عدالة السماء طالت كل البشر

mainThumb

27-05-2014 07:27 PM

إذا افترضنا أن العدالة قضية إنسانية, بمعنى إنها تختص بالبشر دون غيرهم من مخلوقات الله الحية كالنباتات والحيوانات, علينا أن نقر ونعترف بكل هدؤ النفس وسكينتها, أن العدالة السماوية بذلك لم تحرم جماعة أو طائفة أو عشيرة أو قبيلة أو شعب أو أمة من كل مزايا هذه العدالة والتزاماتها ومقتضياتها الدنيوية والإيمانية التي أقرتها إرادة السماء.

ففي كل مجتمع من المجتمعات الإنشانية  بغض النظر عن مستوى تمدنها وترقيها, هناك العقلاء والحكماء وهناك الأتقياء وأنقياء النفوس  والصالحون والإصلاحيون والمصلحون, والمؤتمنون على أعراض الناس وأموالهم, الموفون بالعهود والوعود, الصادقون في كل ما يقولون والأوفياء لكل تعهداتهم والتزاماتهم الوظيفية والاجتماعية والفنية والثقافية,  يؤدون واجباتهم بتفان, والمخلصون لانتماءاتهم, والمواظبون على أداء واجباتهم الإيمانية وطقوسهم الدينية .

للطبيعة خصائصها, وللكائنات الحية طبائعها وغرائزها التي تشكل الأسس الدافعة لسلوكها وردات أفعالها. ولم يحدث أن نجت أمة أو قوم أو جماعة من العوارض الطبيعية وهزاتها وغضبها والحوادث البيئية وما تتركه من نتائج سلبية على نوعية حياة البشر أينما كانوا. ولم يثبت العلم ومخرجات البحوث العلمية ومرجعياتها الطبية أن الجراثيم والفيروسات والذباب والبعوض تنأى بنفسها عن العيش في جسد أشخاص تبها لعرقياتهم وقومياتهم ومرجعياتهم الفكرية والثقافية, أو في بيئة ارتقت بعلمها وتقنياتها.

ولم نعلم بعد فيما إذا كانت جرثومة مثل البكتيريا الضارة على سبيل المثال, تضر نوعا أو عرقا محددا من البشر دون سواه, وإن ظهرت تسميات لبعض الأمراض القليلة والنادرة التي  تختص بمنطقة جغرافية بعينها, مثل حمى البحر المتوسط, ولكن لا ينجو منها عرق من أبناء مناطق أخرى إذا تواجد في المنطقة.

ويمثل انشار الأمراض المختلفة المعروفة والمشخصة بدقة في كل أنحاء العالم تماثلا وتطابقا في الأعراض وفي المسببات, وحتى في النسب الإحصائية التي تتولى إصدارها الجهات الطبية في المجتمعات الإنسانية المتطورة منها والنامية والمتخلفة .. ومنها على سبيل التذكير, أمراض القلب والسرطان والأعصاب والعضلات التي لا تعد ولا تحصى .

وفي كل مجتمع فئة من أصحاب الاحتياجات الخاصة بأسبابها المختلفة أيضا الناشئة بالولادة عن أسباب جينية أو نتيجة التعرض لحوادث مثل حوادث السيارات أو الإصابات المهنية أو التعرض للضرب او التعثر والوقوع, أو إهمال علاج الأمراض التي يتعرض لها جسم الإنسان أي إنسان في أي مكان.أو إهمال إثناء مرحلة الحمل, أو أخطاء طبية إتناء عملية الولادة أو في مراحل علاج من أمراض تصيب الفرد .

بلدان عديدة من مختلف الأديان والطوائف والثقافات والحضارات تعرضت وما زالت تتعرض لكوارث طبيعية بأشكالها المروعة المعروفة وما تخلفه من مآس مالية ومادية وبشرية مثل الزلازل المدمرة, والأعاصير المهلكة, والأمطار المفاجئة والفياضانات المغرقة. وانهيار الأبنية والمناجم والجسور والسدود.

أمم تقاتلت في حروب أهلية قاسية لأسباب دينية وأخرى دنيوية فيما بين قبائلها وأقوامها وعشائرها وعرقياتها وطوائفها ومذاهبها الدينية وعقائدها السياسية وانتماءاتها الثقافية والتراثية. ملايين البشر قتلوا في حروب أممية خاضتها دول قوية وذهبت الدول الضعيفة ضحية لها!!

على الرغم من الروادع الدينية, والتشريعات الوضعية وقوانينها العقابية الصارمة, لا يخلوا أي مجتمع من مغريات الفساد والإفساد المادي والأخلاقي والإداري ... ولا يخلوا أي مجتمع من جرائم السرقة بكافة أشكالها, وعمليات النصب الاحتيال والابتزاز, وجنايات القتل والاغتيال السياسي والعقائدي.

وهناك كذلك تجمع اشقياء لتشكيل عصابات سطو مسلح على الأفراد والممتلكات. وفي كل مجتمع تجرّؤ على عدم التقيد بتحريم الزنا دينيا ودنويا,وأعمال التحرش بالنساء والفتيات, وممارسات الجنس المتصفة بالشذوذ, وبين أحيائها  تقوم بيوت دعارة.

ولا يخلوا مجتمع من مروجي الحشيش والمخدرات ومتعاطيها من مختلف الأعمار. كما يمارس السحرة والمزورون طقوسهم وخدعهم بعيدا عن أعين القانون والعن قبضة السلطات . ناهيك عن تجوزات سلوكية للأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع.

الظلم الاجتماعي, والفقر, والعوز, البطالة, والجهل والأمية ظواهرة منتشرة في  غالبية المجتمعات الإنسانية انتشارا متزايدا, ولم تنجوا من انتشار آثامها سوى مجتمعات محدودة جدا وذلك في انخفاض نسب انتشار هذه الأمراض الاجتماعية –  الأخلاقية في مجتمعاتها, فهي ظاهرة لا ينعدم لها وجود وإنْ تفاوتت نسب ذلك الوجود بين مجتمع وآخر وتعددت أسبابه.

أما والحال كما وصفناه قائم وملاحظ وملموس في كل المجتمعات الإنسانية, أفلا يُفترض بدعاة تفضيل السماء لقومهم أو شعبهم على غيرها من الأقوام والمجتمعات والشعوب في شتى أنحاء المعمورة, ومدعي الاختيارالسماوي لشعبهم, والمتوهمين بنيلهم كل رضا السماء دون غيرهم, فهل يمكن لأي من مفكريهم وفلاسفتهم ومدعي المعرفة بالغيب وبمصيرهم أنْ يفسروا لنا كيف ساوت عدالة السماء على الأرض بين مختلف الأقوام والمذاهب والطوائف في كل ما هو خير وفي كل ما يحدث من مصائب ونوائب ونكبات ومظلمات دون تمييز أو انتقائية أو اختيار؟؟؟ وذلك بتحكيم العقل لا محاكمته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد