السعوديون ومجلس الأمن الدولي والجمعية العامة

mainThumb

22-10-2013 11:09 AM

قبل كل قول أرجو أن تتسع صدور إخواننا في وزارة خارجية المملكة العربية السعودية في مناقشة موضوعية لقرارها رفض العضوية في مجلس الأمن لمدة سنتين إشغالا للكرسي العربي المتناوب عليه بين الدول العربية مرة من دول المشرق العربي وأخرى من شمال إفريقيا طبقا لاتفاق بين القادة العرب ودول عدم الانحياز في ستينيات القرن الماضي على اعتبار أن جل القضايا المطروحة على مجلس الأمن هي قضايا عربية في الأصل، وعلى ذلك لا يخلو مجلس الأمن الدولي من عضو عربي.

(2)

في الأصل وطبقا للوائح المعمول بها في الحصول على عضوية أي دولة لمجلس الأمن الغير دائمة العضوية يكون عبر إعلان رغبة الدولة المعنية بإشغال ذلك المركز ثم إبلاغ المجموعة الجغرافية التي تنتمي لها الدولة المعنية عن تلك الرغبة الأمر الذي تقره تلك المجموعة، في هذه الحالة المجموعة العربية في نيويورك، قبلت بترشيح السعودية لشغل الكرسي العربي في المجلس.

 الخطوة الثانية الانتقال إلى المجموعة الآسيوية والتي تعتبر المجموعة العربية عضوا في تلك المجموعة وقد قبلت المجموعة الأخيرة ترشيح المملكة لعضوية مجلس الأمن. المرحلة أخيرة، الانتقال إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، يقوم رئيس المجموعة الآسيوية بتقديم أسماء دول المجموعة إلى الجمعية العامة بهدف التصويت عليها وفي هذه الحالة السعودية تعتبر مرشحة المجموعة الآسيوية. يجري التصويت على مستوى الجمعية العامة لكل ممثلي المجموعات الجغرافية وفي هذه الحالة فازت المملكة السعودية بكرسي آسيا في مجلس الأمن إلى جانب عضوين أخيرين للمجموعة الآسيوية.

(3)

السؤال الم تطلب المملكة من المجموعة العربية ومن ثم الآسيوية ترشيحها لشغل الكرسي العربي ــ الآسيوي في مجلس الأمن وكذلك طلبت من المجموعات الجغرافية الأخرى تأييد ترشيحها؟ الجواب في تقديري أن ترشيحها جاء بناء على رغبة سعودية في بادي الأمر.

المملكة السعودية عضو مؤسس للأمم المتحدة وشاركت في مؤتمر سان فرانسيسكوا عام 1945 وأقرت الميثاق والنظام الداخلي للجمعية العامة ومجلس الأمن وغير ذلك من الأجهزة الرئيسية للمنظمة الدولية. إذا هي تعلم بكل ما تفعله الأمم المتحدة من نجاحات وإخفاقات منذ العام الأول للتأسيس فلماذا الآن تحتج وزارة الخارجية السعودية على سلوك الأمم المتحدة بما في ذلك مجلس الأمن الذي أخفق في تحقيق السلم والأمن الدوليين على مدى الستين عاما الماضية؟

 يقول كاتب عربي مرموق إن هدف السياسة الخارجية السعودية بما فعلت هذا العام في الجمعية العامة ومجلس الأمن هو إرسال رسالة إلى أمريكا وروسيا تعبر عن احتجاج المملكة لتعطيل أعمال المجلس في تحقيق السلم والأمن في سورية وفلسطين، أقول هنا ومعذرة للكاتب آنف الذكر وللخارجية السعودية إن كانت تريد توجيه رسائل سياسية إلى أمريكا وروسيا فإن العنوان كان خطأ سياسيا كبيرا، كان يجب مخاطبة دول العالم عبر ممثليها في الجمعية العامة وليس عن طريق المواقف السلبية.

(4)

اعتذار الخارجية السعودية عن إلقاء خطابها السنوي أمام ممثلي 193 دولة أعضاء الجمعية العامة خطأ سياسي لا يغتفر لأن المملكة السعودية دولة من أكبر دول العالم الثالث ومن أقواها تأثيرا في السياسة الدولية إذا أرادت، لها قوة اقتصادية وقد اختيرت لمكانتها بين دول العشرين الكبار اقتصاديا في العالم، وهي دولة لها ثقل ديني إذ يتجه نحوها أكثر من مليار و200 مليون إنسان مسلم خمس مرات يوميا إلى جانب النوافل، وكلمة من أمام الحرم المكي والمدني من منابر الجمعة تهز العالم إن أرادت الدولة السعودية فعل ذلك ومكانة إستراتيجية لا تنكر. إن الامتناع عن إلقاء الخطاب السنوي أمام مندوبي دول العالم يعبر فيه عن غضب المملكة من فشل المنظمة الدولية في تحقيق أهدافها خاصة في رد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وجعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل أمر لم يجد نفعا لأن ما تداولته الوفود في الجمعية العامة هو اعتذار الوفد السعودي عن إلقاء كلمته السنوية.

أسوق نماذج من احتجاجات قادة العالم على فشل الأمم المتحدة من على منبر الجمعية العامة وأمام قادة العالم وممثليه. في عام 1960 وقف نكيتا خرتشوف زعيم الاتحاد السوفيتي ذلك الزمان وخلع حذاءه وراح يضرب به على طاولة الاجتماع أمام كل زعماء العالم محتجا على كلمات مندوب الفلبين في ذلك الحين التي مس فيها كبرياء الاتحاد السوفيتي، وسمع العالم وشاهد على كل شاشات التلفزة العالمية والمذياع والصحافة احتجاج الاتحاد السوفيتي.

ذوالفقار علي بوتو رئيس وزراء الباكستان وقف أمام الجمعية العامة معبرا بأغلظ الكلمات عن احتجاجه على الأمم المتحدة التي لم تمنع الهند من شن حرب على الباكستان بهدف تقسيمها إلى دولتين الباكستان وبانجلادش عام 1970، بوتو صرخ بأعلى صوته احتجاجا على التقصير الدولي قائلا وهو يمزق الميثاق "خذوا أممكم المتحدة" وغادر القاعة وقد استمع العالم إلى غضب الباكستان واحتجاجها على التقصير الدولي على كل وسائل الإعلام وكسبت الباكستان أنصارا لها ومؤيدين ودخلت معراج الدول النووية.

 في عام 1975 أصدرت الجمعية العامة قرارا يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال التمييز العنصر وغضبت الدول الغربية وأمريكا على نتيجة التصويت لصالح القرار. عندها وقف مندوب إسرائيل في الجمعية العامة حاييم هرتزق وألقى خطابا نقلته كل وسائل الإعلام في العالم هاجم فيه دول العالم والأمم المتحدة التي وقفت وصوتت لصالح ذلك القرار الذي يدين إسرائيل ومزق القرار أمام مندوبي العالم في الجمعية العامة ونثره إربا إربا على رؤوس أعضاء الجمعية العامة.

في عام 2006 وقف معمر القذافي أمام الجمعية العامة وهاجم فيها التنظيم الدولي ونفوذ الدول الكبرى في ذلك التنظيم وأسهب في ذكر سلبيات ذلك التنظيم ورفع الميثاق ومزقه وقذف به في وجه رئيس الجمعية العامة قائلا إنه ميثاق لا يحقق طموحات دول العالم.

كنت أتمنى أن يقف الأمير سعود الفيصل أو من ينوب عنه ــ بدلا من إلغاء الخطاب ــ أمام الجمعية العامة ليطرح على المجتمع الدولي مظالم العالم الثالث ومنه الدول العربية أمام الرأي العام الدولي أي أمام ممثلي الدول في الجمعية العامة وليس الانسحاب وإعطاء ذرائع ليست مجدية.

(5)

ما ردت قوله في هذا الإطار أن الخارجية السعودية أخطأت عندما طلبت ترشيحها من المجموعات الجغرافية لعضوية مجلس الأمن أن كانت تبيت أمر انسحابها بعد فوزها لأن ذلك الإجراء يفقدها القيمة والمصداقية السياسة عند الدول الأعضاء الذين صوتوا لصالحها وخيبت آمالهم بانسحابها.

 الأمر الآخر أن الأعوام القادمة خاصة 2014 ــ 2015 ستكون أعواما صعبة على أمتنا وجغرافيتنا العربية ونحتاج إلى دولة لها ثقل المملكة العربية السعودية في النسق الدولي، والحق أننا خسرنا كعرب صوتا عربيا قويا ومؤثرا في مجلس الأمن بعد انسحاب السعودية.

 

* الشرق القطرية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد