ثورتا مصر بعثرتا مخططات الهيمنة – الجزء الأخير

mainThumb

13-03-2014 08:48 PM

في الوقت الذي توقع البعض فيه أن تحكم الجماعة مصر لعقود طويلة بحكم قوتها التنظيمية واتساع رقعة تنظيماتها الجغرافية في المحافظات المصرية وفي العالم (التنظيم الدولي) راهن الكثيرون أن لا يتم ذلك بتكرار الفوز بالانتخابات بالوسائل الديمقراطية, والحصول على الأصوات الترجيحية, لأن أهم القيم الديمقراطية وئدت في مهدها بالسلوك الغريب. وما أسماه المصريون (سياسة الأخونة) وإهمال القيم التعددية في النظم الحاكمة, والتغاضي المتعمد عن شعار مشاركة لا مغالبة الذي ظل الإخوان يرددونه لطمأنة القوى السياسية المصرية.

وربما كان ذلك النهج الذي تعمد إهمال القيم التعددية والتوافقية في إدارة شؤون الناس إلى وقوع النظام في سلسلة من الأخطاء الجسيمة التي أتينا على ذكر العديد منها في مقالاتنا السابقة, أهمها : فقد وقع النظام في أخطاء لم تكن واردة في ذهن أيا من محبي النظام الحاكم أو معارضيه أو الرافضين من حيث المبدأ إقامة حكم على نظام على أساس ديني, وإصرارهم على الإبقاء على الدولة المدنية المتماهية مع روح العصر والمتجاوبة مع مقتضيات العصرنة والتحديث.

لم يكن متوقعاً أن يجد النظام الجديد الذي ترأسه الدكتور محمد مرسي, نفسه في مواجهة مع كل مؤسسات الدولة المدنية منها والعسكرية ومع القوى السياسية والحزبية ومؤسسات المجتمع المدني, وأن يجنح الرئيس إلى اتخاذ قرارات لم يوفق هو أو مجلس وزرائه من وضعه موضع التنفيذ.

وكانت قوى المعارضة التقليدية تزداد في معارضتها حدة مما أدى إلى لجؤ انصار النظام إلى اعتداءات مباشرة على المتظاهرين وعلى المعتصمين مما أثار حفيظة ما يوصف عادة الأغلبية الصامتة التي شعر فيها المواطن المصري (غير المسيس) الساعي إلى توفير لقمة العيش لعائلته والمتطلع إلى الاستقرار واستتباب الأمن في بلده بأن نظام الحكم يأخذ البلاد إلى منحى غير واضح المعالم, وفيه قدر كبير من الخداع ومن المواقف التي لا يرى المصريون إنها تعبر عن إراداتهم وتلامس مصالحهم الوطنية والقومية وتحافظ على العلاقات التاريخية الأخوية المصيرية بالأقطار العربية الأخرى, وأخذت القوى الموالية للنظام تتصرف كبديل للقوى الأمنية وتواجه القوى الأخرى بالتهديد والوعيد والسب والشتم والاتهامات بالكفر والخيانة وغيرها من الألفاظ التي أوجدت فجوة ظاهرة بين الإخوان وأنصارهم ومؤيديهم من جهة, وبين بقية المواطنين بمختلف انتماءاتهم وتنوع ولاءاتهم واختلاف اهتماماتهم, وهذه حالة من أخطر الأوضاع التي يمكن أن تؤول إليه قوى المجتمع وتياراته ومكوناته, متعسكرة في جناحين متصارعين, متضادين ومتعارضين وكأن كل طرف منهما يعد نفسه لمعركة مصيرية.

ولم يدرك النظام أن من معه من المؤيدين مؤيدون بالطاعة والالتزام التنظيمي, وأن معارضيه والغاضبين من منهجه في الحكم والمتألمين من اعتداءات أنصاره عليهم وعلى أبنائهم وأخوانهم ... هم القوى من مكونات المجتمع الذي على النظام أن يرعى مصالحهم وأن ينتبه بشدة إلى رغباتهم ويسمع بإصغاء غلى مطالبهم, ويحذر غضبهم وحسر خياراتهم في القبول بما يفرضه النظام عليهم.

قد تمثل ذلك بجملة من الأخطاء التي سبق وأن أشرنا إلى بعضها, وبعضها الذي سنشير إليه هنا يوصف عادة, من الناحية القانونية والدستورية بأن خطأ واحداً منه كفيل بإسقاط النظام في الحالة الطبيعية من العلاقات بين الحاكم والمحكومين أو الإصرار على مواجهة مخططات النظام وإفشال مشاريعه بغض النظر عن االتضحيات التي على الشعب أن يقدمها . و هذه :-

-    محاصرة القضاء والمحكمة العليا لمنع قضاتها من اتخاذ قرارات متعلقة بشرعية مجالس تشريعية غير دستورية من مجموعات محسوبة على النظام ومنع القضاة من دخول المحكمة المختصة وكيل الشتائم والسباب للقضاة الذين مثلت القاضية الفاضلة تهاني الجبالي رمز عداء الإخوان وصراعهم مع القضاء المصري.وقد كان لمثل هذا السلوك رد فعل قطعي بأن النظام لا يراعي أبسط القيم الدستورية, فالقضاء في الدولة,أي دولة, هو ركن من أركان سلطات الدولة,وهو أهمها في ضمان العدالة وفي نطبيق حكم القانون الذي يبعث الإطمئنان في قلوب الناس وفي ضمائرهم على حقوقهم وعلى خصوصياتهم وأمنهم الشخصي.وطان ذلك نذير بمشروع النظام بهدم مؤسسات الدولة,وبناء مؤسسات النظام!!.

-    فرض الحصار على مدينة الإعلام والتعرض للإعلاميين بالعنف اللفظي والنفسي والجسدي.وقد لعب الإعلاميون المصريون المعارضون للنظام,دورا محوريا في معارضة النظام, والتصدي لكل محاولاته ترويض الكلمة وتطويع الرأي وتغليف الحقائق, وتزيين الخداع ودغدغة العواطف.فقد تمكن هذا الإعلام من كشف سلوك النظام الغريب في التعاطي مع الشأن العام وفي أسلوب إدارة دفة الحكم, والتعبير الصادق عن أماني الشعب وآماله بعد نجاح ثورته في إسقاط النظام السابق. وبين الإعلام أن النظام وشخوصه ومحركي أدواته يفتقدون الخبرة وتنقصهم المعرفة بأبجديات إدارة الدولة التي تختلف أيما اختلاف عن إدارة تنظيم حزبي,أو جماعة تلتزم الطاعة للرؤساء والالتزام بما تقرره القيادة وما يصل أبناءها من توجيهات وتعليمات,ويشمل هذا الاختلاف التمييز الدقيق بين مصالح الحزبالجماعةالتيار وبين المصالح العامة للدولة ومصالح مكونات المجتمع وفئاته.

-    ولعل من أكثر الأخطاء ضراوة وغرابة  لجوء الدكتور محمد مرسي إلى تحصين قراراته السابقة واللاحقة, بإعلانه الدستوري المشين الذي لم تستوعبه صفحات الورق الذي خُط القرار على أسطره ونحن نعيش في القرن العشرين وفي ادعاءات متكررة في كل مقالة أو خطبة أو كلمة بالديمقراطية.فليس أسوأ من الفكرة المضللة سوى القرار الذي يستمد صيغته من سياقها.إذ كانت الفكرة من ورائه, ظاهريا التصدي لقرارات المحاكم بحل البرلمان, والبحث في شرعية لجنة إعداد الدستور, وما نشأ عنهما من منجزات والتمهيد لإقامة النظام الشمولي, والاستعداد لحكم مصر لمدة أملوا في أن لا تقل عن خمسمائة سنة!!

-    لبيك سوريا !!, نداء لم يصدر عن تظاهرة أو اعتصام أو تجمع من أبناء الشعب المصري من أي اتجاه أو تنظيم كان ينتمي ذلك التجمع إليه, وإنما من رئيس الجمهورية نفسه؟ وإعلان الحرب باسم الشعب والجيش, هكذا في خطاب في ساحة عامة, وذلك تجاوباً مع مخطط الهيمنة الذي كانت ترسم معالمه المدارس الأميركية والمعاهد الأوروربية ذات الخبرات المتراكمة من شرور فرق تسد, وقسم الجغرافيا لتحكم المنطقة عن بعد, كانت تتجاوب معه قوى تركيا بالأموال الخليجية بعد أن يتم لها ضم سوريا التي أنهكها تآمر الغرب وأميركا وأتباعهم من عرب الخليج وغيرهم إلى هذه المجموعات التي طوعتها الرغبات الأميركية – الأوروبية كي تتمكن من ضمان تفردها بالقوة الدولية واحدية السياسة والاتجاه, عن طريق الفكرة العثمانية القديمة التي راودت أردوغان كزعيم لها.

-    ليس هناك في التاريخ الذي نعرف عنه أن خرجت قوى شعب مسيس وغير مسيس, كبيرة وصغيرة رجاله ونسائه متعدد الانتماءات والثقافة والفكر السياسي والتوجه الاجتماعي متنوع المناهج الاقتصادية, من مختلف الأعمار غضها وصغيرها وكبيرها, شباباً وشيوخاً, في تظاهرة ضخمة تفردت في عدد المشاركين فيها الذي قدرته وكالات الأنباء العربية والأجنبية بأكثر من 35 مليون مواطن, هدفها موحد على إسقاط النظام والتخلص من الظلم والخوف, مثل وقفة المصريين في الميادين العامة في يوليو 2013, وتجاوب القوات المسلحة والأمنية المصرية الطبيعي والتلقائي مع الشعب للتخلص من النظام الحاكم, وإنهاء مرحلة من الغموض السياسي الذي يهدد مستقبل بلد عريق في الحضارة وفي الدور لينقذ آمال الأمة العربية في التحرر والتخلص من الدكتاتورية  السياسية والعقائدية والتنظيمية, ويشكل هياكل بناة الوطنية للحاق بركب التقدم والعصرنة.

وقد أنقذ تغيير النظام في مصر وأهمية دور مصر في تغيير مجريات الأحداث في المنطقة, مستقبل المنطقة السياسي والتحرري من الطغيان الصهيوني والامبريالي الذي تواطأت معهما الجماعة وبعض الدول العربية, وأربك مخططات إشعال نيران الفوضى الخلاقة بين مكونات الشعب, وأحبط مسعى وضع قوى المنطقة في حرب باردة طائفياً وقوميا,  وتقزيم تأثير قوى التحرر والمتنورين على حراك الشعب العربي نحو تحقيق أهدافه الوحدوية ورؤاه المستقبلية. وخلق صراعات وهمية بين العرب والإيرانيين والأتراك, بهندسة هلال شيعي, ومحورسني, وتهميش جذور الانتماء القومي لدى مواطنيها لتظل قوى الاحتلال الصهيوني لفلسطين في سلام, وتحقيق مآربها في إتمام السيطرة على كل الأرض الفلسطينية وتهويدها, والاستعداد لتحقيق شعار : من الفرات إلى النيل بأسهل الطرق وأقلها تكلفة, وأضعفها مقاومة لهذه المخططات الاستيطانية الشريرة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد