مخاطر افتقاد دور المثقفين

mainThumb

18-03-2014 10:40 AM

 افتقاد دور المثقفين في تنوير مجتمعاتهم كأشخاص لديهم من المواهب المعرفية,والأحلام المشروعة, والنبوغ التحليلي لما يجري حولهم من أحداث يومية ما يؤهلهم لنشر دائرة التعريف بمردود تلك الأحداث وتوقعاتهم لما تؤول إليه نتائجها على مستقبل بلادهم لا يعود في أسبابه إلى تخلي المجتمع عن مثقفيه,أو رفضه لمنطلقاتهم الثقافية المرتبطة بقضاياه اليومية ومعاناته المعاشية أو هجره لتراثهم الذي لم تثمر تراكماته في تأسيس مقام لهم في تكوين الرأي العام أو توجيهه والتأثير باتجاهاته السياسية أو الوطنية أو الاقتصادية بعضها أو كلها.

ولا يعود افتقاد المجتمع العربي عامة ,والأردني بخاصة لعجزه عن فهم درو المثقفين وتقدير أهمية هذا الدور في بلورة تقاليد ثقافية نفعية  في تنشيط الفكر وتنوير الرؤى وتغذية العقول بالمعرفة ومعطيات الواقع الذي يعيش المجتمع في ظلها,وإنعاش الذاكرة الوطنية بتراث هذه الأمة العريقة,لتقييد أسباب اليأس,وتنشيط الهمة والاهتمام الفردي للمواطن في أمور تخصه وأخرى تهمه كمواطن مشارك مع غيره من المواطنين في الحفاظ على مكتسبات الوطن ورفع سوية فعالياته الهادفة إلى ترقي المجتمع وتطوير أدواته ووسائله,لأن افتقاد دور المثقفين عائد بكليته إلى سلبية مفتعلة في أداء المثقف نفسه.فكيف ذلك؟؟

    جذبت الدوافع النخبوية المثقفين إلى التباهي بذاتهم وبقدراتهم الثقافية والفكرية فاعتبروا أنفسهم (فئة ) متميزة خاصة من الفئات الاجتماعية, فذهبت هذه الدوافع بهم إلى الوقوع في براثن الأنانية (الأنوية) التي أوجدت حواجز معرفية وهمية بينهم وبين أفراد المجتمع ,واعتقدوا أن من واجب الناس أن يبحثوا عنهم,وأن يتبعوهم لتلقي تعاليمهم والتمسح بأثواب فكرهم وقصائدهم وملكة النبوغ التحليلي لديهم.هذا جانب من جوانب العجز الثقافي عن فهم العلاقة الدقيقة بين من يعرف وبين كيف يستثمر من يعرف هذه المعرفة في تحويلها إلى موضوعموضوعات تجد صداها لدى عامة الناس فيتبناها المجتمع ما دامت تمثل دليلاً صادقا  وأمينا  لما يشهدونه من تحولات تجري بإرادتهم أو بدون إرادتهم بحكم سنة التغيير التي تشهدها كل المجتمعات الإنسانية.

    أما الجانب الآخر من جوانب العجز الثقافي فتمثل في العجز عن فهم طبيعة القدرة الإدارية وعلاقتها بالمعرفة,والتأهيل الذي لا بد من أن يتقن فنونه الإداري الناجح في إدارة العاملين معه في أي مجال من المجالات الحياتية الإنتاجية والمهنية والمعرفية وغيرها.

ومن المسلمات السائدة أن المثقف ليس بالضرورة إداري جيد أوإداري ناجح,وليس المطلوب من الإداري أن يكون مثقفا  بالمعنى المهني والحرفي للثقافة.فإدارة الشأن الجماعي المؤسسي,وإدارة المشاريع التنموية والاستثمارية ....تتطلب مهارات تختلف في الكثير من أدواتها وأساليبها عن مهارات مخاطبة الرأي العام ,وأساليب نشر الأفكار,ووسائل تنوير العقول وترسيخ القيم الجديدة وتعميم التقنيات التجديدية التي تنمي مهارة الاستجابة الطوعية لضرورات التقدم واستقبال متغيرات العصر وأدواته بردود فعل مستعدة لهما متفهمة لطبيعتهما ودورهما في  تطويع المعارف الجديدة وتوطين التقنيات والابتكارات الحديثة واستيعاب قيم كل تلك التغيرات والمشاركة الفاعلة في المنافسة التي يفرضهاالسباق الحضاري بين الأمم في عالم اليوم وكل يوم.

  

 تراجع دور المثقفين في خدمة الثقافة العامة وفي إبراز عناوينها التحفيزية لهمم المواطنين,وتقلص اهتمامهم بالشأن العام وانشغالهم كل واحد منهم بشأنه الخاص,ومصلحته الذاتية,لعب دورا  بارزا  في ترك الرأي العام الوطني نهبا  لمصادر المعلومات ووسائل التواصل الإلكترونية الغربية والغريبة تغذيه بما تريد مما يخدم مصالحها,فلم يعد للمثقف من ذكر في مجالات الفكر والرأي لعجزه عن مواكبة التقدم التقني وعن مراجعة نصوص الفكر التجديدي والنكوص عن مجاراة تبدل الأسس التي تبنى عليها المبادئ النظرية لطبيعة المرحلة ولمسارها الذي توجهه موجات التغييرالمتواصلة.

    وأدى تراجع دور المثقفين الذي افتقدته المجتمعات العربية إلى إحداث صدمة قاسية في قلب الثقافة العامة بشكل عام وفي جوهر الثقافة الوطنية بشكل خاص مما أفقد الثقافة شخصيتها الوطنية,وأودى بوظيفتها التوعوية والتنويرية في مهاو محزنة.إنها بالفعل صدمة قاسية أحدثت نتائج أكثر أذى وأشد فتكا  في ضمير مكونات المجتمع المدني مما قد يتركه عدوان خارجي,ثقافي كان أو عسكري أو معرفي.

فقد أضحت للمصطلحات الوطنية معان عدائية ,بل شديدة العدايئة  للقيم الوطنية,عندما استعذب البعض من قوى محلية الاستنجاد بالقوى الأجنبية (لتحرير بلادهم) من حكامهم!!؟؟,واستمات بعضهم في الاستنجاد بتلك القوى لاسترجاع الحكم الذي ثار عليه المواطنون لينقذوا وطنهم من مخططاته للتبعية ومواجهة استحقاقات التقدم بخطاب لم يعد صالحاً أو مفهوما  بمفردات العصر وقوانينه.وأولئك (الثوار) العاتبون أشد العتاب على قوى الامبريالية والحقد التاريخي على الحضارة العربية لإن هذه القوى ترددت في قصف بلاد (الثوار ) وتدميرها على الرغم من مأساة التجربة الليبية الماثلة أمامهم!!!.الأدهى والأنكى أن البعض لم يخجل في اللجوء إلى قوة الاحتلال الصهيوني والاستعانة بها (لتحرير بلدها).

    سقطت المفاهيم الوطنية التقليدية والتي لا يمثل أي تعاون مع عدو الوطن مهما كان مداه وبأي مجال كان, بديلا  لها في المجتمعات العربية.واستعاضت تلك القوى الطامعة في الحكم معايير الوطنية بمعايير الوصول إلى السلطة بغض النظر عن الوسيلة,أو الجهة التي تساعدهم على تحقيق هدف نذل, كبديل عن هدف نبيل تسمو فيه مصائر الأوطان وليس كي تستعيد فيه العبودية للأجنبي.

   
العصبية والتعصب لأي عقيدة أو مبدأ أو رأي... يحملان معهما كما  كبيرا  من حقد يعمي البصائر,ويغلفان البصيرة بغشاوة تفقد صاحبها القدرة على تمييز رأسه من قدميه.إنها معصية وطنية وأخلاقية.

    الثقافة الوطنية التي يحمل لواءها المثقفون الوطنيون ليست بديلة للثقافة الغربية أو الأجنبية أو الغريبة,لأنها ثقافة أصيلة تؤصل الدوافع الوطنية في العقل والقلب والوجدان,وهنا يكمن جوهر الإبداع الثقافي وفوائده العديدة,ويتجلى دور المثقف في المساهمة الفعلية في رفعة الوطن واستقلال قراره السيادي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد