القومية ليست بحاجة إلى نظرية

mainThumb

02-04-2014 09:47 PM

يقع الانتماء القومي لأي فرد في خانة الانتماء القاطع أي الانتماء الذي لا خيار للإنسان فيه ولا بديل عنه يعوضه عنه أو يعفيه من الانتساب إليه. وتنحسر قيود الخيارات التي يتمتع الإنسان العاقل بها ويواجهها ويضعها في أوجه المقارنة بين ما يحقق له مصالحه أو مزيد منها أو حد أعلى من المنفعة التي يسعى إليها في التعبير عن قدراته وعن طموحاته في إنجازات يتغنى ووارثيه بها في الثروة: يزهو هو وأبناء وطنه في الفكر: يفاخر هو وأبناء مهنته في الإبداع الفني متعدد المجالات, تقع هذه كلها وغيرها في كم كبير من المجالات الحياتية, في الهواية والغواية, في العمل والتعطل, في التعلم والتجهل, في الحب وفي الكراهية, في العقيدة السياسية أو الدينية, في الولاء لهذا الجانب من المؤثرات المحلية أو ذاك. حتى في الأمانة والخيانة مجال من الاختيار بجانبيه الطوعي والقسري, المتعمد وغير المقصود.

يمكن للفرد أن يغير مهنته كما يشاء, أو مكان سكنه حيث يشاء, وتبديل    وظيفته في مكانها أي ممارسة نفس المهنة في شركة أخرى وفي ميدانها, أي تغيير مهنته والتحول في وظيفته عن اختصاصه الدراسي الجامعي, فكم من طبيب يعمل في ميدان الإعلام على سبيل المثال, كم مهندس يمتهن التجارة,... وكم محام يعمل في وظائف كتابية وإدارية في مؤسسات عامة وأخرى خاصة .... وهكذا.

تتيح التشريعات للفرد أن يغير إسمه الأول ولقبه, وأن يغير اتجاهه السياسي ويميل به حيث تميل الرياح المواتية لرغباته فالانتهازية  ميدان فسيح برزت فيه قدرة الإنسان دون غيره من المخلوقات. ويستطيع الفرد تغيير ديانته, أو طائفته, أو مذهبه ما تمكن من ذلك دون خوف من عقاب أو عتاب أو التعرض لخسارة معنوية أو ملامة   اجتماعية. تغيير الجنسية التي يكتسب الفرد فيها حقوق المواطنة أصبح أمراً دارجاً, مثله مثل الحصول على جنسية دولة أخرى.

لم تنجو أدبيات الانتماء وما يستحضره من ولاء تلقائي من رغبة الفرد في تغيير فقراتها والتلاعب بمفرداتها والتبرير لنقائضها. فأصبح التلويح بقوة الغريب والعدو في وجه الوطن ممارسة أبدع بعض العرب في منذ العقد الأخثر من القرن المنصرم, التواصل معها بحماس وجدية؟؟. بعض النظم لم تقو على الدفاع عن وطنها فوطنت قواعد عسكرية وأمنية واستخباراتية في أرض الوطن, وأوكلت لهذه القوى الأجنبية حرية التصرف في كل شيء دون استثناء في قرارات وطنها وخططه وبرامجه, متخلية عن سيادتها على أرض وطنها. أي تغيرت فلسفة الوطنية المرتبطة بالقدرة الذاتية في الدفاع عن الوطن, وشرعية الاستعانة بالإخوة أو الأصدقاء أو بكليهما وإنما بإيكال هذه المهمة الشرعية التي تعبر الشرط الأول من شروط السيادة, إلى قوات أجنبية لها تاريخها الكثيف في عدائها لحركة التحرر العربية, ووقوفها بكل صلافة في وجه المشاعر القومية العربية وإعلان العداء السافر لفكرها وكل ما ينتج عنها من وشائجية طبيعية تجمع أبناءها وتوحد صفوفهم أمام الأخطار الخارجية المحدقة بها من كل صوب. ولم تقف مأساة انحلال القيم الوطنية عند بعض الحكام والساسة, بل مارست قوى سياسية وحزبية من مختلف الاتجاهات باستثاء القومية منها الاستعانة على الوطن بأعدائه لتدميره وإعادة عجلة تاريخه النهضوي إلى مرحلة ما قبل التاريخ !! يتم ذلك تحت مسمى ((ثورة الشعب))؟؟؟!! والتخلص من الدكتاتورية.

وحده على ما أعلم, وهو انتساب الفرد إلى أبوين يكتسب عرقية الإثنين أو أحدهما في حالات أخرى محدودة وليست اختيارية في أغلب الأحيان, غير قابل للتغييرأو التبديل, مهما تمادى الفرد في انكاره له, وتنكره لانتسابه العرقي الإثني لآمة من الأمم. أي أن انتساب أي منا نحن بني البشر إلى قومية ليس فيه خياراً, فهو انتماء قاطع فاصل إلى القومية التي ولدته أمه منتسباً إليها. ويرتبط تاريخ القومية ارتباطاً وثيقاً بتشكل المجتمع الإنساني, وتطور الحياة الاجتماعية في تطور المجتمعات والانتقال من وضع العائلة إلى حالة العشيرة وإلى بنى القبيلة فالأمة.

وعليه نقول لمن يدعو إلى وجود نظرية في القومية والانتماء القومي أن الوقائع الراسخة في منشأ الفرد والأوضاع الملازمة له طوال حياته والتي ينقلها إلى أبنائه وأحفاده من بعده, دون خياره ودون قدرته على تغييرها أو محوها والثابتة في تصنيفه بين الأقوام والشعوب ليست بحاجة إلى نظرية, لأن النظرية فرضيات تسعى طروحاتها إلى الاجتهاد للمطابقة, وتحتاج إلى سلسلة من طرق الإثبات والتحقق من صحتها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد