المعايير المزدوجة بلا قيم أخلاقية - 2

mainThumb

03-05-2014 01:46 PM

 امتهنت,كما هو معلوم, القوى الامبريالية,وقوى الاستعمار والاستغلال لثروات الشعوب الضعيفة ومواقعها الجيوسياسية والمرتبطة في سياساتها مع تلك الدول,مهارات الازدواجية في المواقف ووالكيل بمكيالين في التطبيق العملي للسياسات بشكل صارخ,دونما حياء من اتخاذ أو إعلان موقفين متزامنين,على سبيل المثال,شديدي التناقض,والتعارض,ولكن كلاً منهما يخدم مصالح لهذه القوى ويعزز أغراضها العدائية وأطماعها تجاه الدول الأخرى وحقوق شعوبها ومصيرحرياتهم ومصالح أوطانهم.

وقد برعت الدول الأوروبية كلها تقريبا ً,عبر مراحل تاريخية متوالية في مثل هذه الممارسات تتنافس وتتقاتل في أحيان أخرى على فيما بينها على ثروات الغير وخيراتهم,وظلت كل من بريطانيا وفرنسا بشكل خاص تمارسان هذه المفسدة حتى منتصف القرن العشرين,إلى أن برزت أميركا المستفيدة من  الدمار العمراني والاقتصادي والعسكري والمعنوي الذي لحق بالدول الأوروبية  في نهاية الحرب العالمية الثانية كقوة جديدة تتولى ممارسة سياسات الهيمنة والسيطرة على مجريات الأحداث العالمية,ببرامج امبريالية صريحة,وألحقت (بضم الهمزة )القوى الأوروبية بتبعية لمواقف الإدارة الأميركية التي استعانت بطغيان القوة لتفرض رأيها أو موقفها أو سياستها على الآخرين في شتى أنحاء العالم.وما زالت كل من بريطانيا وفرنسا تتذيلان المسارات السياسية الدولية التي تخطط طرقها الإدارات الأميركية المتعاقبة.

ولم تكن سياسات الأحزاب الشمولية بمبادئها المختلفة في مراميها ولكنها تلتقي كلها عند الحالة المشتركة التي تنصب كل منها من خلالها نفسها وصية على مصالح الأفراد وقيمة على أخلاقهم ومحافظة على قيمهم الفردية منها والتراثية,فهي’أي الأحزاب الشمولية وحركاتها وتياراتها,وعلى الرغم من كم التجارب الخاصة بها والمآلات من الفشل الذريع التي خلصت إليها غيرها, لم تدرك بعد أن دورها السياسي – الاجتماعي - الاقتصادي في الحياة العامة قد اندثر ربما إلى غير رجعة,في عصر تراكم المعلومات المتاحة للإنسان الفرد وتنوعها وسهولة الوصول إليها حيث لم تبق أي من هذه المعلومات أو أي من مصادرها  الأساسية أو الرئيسية حكراً على جَمْعة نخبوية تطل بها على الناس, فيقبلون بها هكذا لعدم قدرتهم على الوصول إليها في كتاب محدود الانتشار أو مقالة في مجلة متخصصة,أو رواية في وثيقة محتكرة,أو حوار بين مجموعة محدودة من المفكرين,أو منشور ملخصات ندوة متخصصة,أو حتى حوار سري بين زعماء دول ووزراء منظمة إقليمية أو دولية,أو حفنة سياسيين ماكرين .

وما زالت هذه الأحزاب عاجزة عن فهم دور الوعي الجماهيري في ثقافة الفرد وفي تنمية معارفه, وظلت تراهن على أوضاع الجهل التي تعاني منها بعض المجتمعات المكتظة بالسكان,عندما تفترض إنها القوة المنتظرة لانقاذ الوطن من الارتماء في أحضان القوى الخارجية,ونقل المجتمع من حالة اليأس إلى أفق الأمل الواسع,ومن بؤس الفقر إلى الترفل بأثواب الغنى,ومن يأس العاطلين عن العمل إلى فتح مجال الاختيارات الواسعة لفرص العمل,...هذا عدا عن استغلال حالة الفقر لدى الفقراء والمحتاجين وتغطية بعض حاجاتهم إلى الطعام والقليل من المال لكسب تأييدهم عندما تحتاج تلك القوى الى مثل هذا التأييد سياسيا ً أو انتخابيا ً.

 


لم تكن هذه السياسات من الناحية المهنية بأفضل وقعاً مكانياً أو ظرفياً أو معنويا ً من سياسات القوى الامبريالية الطامعة والمستغلة الدولية منها  والإقليمية على حد سواء.

وإذا كان ممتهنوا الفبركة المحرضون على الفوضى والاضطرابات الأهلية لأنهم يجدون مصلحتهم قائمة على مأساة اجتماعية وأن فرصتهم رهن تفكك عرى الروابط الاجتماعية التقليدية,يبرعون في نقل الخبر على غير حقيقته أو سرد الرواية بالتلفيق والتزوير أو نصب المكيدة وتركيب الحدث ونشر الإشاعات, كاذبون, مهانون بصفة الكذب فإن أصحاب المعايير المزدوجة كاذبون وهم في الوقت ذاته منافقون,ولا تقف القيم الإخلاقية حائلاً بينهم وبين شر أعمالهم وما تخلفه من مآس بشرية على الدول الأضعف وعلى القوى المستضعفة,فهم مدانون بحكم التاريخ على سلوكهم, ولعنة الشعوب تظل تلاحقهم على مسلكهم,ويظلون غاطسين في ارتكاب الأعمال العدوانية والشريرة ضد الأخرين,بتلقائية أملتها عليهم أحقادهم وأطماعهم التي لا تنتهي.ولكن آثارها النفسية والأخلاقية أيضاً   لا تزول و تُزال من ذاكرة المتضررين منها.


والأذى البارز الذي تولده هذه الأساليب النفاقية والكاذبة لا يتوقف عند أذية الأفراد والجماعات من شعوب الأرض وساكنيها,وإنما تتعرض لجوهر     الثقافة الإنسانية التي تتطوع لنشر الخير في ربوع الكون وبث محاسن السلام  بين الأمم,والوقوف إلى جانب الحق في النزاعات بين الأطراف المختلفة والمتصارعة.وتضيع معاني الخير والسلام والحق في مجاهل الصياغات الأدبية التي تحترف هذه القوى صياغتها لتبرير مواقفها دون خجل أو حياء.

وللحديث بقية



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد