ويعمل هؤلاء لقناة الجزيرة الإنجليزية. التهمة التي وجهت لهم هي مراسلة قناة منحازة.

ومن المضحكات المبكيات أن بقايا مكونات السلطة القضائية المصرية (نصف العسكرية) وجهت لبعض الإخوان المسلمين تهمة الانتماء لجماعة تسعى لقلب نظام الحكم، ولم تحدد أي نظام حكم: هل هو نظام مبارك؟ أم قلب نظام السيسي؟وصدرت الأحكام بالسجن على المتهمين بمدد تتراوح بين خمسة سنوات وخمس وعشرين سنة، بسرعة لم تكن معهودة عن القضاء المصري لكن "العهد الجديد" يتطلب ذلك(!)

حسنا فعل أبرز معارضي دكتاتورية مبارك والسيسي أيمن نور و محمد البرادعي اللذين غادرا مصر السيسية إلى لبنان والنمسا.

Gali.tealakh@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد