آفة كل شيء من جنسه - فهل من متعظ !

mainThumb

12-05-2014 06:50 PM

ان من أكبر نعم الله على الانسان هي فصاحة لسانه بالبيان والتبيان , وان من أحسن الحلل التي يتحلى بها الانسان حجة دامغة , أو حكمة بالغة , أو مثل شريف , أو قول لطيف , وقد قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز " ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " .

ومن هاذا القبيل ينطلق الشاعر الأديب مصطفى محمود من هذه الحكمة قائلا  :

ولكل شيء آفة من جنسه                      حتى الحديد سطا عليه المبرد

انهاحقا لكلمات تكتب بحروف من ذهب , وقول واسع في معانيه , قد أتى من رزانة عقل صاحبه , ومن تجارب مرة قد مر بها الانسان فحكم عليها بعقل متزن .انها الحكمة التي تضع الشيء في موضعه , وتصوب الأمر وتسدده , والقول الرشيد الموجز الذي يصيب الحق باستخدام ما يملكه الانسان من ملكة عقلية يوزن بالذهب , وحكمة ذات مضمون عميق نابع عن فلسفة ورؤيا ثاقبة للأمور , ينطق بها عالم مطلع استنبط كلامها ولغتها من دراسة وبحث عميقين , تحمل في ثناياها التوجيه والنصح والارشاد والصلاح .

انها عصارة تجارب انسانية حياتية, وافرازات لحوادث ونوازل ألمت بالناس والهام بعد تفكير وتدبر للأمور . ولهذه الحكمة ذاتها , فقد ألقى الله في أوساطنا بأعداء من جنسنا حتى تكون حافزا لنا لحشد طاقاتنا , واستغلال امكانيات ما وهبه الله لنا , لمواجهة كل الصعاب وقهرها بعزيمة صادقة وتصميم على تحديها بكل ما أوتينا من قوة , وحتى نفوق من سباتنا العميق الذي تغلغل في أحشائنا , وننتفض مما نحن فيه من بلاء التأخر والتخلف والانحدار في مختلف الأوجه والمستويات . وبناء على هذه الحكمة الربانية , فقد خلق الله الانسان ومعه جيشا من الأعداء من مختلف الحشرات الضارة المتعددة التي تحمل أمراضا فتاكة قادرة على اهلاكه والقضاء عليه , وخلق للانسانالحر والبرد والصقيع والصواعق والعواصف الشديدة والمد واجزر وهيجان البحر بأمواجه المتلاطمة التي تلتهم الأرض وما عليها عند ارتفاعها , مما تحدث الفيضان الذي لا يرحم الانسانية , بل يدمر كل ما يصادف طريقه , وبشكل عام , انها ارادة الله وحكمته التي لم يرد لهذه الدنيا أن تكون دار سلام ووئام دائمين , بل دار حرب وصراع وبلاء وشد وجذب وكر وفر , انها تلك الحكمة الربانية التي من خلالها علمت البشرية درسا في أن لايخلد الى الراحة والدعة والأمن والسلام والتواكل , لأن من شأن ذلك سيؤدي الى الترهل والضعف والانقراض . والله سبحانه وتعالى لم يخفي هذه الحقيقة , وانما أعلنها في محكم تنزيله على أنها أمر مقصود , فقال جل في علاه " لقد خلقنا الانسان في كبد " أي مكابدة وعناء وتعب شديد , فقد أراد الله أن يمتحن كل شيء فيسلط عليه ضده , وأن يبتلى كل شيء بنقيضه , حيث قال الله تعالى " ولولا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض "  , انها القانون الذي يعمل منذ بدء الخليقة , منذ أن هبط آدم الى الأرض فقال الله تعالى " وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع الى حين "  , انها السنة الالهية التي لم يسلم حتى الأنبياء منها , فقد قال الله تعالى " وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الانس والجن يوحي بعضهم الى بعض زخرف القول غرورا " . فالآفةقد تسبب مرضا , أو ضررا ميكانيكيا , أو خللا فسيولوجيا , أو نقصا انتاجيا نتيجة تغذيتها على الكائن المعيل , وتشمل مثل هذه الأمثلة تلك الكائنات التي تنقل الأمراض التي تصيب الانسان ,مثل الجرذان والبراغيث التي تحمل مرض الطاعون , والبعوض التي تنقل الملاريا ,وغيرها الكثير , فقد خلق الله القطن وخلق له دودة القطن , وخلق الأسنان وخلقلها السوس الذي ينخرها , وخلق العين وخلق لها الرمد , وخلق الأنف وخلق له الزكام , وخلق الثمرة وخلق لها العفن , وخلق الحديد وخلق له صدأ الحديد ليأكله وينهك صلابته , وخلق الانسان وخلق معه جيشا من الأعداء لاغتياله من ميكروبات وجراثيم وفيروسات متعددة , وأوجد العداوة التي تحدث بين مخلوقاته للتصارع من أجل البقاء , والتي تعد أكبر تحدي لها ليشحذ كل مخلوق وسائله , ويبدع ويبتكر ويخرج بأحسن ما يستطيع صنعه , اذ أنه بدون ذلك الصراع والكفاح من أجل الصيرورة والبقاء , فستكون الحياة مصيرها الى الزوال والضمور والتخاذل والتكاسل والانقراض التدريجي , وكما خلق الله أيضا المرض , فقد خلق له الدواء يصنعها الانسان بنفسه من الأعشاب التي تنبت في ارضه ويدوس عليها تحت قدميه .

لقد قاوم الشعب الأردني كل الآفات التي حلت به على امتداد تاريخه , واستطاع أن يخرج منتصرا بفضل قيادته الهاشمية الفذة من كل الأهوال والنكبات التي رسمها القدر له في طريقه , والتي ان أمعنا النظر بمحتوياتها , لوجدنا بأنها صنيعة أيادي خارجية استطاع أن يواجهها بكل حزم وصبر وجلد وبسالة ورباطة جأش , لأنه ببساطة قد شعر أن مثل هذه الأحداث كانت دخيلة على مجتمعه , وأنها قد اتت من خلف أفقهالوطني . ومن تلك الأمثال ما حل بالأمة من غزو عثماني واستعمار انجليزي حكمها فترات زمنية طويلة , ومن بعدها ظهور أحزاب متعددة الانتماءات ,فمنها ما كانت تنتمي شعاراتها الى كل من الشرق والغرب , ومنها ما كانت تنتمي الى الشيوعية والبعثية والاسلامية بشتى أشكالها , واستطاع الأردن بقيادته الحكيمة في كل العصور والأزمان , أن يتلافى كل تلك الأخطار المحدقة به , وأن يتجاوز كل المحن والمصائب والويلات , وصمد وسيصمد الأردن تجاه كل المؤامرات التي تحاك له مهما كان نوعها ومن أي جهة كانت , وسيمد الله بعمره لكي يقضي عليها جميعا , وليعلم الجميع بأن الأخطار التي تأتي من الداخل لهي أشد وأبلغ ضررا من التي تأتي من الخارج , وأخطر ما على المرء أن يأتيه الداء من داخله, والأخطر الأكبر من ذلك هو لو تحول هذا الداء الى خلايا سرطانية تتمرد على شيفرة الأوامر الوراثية لتلك الغدة المسماة ب "النخامية" , والتي صنفها علماء الطب بأنها من تدير الجسم كاملا , والتي ان لم تصل أوامرها بصورة طبيعية , فان بعض الخلايا تتمرد , وتصنع ما نسمع عنه بالخلايا السرطانية التي تنتشر في الجسم حتى تجهز عليه .

ان ما يحدث في بلدنا الهاشمي الحبيب وما يحل بنا في هذه الأيام هو صنيع أيادي خفية قذرة من بعض المندسين من بني جلدتنا أوصلهم القدر باستخدام طرقهم الالتوائية الى استلام بعض من المناصب الادارية الحساسة , ليتحكموا بها كما تشاء أهوائهم بأمور المواطنين المسالمينالأحرار , فأساءوا استخدام ما كلفوا به لرعاية شؤون البلاد , ولم يكونواهؤلاء على مستوى الحدث والمسؤولية , فانتشر تبعا لذلك , ذلك السرطان بالجسد الأردني الذي كشفته أعين النشامى التي لا تنام , والأيادي الشريفة من أبناء هذا الوطن الشرفاء , والذي لن يدوم وسيندثر وسيجهز عليه عبر قيادتنا الهاشمية الأصيلة , التي تسهر الليل والنهار لحفظ أمن الوطن والمواطن .

ان أخطر ما يواجه الأردن هو سرطان انعدام الوطنية من بعض أبنائه الوصوليين الأقلاء ,الذين لا يهمهم سوى المحافظة على مصالحهم الخاصة وتحقيق مآربهم , فترى الواحد منهم يظن بأنه مخلد في وظيفته , يتحكم بالناس كما يشاء دون وازع ديني أو خلقي أو تأنيب ضمير حي أو حتى أنفة توقف جموح انفلات غريزته التي تحولت الى بهيمة مشينة , لا يحد من خطورتها الا عرف صارم أو قانون تحميه قوة فتاكة , لأن مثل هؤلاء قد توقفت عندهم كل القيم وداسوا عليها بنعالهم بكل جبروت وقسوة , وهم ما شاء الله يتشدقون ولا يزالون يصرخون ويتحدثون باسم الوطن والوطنية . انه لمن المؤسف جدا أن نرى غياب تلك القيم الأخلاقية الأصيلة عندهم , فلا قوانين يعترفون بها بل قد يسخروا منها , وانهم لا يعترفون منها الا بتلك الجزئية التي تهم مصالحهم , فهم يحاولون ويسعون دائما أن يبتعدوا كلياعن كل قانون يضرهم ويحيدون عن تلك التي تمسهم بسوء , فهم والحالة هذه يجعلون من النظام والقوانين عبارة عن قطعة قماش يفصلونها على مقاسهم . وقديما قالوا " صيد الجمل قامته " في تصوير بليغ للعلاقة الطردية بين مسافة الارتفاع وحجم أضرار السقوط ... وهي المقارنة ما بين أثر انقلاب " خنفسة " ووقوع " فيل " .

لقد خلق الله الكون والخلائق كلها , مما تراه العين المجردة ومما لا تراه بدقة بالغة , يعجز أي مخلوق عن وصفها , وجعل فيه أسرارا قد تقوم القيامة قبل أن نعرفها , وكل ما عرف عنها لا يكاد أن يكون ابرة في محيط , كما جعل الله التوازن البيئي في هذه الحياة لحكمة هو يعلمها وذلك لخدمة الانسان , ولو تأملنا هذا الكون الواسع لوجدنا أن الله خلق لكل شيء آفة تعتدي عليه , ولكل شيء من وما يتسلط عليه , وقد قيل " ما تكسر الحجر الا أختها " , وقيل أيضا " كل امرئ فيه ما يرمي به ", وأن أي معضلة تحل من نفسها أو بمثلها . ان الجزاء من جنس العمل وهي سنة من سنن الله في خلقه , ولهذا اخبرنا ربنا تبارك وتعالى في كثير من الآيات القرآنية الكريمة أنه يعامل خلقه بجنس عملهم , ان خيرا فخير وان شرا فشر , وهذا مظهر من مظاهر العدل الالهي في الدنيا والآخرة , فمن أنواع هذا الجزاء الرباني تسليط الظالمين بعضهم على بعض كما قال سبحانه وتعالى  في سورة الأنعام   " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون " .

وكما أن الحديد يتآكل من المبرد الذي صنع من نفس مادته المعدنية , والذي كان ومازال يعد في ثقافتنا العامة , رمزا للقوة والصلابة والبأس الشديد , وأنه لا يهزم أويصرع الا من طرف الحديد نفسه , فكذلك لا يمكن أن تقهر أمة الا باخضاعها لقوة أخرى لا تقل عنها صلابة وبأسا, فحين أرادت ألمانيا أن تقوم برد اعتبارها بعدما لحقها من تردي في الأحوال جراء المعاهدات التي فرضت عليها , قام الزعيم النازي " هتلر " سنة 1939 بتحدي هذه الشروط وطور الجيش الألماني وحشد القوات حتى أصبح جيشه جيشا حديديا, وغزا كل البلدان المحيطة انطلاقا من تشيكوسوفاكيا وبولونيا ثم الاتحاد السوفياتي , فتبين للعالم أن الجيش الألماني عازم على غزو أوروبا كاملة , وتبين أنه ما من قوة لتوقفه الا اذا كانت بقوة الخصم , فتخالفت فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى , واستطاعت مجاراة الألمان وهزمهم لتنتهي الحرب العالمية الثانية أخيرا وتضع أوزارها . وكذلك أيضا يحدث مثل هذا مع الانسان حيث يوجد من بعضهم من يتصف بالقسوة والجبروت وحب الامتلاك والهيمنة والتسلط على الغير من بني جلدته ليأكلوا حقوقهم ويجعلوهم عبيدا لهم , ويكيدون لهم كيدا , وهذا مما يؤشر على أن آفة الانسان من جنسه حيث يسلط الله أعدائهم من الانس على غيرهم بأساليب مختلقة , اما يكون ذلك عن طريق زرع الفتنة ,أوبث روح التفرقة , أواستعداء العالم لتحقيق مطامعهم , أو باحداثالانفعالات والضغوطات النفسية والمادية التي تلازم حياتهم والتي أصبحت في أيامنا هذه من أكبر تحدياتالحياة لبني البشر  , أو الاصابةبآفة عمر الانسان التي تشمل حب الدنيا وكراهية الموت وطول الأمل الذي يستنزف العمر كله . وعلينا أن نعلم أنه كما خلقنا الله من طين , فاننا بالطين نعذب , وكما خلق الجان من نار فسيعذبه بالنار , ولاثبات ذلك ما روي عن الامام الشافعي رحمه الله , أنه في يوم من الأيام , ذهب أحد المجادلين اليه وقال له : كيف يكون ابليس مخلوقا من النار ويعذبه الله بالنار ؟! ففكر الامام الشافعي قليلا , ثم أحضر قطعة من الطين الجاف وقذف بها الرجل , فظهرت على وجهه علامات الألم والغضب  .... فقال له حينها , هل أوجعتك ؟ قال نعم : لقد أوجعتني , فقال الشافعي : كيف تكون مخلوقا من الطين ويوجعك الطين ؟! فلم يرد الرجل وفهم ما قصده الشافعي , وأدرك أن الشيطان كذلك , خلقه الله تعالى من نار , وسوف يعذبه بالنار. فهل لو غرق الانسان بالطين , أما تتوقع أن يحدث له شيئا ما فيختنق ويموت ؟! . وهناك من الحيوانات من تتسلط على غيرها لتصارعها على بقائها , فالأفاعي والحيات تهاجم الفئران والجرذان وبعض السحالي لتتغذى عليها , والفئران تتغذى على جذور النباتات ومحاصيل الحبوب , والقنفذ والورل يتغذى على الحشرات والخنافس والعقارب , فالقنفذ مثلا يأكل الحية , ولأن القنفذ قد حماه الله بأشواكه وتكوره , فمن الصعب أن يأكله أي حيوان آخر , فتجد أن حكمة الله قد خلق لهذا القنفذ عدوا طائرا يسمى" الحدأة " الذي هو الوحيد الذي يعرف كيف يأكل ذلك القنفذ , فيمسكه ويرتفع به لأعلى مسافة , ثم يلقي به للأرض ويتبعه طيرانا , فما أن يضرب الأرض حتى يموت , وينفك تكوره ويبدأ بالتهامه . وانظر أيضا الى عالم المخلوقات من حشرات ونبات وبشر وطبيعة , فترى حكمة الله في خلقه , حيث خلق توازنا فيه يفتح المجال لجميعها فرصا متكافئة للحياة , فكلما تكاثرت حشرة ما وتجاوزت حدود معدل كثرتها , أوجد الله لها حشرة مضادة عدوا من الطبيعة , يلتهمها ليعود التوازن الى البيئة  مرة أخرى .

ان الله قد بنى هذا النظام الكوني عل أساس تعاون الناس مع بعضهم البعض , لأن الانسان مدني بالطبع , فاذا لم يأمن أفراد المجتمعات الانسانية بعضهم بعضا , عندها سيصبح كل منهم يتنكر الآخر , ويسعى للمكر به لكي ينال منه , ويحقق ما تشتهيه نفسه , وما يطيب لها , فيبادر كل منهم باضرار ومحاولة اهلاك الآخرين , ليفوز كل واحد بكيد الآخر قبل أن يقع فيه , فيقضي ذلك الأمر الى فساد كبير في العالم , والله لا يحب الفساد , ولا يحب أن يضر عبيده الا حيث تأذن شرائعه بشيء , ولهذا قيل في المثل " وما ظالم الا سيبلى بظالم " , وقد قيل ايضا " من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا " . ومن هنا نقول أن على الانسان أن يكون بارا , وفي العهد , بريء الذمة , صادق الوعد لا يغدر ولا يخون , وأن يبتعد عن كل رذيلة ودنيئة , ولا سيما المكر والخداع وايذاء الناس , وانتهاك حرماتهم , وأكل حقوقهم بغير حق . واليكم هذه الحكاية المعبرة رغم بساطتها, لكنها تحمل في طياتها معان كثيرة فيها الموعظة لمثل هذا النوع من البشر :

وقف رجل بجانب افعى سامة وقال لها : ما أغدرك !! تقتربين من الانسان وتلدغينه بهدوء وتبثين السم في جسده ! فنظرت اليه بازدراء وقالت : اصمتوا يا بني البشر فأنا ألدغ , ولكن لا ألدغ أفعى مثلي يوما  ما , أما أنتم فتلدغون بعضكم بعضا كل يوم !! , ما أروعه من موقف أخرست من خلاله الأفعى ذلك الرجل , فما لنا لا نتعظ !!!!

فالدلالة واضحة تتعدى معناها الحسي لتخاطب السلوك البشري , وتهذيب النفس الانسانية , وتعطي العبرة لأولئك النوع من الكبار الذين لا يحسبون لهفواتهم وزلاتهم وأخطائهم , ولا يدركون عواقب هذه الأخطاء وآثارها عليهم وعلى الآخرين من بني جنسهم . وعندما تقاس فداحة الأقوال والأفعال غير السوية بمكانة الانسان ووضعه الاجتماعي , أو موقعه الاعتباري , أو السياسي , فالخطأ الذي يرتكبه المسؤول قد يكون مدمرا وكارثيا خاصة اذا كان المسؤول يتعاطى مع قضايا وطنية ويحتل موقع قرار .

كثيرون من يدركون هذا الأمر , ويقعون في آفاتها , ولكن ما يهمنا هو استنباط الحكمة من كل ذلك والتعقل والحذر الشديد والعمل الصالح المفيد لبني البشر , وتحكيم الضمير في سلوكنا وعلاقاتنا مع الغير , والوقفة مع الذات بين الفترة والأخرى , تجنبا من تأثير تلك الآفات والوقوع بها . كم هو جميل أن نعطي الغير اهتمامنا , ونحذر جميعا من تلك الآفات التي تقتك بنا وتقطع شريان حياتنا , لأننا نحن من سنحصد نتائج ما نزرع , ونحن من نود أن تكون النتيجة بمقدار أمانينا  , ولنعلم بأن آفة الضمير هي من أقبح الآفات وأشدها خطرا فمنها تضيع القيم الأصيلة النبيلة التي تكون سببا في انتشار الفساد في العالم أجمع ,وتضيع في حضورها روح المحبة وروعة انسانية الانسان , فلنحب بعضنا  بعضا , لأن في الحب يحصل ضياع وغياب كامل لما يسمى ب "الآفة " القاتلة ,وهكذا يبقى ويستمر الحب الذي يخلو من أي آفة , بل بمثل هذا الحب تستمر حياة البشر  . وكما قال الشاعر  " كشاجم " :

ويأبي الذي في القلب الا تبينا               وكل اناء بالذي فيه ينضح

فلا تنضح في الخفاء , فما تخفيه من لؤم وحقد , وما تحمله من فيروسات مؤذية , لا بد أن يكشفها الله ولو بعد حين , سواء كان بالأقوال أو الأفعال أومن فلتات الكلام أو زلات اللسان التي تعتبر من الآفات المدمرة لحياة الانسان .

وكما قال الامام الشافعي  :

وما المرء الا حيث يجعل نفسه        ففي صالح الأعمال نفسك فاجعل

ما اجمل أن يرتب المرء نفسه , ويجند حياته لعمل الخير , فلا حاجة للمرء أن ينحني لما يصيبه من نكبات الدهر ويذل لغيره , حتى لا يكون مطية يسهل ركوبها , فان جعل نفسه كالدودة على الأرض ستدوسه الأقدام , فليكن الانسان قويا يتحدى كل الآفات التي تحيط به .

وكما قال " عنتر بن شداد "  :

ان الأفاعي وان لانت ملامسها            عند التقلب في أنيابها العطب

فلا يكن الانسان منا كالثعبان الذي يتصيد لغيره , فيبث سمومه القاتلة لتصل عبر الشرايين الى قلبه , مما يجعله يعانق فراش الموت , فليحرص كل منا من هذه النوعية من الناس الذين يرمون بسهامهم كل من يقف أمامهم في زرع العدالة الحقة في أوساط مجتمعاتنا , لأنهم هم الآفة التي تقلب الموازين , فتحول الأفراح الى أحزان ... انهم هم الذين من يكون ظاهرهم فيه الرحمة , وباطنهم من قبله العذاب , فما أكثر ما تظهر حلاوة لسان الانسان التي تخفي ما يكنه قلبه من خبث باطني مسموم  !!  وما أكثر ما يخفي جمال المنظر من قبح المخبر , بل ومن فقدان طيب الأصل والجوهر !!!!

فلا تعتز بقوتك يا ابن آدم مهما وصلت من جاه وسلطان , فهناك دائما من يكون أقوى منك ويتغلب عليك , ولا يقطع الألماس الا الألماس , ولا يفل الحديد الا الحديد , واعلم أنه عندما تؤول أمور الناس لمثل هؤلاء وهم في مكان القرار , فان الوضع سيكون مأساويا بكل ما للكلمة من معنى . فاعتبروا يا أولي الألباب !!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد