فكر تائه في المصطلحات

mainThumb

25-01-2014 12:03 PM

لم يعد الخطاب السياسي متماسكا بعباراته, ومفرداته, واضحا في شعاراته ومحتوى خطاباته.

ولم تسعف الأحداث المتلاحقة بما تحمله من مفاجآت الوعي العربي في وقف نزف مبتلى التزييف الذي اعتراه ولونه بالوان باهتة, ولم يتمكن التاريخ النضالي لبعض المواطنين في قضاياه الوطنية التحررية من الاستعمار وأعوانه من الاحتفاظ بشفافية المصطلحات الوطنية وقيمها التي لم تكن حكرا على أمة بعينها أو حضارة إنسانية دون غيرها.

وقد ارتبطت الوطنية بقيم الولاء والانتماء تحت مختلف الظروف التي تواجه أمة ما من أخطار خارجية وداخلية, وظلت هذه القيم راسخة ليس بجمود الفهم السياسي والأخلاقي ومعنى كل منهما, وإنما ارتبط ذلك بسعي الأمة نحو التقدم والتطور, أي بالوعي لمسار التحضر وإدراك البنى والهياكل اللازمة لتهيئة الجهد الوطني وتفعيل دوره في التنافس على تحقيق المنجزات البناءة في كل اتجاه.

ليس العمل والإنجاز الذي تحققه الأمم فعلا منفصلاً قائما بذاته, أصما في فعالياته فهو فعل مبني على أسس فكرية, ومنهجية معلوماتيه, تضعها عقول منفتحة على كل ما يدور حولها من أفكارسائدة ومتداولة ومن مناهج ووسائل وأدوات عملية مجربة تضعها في نطاق الأمم المتجاوبة مع متطلبات العصر واحتياجاته وما يدور حولها من قواعد فكرية ومنظومات نظرية تتسابق للخوض فيها أجيال شابة وخبرات متراكمة ونظم مؤهلة سياسيا واجتماعيا لاستيعابها دون تردد أو مواربة.

التياه العربي بعد ما أدت إليه ادعاءات الربيع العربي من نتائج مأساوية على المجتمعات التي ألمت المأساة بها,أوجعت ضمائر كل الخيرين في العالم, وأدهشت معلمي التاريخ وأساتذته الذين حملوا التاريخ أوزار أخطاء الإنسان وهمجيته, واعتقدوا أن التطور أصاب فكر الانسان, وأيقظ  وعيه لأسباب التقدم.

ولكن وعلى الرغم من كل ذلك, لم تتعظ بتلك المآسي, على هول مصائبها البشرية والقيمية قوى ونظم عربية ساهمت في صنعها, فأخذها التعنت في سلوكها السياسي, وفي خطابها الفكري, وعن شجاعة الاعتراف بالخطأ, وفضيلة الاعتذار عنه وترك أسبابه ودوافعه وإحلال البدائل المتاحة منها لها, وفي رؤيتها لواقع الحال بضيق الأفق وضيق الصدر وانحسار القدرة على التمييز تنكرا للواقع, وتمسكا اعتباطيا بمبادئ وفكَر أعمت بصيرتها حتى عن رؤية ما دون تحت قدميها المرتجفتين من هول الهزيمة التي وقعت تلك القوى والنظم الداعمة لها في براثنها.

تاه الفكر العربي وتاه أفق التحليل السياسي لما قادت إليه نتائج ما أوهمنا أنفسنا بأنه الربيع العربي, فإذا بالعربي (من صناع الربيع ودعاته) يستنجد بعدوه على شقيقه, ويذبح أخاه لإثبات طاعته لزعيمه, وينادي بالديمقراطية ويجز أعناق المختلفين معه بالرأي, ويتغنى بالدفاع عن الوطن بألحان حماسية تذهب به إلى قتل ضباط جيش الوطن وجنوده, ويعد بالأمن والأمان ويفجر مراكز الأمن ويغتال قياداتها ويفتك بأفرادها.

تاه الفكر العربي وتاه ولاء مدعي النضال من أجل حريته وهم عبيد للأجنبي استبدلوا ولاء التجنس بجنسية أجنبية على ولاءهم لجنسيتهم التي استحقوها بحكم جنسهم وانتمائهم القومي الذي لا يلد فيه المرء سوى مرة واحدة فقط.

تاه الخطاب الوطني لصناع ما توهمنا إنه الربيع العربي,بتوجيه العواطف الشعبية, عندما تطاول على خط مسارها, ظانا منه أن الشعب يمكن خداعه, ويجيز لنفسه التحدث باسمه على الرغم من كل الدلائل العملية والمؤشرات الملحوظة والملموسة التي تؤكد أن وعي المكونات المجتمعية التي تحتمي بها القوى الشعبية ليست بتلك السذاجة التي ظن الخاسرون إنهم بها فائزون.

تاه الفكر في التعبير عن حقيقة مفكريه من الخاسرين لذواتهم, والمستسلمين لأوهام خيالية ذهبت بها رياح العصر وعلومه ومعارفه, فلم يعد الحديث عن الكرامة لغزا يتلهى به الحواة, وليست الحرية بمنأى عن اكثر العقول غضاضة, ولم يعد الحديث عن الديمقراطية من ألد أعدائها سوى نغمة شاذة, والحديث إرادة الشعب ملهاة سوى عند أولئك الذين إنْ لم يكونوا من الحمقى, فإنهم بالتأكيد ما زال فكرهم خارج فكر زمننا, ورؤيتهم غارقة في الظلام فلا يرون ولا يدركون.

فكرهم تائه وهم عاجزون عن لملمة مفرداته وتركيب جمل مفيدة منه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد