الإتصالات السرية بين واشنطن وطهران

mainThumb

29-09-2013 11:29 AM

من أجل التعرف على المراحل التي مرت بها هذه الإتصالات لا بد لنا من أن نحيط علما بكافة المواضيع التي تخللتها هذه الإتصالات والأهداف المرجوة منها  والتي بدأت تتضح  خلال العامين الماضيين مدفوعة بالعامل الإقتصادي الذي يبحث عن مصدر للغاز يتم عن طريقه تزويد  خط أنابيب الغاز نابوكو بعد أن تعثرت المباحثات في التزود بغاز تركمانستان بفعل النفوذ الروسي . مما أرغم الولايات المتحدة ودول حلف الأطلسي إلى البحث عن مصدر جديد لتزويد  خط أنابيب نابوكو بالغاز وإيصاله إلى أوروبا من هنا كان البديل الأقرب والأمثل هو التوجه إلى كل من إيران وقطر لأخذ مكان تركمانستان علما بأن قطر تدفع نسبة مئوية كبيرة  إلى إيران عن كل الغاز المباع من حقل غاز الشمال  أو ( حقل فارس الجنوبي )  وهو حقل غاز طبيعي مشترك  بين قطر وإيران  في الخليج العربي مساحته 9700 متر مربع 6000 متر مربع في مياه قطر الإقليمية و3700 متر مربع في مياه إيران الإقليمية .


وعليه فإن الولايات المتحدة قد عمدت إلى إجراء مباحثات سرية مع إيران من أجل تزويد  خط أنابيب نابوكو بالغاز.


طوال الأعوام العشرة الماضية عمدت الولايات المتحدة إلى رسم خطتها في استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي بحجة البرنامج النووي الإيراني حيث تم استصدار عدد من القرارات تضمنت فرض عقوبات بحق إيران أعتبارا من تاريخ 23/12/2006  صدر قرار رقم 1737 والذي يطالب إيران  بتجميد نشاطاتها النووية الحساسة . كما صدر  بتاريخ 24/3/2007 القرار 1747  والذي ينص على فرض  حظر على شراء وبيع أسلحة إلى إيران  بالإضافة إلى فرض عقوبات  على الصعيدين المالي والتجاري وبتاريخ  3/3/2008 صدر القرار رقم 1803   والذي ينص على حظر السفر على المسؤولين  الإيرانيين  الضالعين في البرنامجين النووي والبالستي  وتفتيش  الحمولات المتوجهة  إلى إيران أو الآتية من الموانىء الإيرانية . وبتاريخ  9/6/2010 صدر القرار رقم  1929  والذي ينص  على فرض إجراءات ضد بنوك  إيرانية يشتبه بصلتها بالبرنامج  النووي الإيراني   وحظر إجراء أي معاملات  مع أي بنك إيراني  بما فيه البنك المركزي الإيراني  بالإضافة إلى بند خاص  لتوسيع حظر الأسلحة المفروض على إيران سواء العتاد العسكري  أو الدبابات والعربات  المدرعة والطائرات الهجومية  والمدفعية المتطورة  وكل ما يتصل ببرامج الصواريخ البالستية .


ونتيجة للإتصالات السرية  فلقد أصدرت وزارة الخزينة الأمريكية  ترخيصا عاما يسمح للأمريكيين  والشركات الأمريكية ببيع  أجهزة الكومبيوتر والإنترنت وخدمات الإتصالات للإيرانيين تحت ستار  حرية التعبير وتمكين المجتمع الإيراني من التعبير عن رأيه والإتصال بالعالم . علما بأن أجهزة الكومبيوتر هي من أهم الأجهزة المستخدمة في البرنامج النووي وبرنامج الفضاء الإيراني وبرنامج الصواريخ الإيرانية وشبكات الرادار وفي مجالات القيادة والسيطرة. وجاءت قمة الإتصالات في لقاء وزيري الخارجية الإيراني والأمريكي في نيويورك بتاريخ 26/9/2013 وفي الإتصال الهاتفي بين الرئيسن الأمريكي أوباما  والإيراني روحاني 


مشروع خط أنابيب الغاز  نابوكو :


لا شك بأن توجه أوروبا إلى استخدام الغاز الطبيعي عالي الكفاءة اعتبارا من عام 2020  بدلا من مصادر الطاقة البديلة وعلى رأسها الفحم الحجري . وإن بدء ألمانيا في استخدام الغاز القادم من روسيا  وتصريحها بإمكانية التخلي عن الطاقة النووية  قد دفع الكثير من الدول إلى عقد مفاضلة بين النفط والغاز لا سيما وأن الكثير من دول العالم لا زالت تعتمد اعتمادا كليا على النفط  وترغب في الإنتقال إلى الغاز  فالنفط يعتمد اعتمادا كليا على شركات النفط الأمريكية  ومدى سيطرة هذه الشركات على الدول المنتجة للنفط  ومدى إنصياعها لتوجيهات الإدارة الأمريكية  بالإضافة إلى تعرض أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى التذبذب وعدم الإستقرار نتيجة مضاربات أسواق البورصة  . كما أن ناقلات النفط العملاقة لا زالت هي الوسيلة الوحيدة  لإيصال النفط  إلى الدول المستهلكة وعلى رأسها  الدول الأوروبية والصين واليابان  والولايات المتحدة . وإن مرور هذه الناقلات من خلال ممرات مائية  استراتيجية  وعلى رأسها  مضيق هرمز  ومضيق باب المندب  وقناة السويس  وجميع هذه الممرات هي في قلب العالم العربي . وإن أي هزة في النظام السياسي في أي من الدول المصدرة  للنفط  يؤدي إلى الهلع وإلى إرتفاع الأسعار والتسبب في هزات إقتصادية عالمية .


ولا زالت الأنظار تتجه  نحو ثورة الغاز الصخري  والتكنولوجيا المصاحبة له والتي يقدر الخبراء  أنها ستحدث تغييرات هامة في معادلات الطاقة خلال عقدين من الزمان .
 
بتاريخ 15/7/2009  تم التوقيع على إتفاقية  في العاصمة التركية أنقرة من قبل تركيا  وأذربيجان وبلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا بحضور ألمانيا  المشاركة في تنفيذ المشروع وبحضور رئيس المفوضية ألأوروبية   جوزيه مانويل باروسو  وبحضور المبعوث الخاص للرئيس الأمريكي أوباما لشؤون الطاقة  ريتشارد مورننج ستار . من أجل إقامة  مشروع خط أنابيب ضخم لنقل الغاز من أواسط آسيا عبر الأراضي التركية في اتجاه دول الإتحد الأوروبي  ويصب في مستودعات  كبيرة للتخزين  في  النمسا . ولقد أكد المشاركون  تبني حلف الأطلسي  ودعمه السياسي والإستراتيجي لهذا المشروع  . وتمت تسمية هذا المشروع بإسم ( نابوكو )  تيمنا بإسم مقطوعة موسيقية كلاسيكية  حول التحرر من العبودية  من تأليف  المؤلف الإيطالي جيوسيبي فيردي والمأخودة قصتها من التوراة والتي تناولت المآسي التي مر بها اليهود عبر التاريخ .


ويهدف هذا المشروع إلى نقل الغاز  الطبيعي مباشرة من وسط آسيا من تركمانستان  التي تملك رابع أكبر مخزون احتياطي غاز في العالم  إلى وسط أوروبا دون المرور بالأراضي الروسية  بمسافة 3300 كيلو متر . وكان من المتوقع أن تبدأ  أولى عمليات التسليم عام 2014 بطاقة سنوية  أولية تقدر  بين ثمانية مليارات  وعشرة مليارات متر مكعب .


ولقد اعتمد هذا الخط  على استراتيجية حلف الأطلسي  العمل على تحرير جمهوريات الإتحاد السوفياتي السابقة من الهيمنة الروسية.


ولكن الهيمنة الروسية السياسية والعسكرية والتجارية والإقتصادية  وقفت في وجه تنفيذ خط نابوكو والعمل على تفريغه  من جدواه  من النواحي  القانونية والإقتصادية  والسياسية  وقبل التطرق إلى هذه المحاور الثلاثة لا بد لنا من إلإحاطة بالمعلومات الأساسية لبحر قزوين والدول المشاطئة لهذا البحر . بعد انهيار الإتحاد السوفياتي  والخلاف على توزيع مقدرات هذا البحر وثرواته والإستمرار في فرض النفوذ الروسي على بعض دوله من أجل التوصل إلى صيغة قانونية يقرر من خلالها التساؤل المطروح بين دوله هل هو بحر أم بحيرة مغلقة .


ولقد عرف بحر قزوين عبر التاريخ ببحر الخزر  وهو يعد  أضخم بحيرة مغلقة  بطول 1200 كيلو متر وعرض 300 كيلو متر . تحده روسيا  من الشمال والشمال الغربي  وأذربيجان من الغرب  وإيران من الجنوب  وتركمانستان وكازاخستان من الشرق .
ولقد عمدت روسيا الى المحور الأول وهو المحور القانوني والتي  أثارت موضوع الصفة القانوية لبحر قزوين  وتبنت تعريف حوض قزوين على أنه بحيرة متجددة  بمياه أنهار الفولغا  وبناء على ذلك فالقانون الدولي يعطيها الحق بتقاسم مياهه وثرواته  بالتساوي بين الدول المحيطة به . هذا المحور من الإستراتيجية  الروسية جعل من المستحيل  ليس فقط إنشاء  خط أنابيب الغاز  عبر حوض قزوين  بل حتى تطوير تركمانستان  أو أذربيجان لأية حقول غاز على سواحل حوض قزوين  في ظل هذا التعريف إلى أن يتم الإعتراف به كبحر. وفي حال الإعتراف به كبحر  يتم تقاسم مياهه وثرواته حسب طول شواطىء الدول المحيطة به  وأتساع جرفها القاري .


كما عمدت روسيا إلى اتباع محورها الثاني المتمثل في بناء قوة شراء وبيع  واحتكار  قطاع الغاز  محليا ودوليا  فعمدت إلى شراء  كامل الغاز المنتج في أواسط آسيا وبالتالي احتكار بيعه عن طريقها وعبر أنابيبها  العابرة للقارات
ودخلت  في عقود شراء غاز طويلة الأمد  مع كل الحكومات  للدول التي كان من المفروض منها ضخ الغاز في خط أنابيب نابوكو  فوقعت عقود شراء مع كل من تركمانستان  واوزبكستان لشراء كامل إنتاجها من الغاز  حيث انسحبت هذه الدول من أي تعهد لإمداد  خط نابوكو . كما قامت روسيا بتوطيد علاقتها  مع كل من إيران وقطر   وقامت بإنشاء  منظمة الدول المصدرة للغاز وجعلت من الدوحة مركزا لهذه المنظمة .


وبالرغم من أن العلاقة الروسية الإيرانية قد رافقتها علاقة المد والجزر وصاحبتها بعض الصداقات والخلافات لا سيما في مجال التسلح  حيث لم تتمكن  الأجهزة الإستخبارية العالمية  من استشراف مدى عمق التعاون العسكري بين إيران وبين روسيا وبين إيران ودول الإتحاد السوفياتي سابقا لا سيما في مجال التعاون النووي . ولا أحد يعلم أعداد الصواريخ التي تم شراؤها من هذه الجمهوريات وعدد العلماء  السابقين من علماء الإتحاد السوفياتي الذين انتقلوا إلى إيران وساهموا في تطوير الكثير من المنظومات العسكرية الإيرانية لا سيما في مجال تصنيع الصواريخ وتكنولوجيا الأقمار الصناعية  . وبالرغم من إمتناع روسيا تزويد إيران بمنظومة صواريخ إس 300 تطبيقا لقرارات مجلس الأمن بعد أن قبضت مبلغ 4,2 مليار  إلا أن هناك مباحثات جارية من أجل تزويد إيران  بأنظمة " أنتيه 2500 " الصاروخية للدفاع الجوي.


لقد عمدت روسيا إلى  بناء أنابيب نقل الغاز الخاصة بها حيث قامت ببناء  خط غاز الأنبوب الشمالي  الواصل مباشرة بين روسيا والمانيا عبر بحر البلطيق . بالإضافة إلى أنبوب آخر يمر عبر أوكرانيا إلا أن وقوع خلافات مالية وسياسية بين أوكرانيا وروسيا قد أدى إلى توقيف ضخ الغاز الى أوروبا في فصل الشتاء  مما أدى إلى توجه الأوروبيين إلى عدم الإعتماد على الغاز الروسي والبحث عن مصادر غاز جديدة . ولكن روسيا أصرت على التعويض عن هذا الأنبوب وبناء  خط غاز  ألأنبوب الجنوبي  لتصدير غاز كل من  تركمانستان وأوزبكستان من بحر قزوين  ومرورا  تحت مياه البحر الأسود  وصولا إلى بلغاريا   ملتفا على أوكرانيا  وذلك بتكاليف  إنشاء تبلغ 14 مليار دولار  تتقاسمها مع إيطاليا  ويمكن أن يكون جاهزا عام 2015. 
كما أن روسيا تدرك أهمية سوق النفط والغاز في المحيط الهادىء وبالذات الصين  واليابان وكوريا الجنوبية من خلال بناء خط انابيب شرق سيبيريا  / المحيط الهادىء  وخط ثاني  يصل آبار النفط في سيبيريا الغربية والشرقية بميناء كوزمينو  في منطقة بريموري الشرقية الروسية


السؤال الهام الذي تواجهه أوروبا والولايات المتحدة إذا كانت روسيا قد تمكنت من توقيع عقود شراء لغاز كل من  تركمانستان وأوزبكستان  وسوف تقوم ببيعه إلى أوروبا عن طريق خط  أنبوب السيل الجنوبي فمن أين تحصل أوروبا على مورد للغاز  لأنبوب نابوكو .  هنا برزت المباحثات السرية مع إيران من أجل إقناع إيران وقطر بتصدير الغاز الإيراني والقطري من خلال خط أنبوب نابوكو . لقد كانت إيران تفكر ببناء خط من إيران عبر العراق إلى الشواطىء السورية . ولكن اكتشاف الغاز بكميات كبيرة في الشواطىء الشرقية  للبحر الأبيض المتوسط  المتاخمة لسوريا ولبنان وإسرائيل وغزة ومصر وقبرص . بالإضافة إلى اكتشاف حقول الغاز في سوريا كان أحدثها حقل قارة  قرب الحدود اللبنانية  بالإضافة إلى حقل جديد في طرطوس  على البحر الأبيض المتوسط  وبالرغم من التعتيم الإعلامي  السوري على هذه الإكتشافات  إلا أن الكميات المكتشفة  هي كميات ضخمة جداً وكان قد تم توقيع إتفاقية  بين روسيا وسوريا لبناء مصفاة غاز في تدمر منذ عام 2007.


كما أن إكتشاف الغاز عالي الجودة بكميات هائلة في إسرائيل عام 2009  في كل من حقل تامار  بالإضافة إلى اكتشاف أحد أكبر حقول الغاز  البحري في لافياتان هذا المخزون الإستراتيجي يكفي إسرائيل لمائة سنة مقبلة  . هذه الإكتشافات  وضعت إسرائيل على قائمة الدول  من أجل تصدير غازها إلى أوروبا  ولقد تم الإعلان رسميا  بتاريخ 3/5/2013  عن إنتاج الغاز في حقل تامار  ولقد أبدت إسرائيل استعدادها لتصدير الغاز لكل من الأردن وتركيا.  كما أنها تفكر ببناء خط أنبوب للغاز من خلال قبرص واليونان أو من خلال تركيا . وهي في نفس الوقت تحاول جاهدة منع وصول الغاز الإيراني  إلى البحر الأبيض المتوسط  من خلال الموانىء السورية أو اللبنانية  مرورا بالعراق .


إن الدول الأوروبية  وبالذات دول حلف الأطلسي لا تريد أن تعتمد على الغاز الروسي فهي تدرك أن روسيا قد تتحول من خلال غازها  وبترولها  إلى دولة مؤثرة  ومسيطرة سياسيا واقتصاديا  وهو ما ترفضه الولايات المتحدة  وترفضه دول حلف شمال الأطلسي . والبديل المطروح الآن هو الغاز الإيراني والغاز القطري لضخه في خط أنبوب غاز نابوكو فهل تنجح الولايات المتحدة  في الحصول على الغاز الإيراني  وهذا يتطلب رفع الحظر وإلغاء مجموعة قرارات مجلس الأمن الدولي  بحق إيران .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد