من يحضن من .. ؟

mainThumb

22-12-2013 11:52 AM

ليس المقصود,من موضوعات النقاش حول العمل الحزبي بأن العمل الحزبي (وتشكيل التنظيمات الحزبية بأشكالها العديدة,ليس مطلوباً,أو أصبح في حكم المنتهيى الأهمية,فاقداً الأهلية,وإنما ما يستحق أن نلاحظه إنه :  لم تعد الأحزاب والتجمعات السياسية والحركات العقائدية (الأيدولوجية) عملاً أكثر أهمية من أي تجمع  يضم أعضاءعضوات من المواطنين يهدف إلى غايات توافق أعضاء التجمع عليها.

أي وبعبارة مباشرة وصريحة لم يعد العمل الحزبي ضرورة سياسية أو حاجة مطلبية اجتماعية كما كان عليه الوضع في السابق,أي في بدايات القرن المنصرم,وقبله بقرون أخرى, عندما كانت الثورات على الظلم وعلى الاستئثار بالسلطة,وتهميش القوى الأخرى والاستهتار بقدراتها,وجبروت الحكام والسلاطين وما مارسوه من قسوة لتطويع الناس وإرغامهم على الولاء بالهتاف بحياة السلطان وهم جائعون وفاقدون لأبسط مقومات الحياة الآدمية,كانت الثورات حاجة ملحة,وضرورة من ضرورات التغيير للخلاص من نظم ما كان يمكن التخلص منها بغير أسلوب التغيير الثوري الذي شرع العنف الثوري على اعتبار أن الغاية منه التخلص من أوضاع  فاسدة تستأثر بالسلطة,وقوتها الظالمة, وبالثروات الوطنية جشعاً وطمعاً,ولا ترى غير نفسها صالحة للحكم وأن كل من ليس منهم من المواطنين نسباً أو دعاة أو داعماً مؤيداً مسخرا لخدمتهم وطوع إرادتهم.

أخذت شرعنة العنف الثوري,في ذلك الزمان تتغنى بباب الحرية الحمراء,الذي بكل يد مضرجة بالدماء يُدق....وقامت ثورات عديدة في مختلف أنحاء العالم بما فيها الدول العربية بقيادة أحزاب وحركات عقائدية,كما كان وجود مثل هذه الأحزاب ضرورياُ ولازما في زمانه. والزمان لمن يعي حركته دورة مستمرة الحركة لا تتغير وتائرها بل موجاتها بكل ما تأتي به من أحداث كثيرة, وهي تحمل بكل هدوء وصمت عواصف التغيير والتطوير في حيوات البشر وفي علومهم ومعارفهم,واتصالاتهم وتواصلهم وفي قيمهم وفي سلوكهم وفي ثقافتهم,ولا تقف هذه العواصف بموجاتها المتتالية عند حد ثقافي أو سد جغرافي أو مخطوط أدبي,أو منطلق فكري,أو شعار حزبي,أوحاجز عقائدي.تغير بلا حدود ودون أي نوع من القيود التي يمكن أنْ تحد من نتائجه,أو تحول دون تأثيره.



ولكن يبدو أن بعض العقول تقف مذهولة أمام ما يطال ما تظن أنه رأيها الصائب من آراء شديدة الاختلاف أكثر فائدة ونفعاً على الدوام,وأن هدفها ثابت لا يتغير على الرغم من تغير كل الظروف والمعايير,وأن مبادئها أبدية الصلاح ومواقفها هي هي لا تتغير متباهية بذلك ,دون إدراك أن الثبات سمة الجماد دون غيره.

العقل لا يتغير بغير إرادة صاحبه وذكائه وفطنته,فهو إنْ تغير استنار بما يدور حوله من أحداث ووقائع تمكنه من لعب دوره فيها,وإلا فسيظل صاحب العقل (الثابت ) على فهمه ومعارفه لمواقفه خارج نطاق العصر,أي بعيداً عن الواقع وأهله من المستنيرين,وسيظل أسير ذهوله وتفاجئه على الدوام فيفقد قدرته على التعامل مع واقعه,وسيلجأ إلى أساليب أيام زمان عندما كان بديل العنف الثوري الاستكانة والمقاومة السلبية ليجد نفسه خاسراً لكل معارفه وتجاربه وأهدافه. وهذا ما يعبر به أتباع الأحزاب العقائدية التي وجدت نفسها تتحدى الزمن بكل عناد ولا تقبل أن تتحدى التنافس على التغيير والتطور.


أحزاب ما زالت ترى أن واجبها (إعادة صياغة أخلاق المجتمع,وإعادة القيم إلى مسار ترى أن الزمن عاجز عن الإخلال بمفرداتها وبمنطلقاتها وبمفاهيمها).ويرى قادتها وتعمل كوادرها على مراقبة سلوك الأفراد,واتجاهات ميولهم نحو المعاصرة ,ظانين أن التماهي مع متطلبات العصر خروج على التقاليد,وانفكاك عن أخلاق المجتمع,وتخاذل عن خدمة الوطن,وشذوذ في التظاهر بمظهر المتجاوب مع فكر الاستنارة العصري والتلهي بمصيره.

وتريد أن ينشأ المجتمع على تعاليمها وعلى تقاليدها وعلى فهمها هي وكأنها الحاضنة الأمينة الوحيدة للمجتمع بمكوناته المختلفة الفكر والاستنارة العقلية, والتوجه نحو المستقبل والفهم لواقع التغيير وتعددية المبادئ والآراء متنوعة الوسائل والأساليب.

فيجد الحزب ذاك نفسه حاضنة أضيق بكثير من الاتساع حتى لنفسه وأتباعه وحفنة من مؤيديه,ويدخل في صراع العناد والإنكار والتملص من أخطائه ومن عقم وسائله وجمود فكره,فيعزل نفسه دون وعي منه,وهذا كله محفز على العنف في اللحظة التي يجد الحزب فيها نفسه في أزمة تخلف عن التيار الشعبي المتطلع إلى المستقبل بوعي وإدراك لمتطلبات التغيير والتقدم.وتظل فكرة الحزب متجمدة عند افتراض؛ (كل من هو مصنف غيري على خطأ وعلي تقويمه باللين إنْ سمع وأطاع وبالعنف إنْ امتنع وعارض,وليس القتل ببعيد عن مجريات الأحداث العنيفة وغضبها).

الأحزاب المتنورة ,والحركات السياسية المعاصرة لأحداث زمنها وتوقيتاته,والتيارات الاجتماعية والفكرية التي تعتمد الحداثة منهجها تعي بحسها الوطني والأخلاقي أن الشعب بمكوناته التعددية الأصول والعقائد والانتماءات,المتنوعة الاتجاهات والسياسات والآراء,هو الحاضنة الطبيعية الدافئة التي تتسع للجميع بكل اختلافاتهم وبوسع آفاق تطلعاتهم وكبر حجوم أهدافهم ورغباتهم.

الحكمة ليست في الثبات على أي شيئ,لأن فيه,أي الثبات, تتعفن الآراء والأشياء, وتُبتلى الأحزاب وتُنكب الأوطان في التخلف وما يجره من ضياع الحريات وفقدان الحقوق. 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد