جولة في بعض المجلات القديمة ..

mainThumb

22-11-2013 06:07 PM

جميل أنْ يتجَوَّلَ الباحثُ في بعضِ المجلاتِ القديمة ، فيجدُ ما يروقُهُ أحياناً ، وينقبضُ أحياناً ، فَلِكُلِّ عصرٍ محاسِنُهُ ، ومساوئُهُ ، فمجلَّةُ ( الرسالة ) المصرية لصاحبها ( أحمد حسن الزيات ) كانت تَصْدُرُ في الثلاثينات ، وكان يكتُبُ فيها جمعٌ غفيرٌ من الكُتَّاب منهم السمينُ ومنهم الهزيلُ ، ومقالاتُهم تَبَعٌ لِتِلْكَ السَّمانةِ أو الهزالةِ .

فمما أعجَبني وهو من ( السَّمانةِ ) بلا شَكٍّ مقالٌ لكاتب يُدْعى ( محمود عوض ) وفحوى مقالِهِ ؛ أنَّهُ كان يدرسُ في لندن ، فقامتْ فتاةٌ نصرانية بتوجيهِ سؤالٍ له : ( نحن النصارى نستطيع أنْ نُلَخِّصَ دينَنا النصراني بكلمةٍ واحدة هي  الحب  فهل تستطيع أن تُلَخِّصَ دينَكم الاسلام بكلمة واحدة ؟ ) قال صاحبُ المقال : فأخذتُ أدوكُ ليلي في البحثِ عن كلمة تجمعُ أطرافَ ديننا ولُبَّهُ ، فاستهديتُ لكلمة واحدة هي دينُنا ألا وهي ( التوحيد ) ، فهذا المقال راقني واعجبني لأن هذا الكاتب على بساطتِه عرفَ أصلَ دينِنا وقد غاب هذا المعنى عن كثيرٍ ممن ركبَ موجة الصدارة وأصبح يقول : ( التوحيدُ يُفَرِّقُنا ) أو ( التوحيد قشور ) !!!

وأيضاً وجدتُ مقالاً بعنوان ( سيبويه المصري ) وهو شخصيَّةٌ فُكاهيَّةٌ عاشتْ في مصر وأرَّخَ لها ابنُ زُولاق المصري ، وسيبويه المصري ليس سيبويه النحوي صاحب ( الكتاب ) بل هو شخصية مصرية كانت محَطَّ التَّفَكُّه في زمانه وكانت تخرجُ منه نُكَتٌ أدبية لطيفةٌ يقفُ عندها المرءُ متسائلاً : كيف تَفَطَّنَ لها وكيف سبرها وعرفها ؟!!

ومن هذه اللطائف النقدية الأدبية التي صدرتْ من سيبويه المصري أنَّهُ سَمِعَ بيتَ أبي الطيب المتنبي :
ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أنْ يرى .... عدواً له ما من صداقتِهِ بُدُّ .

فقال سيبويه المصري : ( هذا كلامٌ فاسد ؛ لأن الصداقةَ ضِدُّ العداوةِ ، ولو قال :
 
ومن نَكَدِ الدنيا على الحُرِّ أنْ يرى .... عدواً له ما من مُداراتِهِ بُدُّ  .

لكان أحسنَ وأجودَ ) .

وبلغ المتنبيَ هذا النقدُ ، فجاء الى سيبويه المصري ، فسمعه منه ؛ فتبَسَّم وانصرف .

فالمُداراةُ هي التنازلُ عن شيء من أمورِ الدنيا لتتخَلَّصَ من أذى من تتوقَّعُ منه الأذى .

فلذلك قال بعضُ العقلاءِ : ( من لا يُداري مجنونٌ ) .

والمُداراةُ تختلفُ عن المُداهنةِ لأن المُداهنة هي التخلي عن الدين لارضاء الغير فلذلك قال تعالى : ( وَدُّوا لو تُدْهِنُ فَيُدْهِنون ) .

فالمداراة مطلوبةٌ ، والمداهنة ممنوعةٌ .
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد