المريب يقول خذوني !

mainThumb

25-06-2014 10:51 PM

السيد توني بلير رئيس وزراء أسبق لبريطانيا, يعاني, فيما يبدو من شر أعماله السياسية التي أفقدت بريطانيا مصداقيتها بين الأوروبيين, والمصداقية في عرف الثقافة الاستعمارية المنطلقات الفكرية والعملية,لا تكون إلا بين أبنائها ومنتسبيها,وليست بالضرورة صفة ملازمة لأخلاق السياسيين أو للفعل السياسي والمواقف من مصالح الدول الأخرى التي تشكل مطمعا للقوى الامبريالية.

ولكن توني بلير الذي ضرب عرض الحائط بمواقف شركائه الأوروبيين عنما ساند مواقف جورج بوش الإبن,على الرغم من حجم المظاهرات االشعبية البريطانية الرافضة لموقف حكومته هذا والتي تعدت المليون متظاهر,ولم يعرها بلير الديمقراطي ! أي اهتمام أو مراعاة للرأي العام, وأقدم على المشاركة العسكرية في العدوان السافر على العراق بحجة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل,وتحويل العراق إلى (نموذج ديمقراطي في المنطقة !!!) وهذه الحجج الكاذبة والمفبركة  التي استهدفت الرأي العام المحلي في أميركا,لم تنطل على أحد خاصة أؤلئك الذين خبروا النوايا الخبيثة لقوى الامبريالية والأطماع الجشعة, حدث ذلك على الرغم من تقارير المراقبين الدوليين ولجان التفتيش المكلفة عنها في العراق المكلفة من مجلس الأمن الدولي التي أكدت عدم وجود مثل هذه الأسلحة في العراق.

ضرب العراق بإعلان الحرب غير القانونية في العرف الدولي عليه, كان هدفا استراتيجيا للقوى الداعمة للوجود الصهيوني المحتل لفلسطين, لرفض العراق تغيير مواقفه المعلنة من دعم المقاتلين والحركات الفلسطينية المسلحة ودعم عائلات الشهداء ماليا, ورفض خديعة المفاوضات من أجل السلام في المنطقة, (وقد ثبت صواب الموقف العراقي في رفضه مبدأ التفاوض الذي جلب المزيد من المآسي والخسائر على فلسطين وعلى العرب)، حيث أقدمت قوى الغزو على فعلتهم الشائنة دون تفويض من مجلس الأمن الدولي الذي رفض الموافقة على ذلك, بغرض تدمير قدرات العراق العسكرية, وثرواته البشرية ومخزوناته التراثية وإرثه الحضاري إضافة إلى نهب ثرواته المالية والطبيعية .

وكانت صدمة البريطانيين من موقف بلير شديدة على تراثهم الديمقراطي,فوصفوه بالكاذب, ثم وبعد ما ارتكبته القوات الغازية من فظائع بالشعب العراقي,اهتزت لها ضمائر الخيرين في كل أنحاء العالم,وصف البريطانيون رئيس وزرائهم بلير بمجرم الحرب,وهي نفس الأوصاف التي تماهت مع ما وُصف به جورج بوش الإبن.

رحل بلير عن الحكم, محملا بإثم قتل مئات الألاف من الأبرياء, وتحطيم قامة حضارية إنسانية مكللة بنماذج تاريخية من الحكمة والقيم الإنسانية في العراق, وهي نتاج طبيعي لإرث العراق متعدد الأعراق والقوميات والثقافات والأديان والطوائف والمذاهب.مبادرين إلى تحويل التعددية المستقرة في العمل السياسي – الاجتماعي العراقي والداعمة لاستقرار المجتمع كركن أساسي من أركان بناء المجتمع الحديث الذي مكن العراق من التحول إلى دولة قوية عسكريا واقتصاديا وعلميا وفنيا... وتحويلها (أي التعددية البناءة) إلى ضدها بتحفيز النزاع بين مكونات تلك التعددية وتهديم أسس تنوعها الديني والطائفي والقومي والثقافي والحزبي إمعانا في تفتيت العراق الذي شكل شوكة في حلق سياسات التخاذل العربي والانصياع الخشن إلى الرغبات الأميركية في التجزئة السياسية والجغرافية العربية, ونقل طبيعة الصراع الدامي من موقعه الطبيعي بين العرب وبين الصهيونية,إلى موقعه المذل للعرب في اقتتالهم بعضهم مع عض نيابة عن قوى خارجية لم تحمل للعرب وفاء أو تعاونا مجديا على طريق التحرر والتقدم.

ذهب بلير وبقيت نتائج أفعاله وصديقه جورج بوش تعصف بالمنطقة بالخراب والاحتراب والدمار والتشظي والتشتت التي يتفنن أتباعم وعملاءهم والطائعين لرغباتهم وأهوائهم في الإمعان في نشر لهيبها في أرجاء الوطن العربي, الذي تسير به الأحداث إلى محور تتشكل من خلاله الإمارات المتقاتلة المنشغلة بحروبها ودك أسافين العداء بين أبنائها ووارثي تاريخها.

وندر أن تهتم وسائل الإعلام بالسيد بلير الذي لم يعد يكترث لموصوف بالكاذب مثله أحد.ولكن ما أن يأتي ذكر للعراق قبل الغزو الأميركي – البريطاني حتى يجد نفسه دون قدرة على إخفاء مشاعر المذنب الكاذب رافضا أي مقولة عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين حتى ولو كانت افتراضية.فما أن سمع رأيا يقول أنه ما كان بإمكان داعش أو القاعدة أو غيرهما من المنظمات التكفيرية التواجد بالعراق لو كان صدام حسين ما زال في الحكم,تنطع دون حياء أو خجل من ماضيه المتصف بالكذب, لينفي ذلك ويرفضه ويتمنطق بحجة أن (الربيع العربي) كان سيطرق أبواب العراق كما حدث في الدول العربية الأخرى التي أدخل معه الخراب والدمار والقتل على الهوية القومية أو الطائفية أو السياسية وتحويل الدولة التي ابتليت به إلى مجموعة دول هزيلة أو على أقل تقدير إلى دولة فاشلة.وهو أي بلير (الكاذب كما يصفه البريطانيون) ليس بعيدا عن المخطط التفتيتي لما يسمى الربيع العربي.وهو هنا فقط أي عند ذكر صدام أو العراق أيام صدام ينتفظ كما يفعل المريب عندما يكاد يقول خذوني.

آثام السياسيين لا تندمل آثارها عندما يدينها الشعب الذي ينتمي السياسي إليه,فالبريطانيون لم يكن أحد منهم يرغب في أن يرى بلاده تابعا مطيعا مشدودارغما عنه بمرابط أميركية تحرك ساسته كما تشاء مجموعة المحافظين الجدد الحاكمة حينذاك,ولإنه كذب على شعبه.أي عنما كذب الإنجليز على الشريف حسين ولم يوفوا بوعودهم في دعم مشروعه الوحدوي القومي,لم يجد الإنجليز في ذلك ما يضرهم أو يتطاول على قيمهم الديمقراطية,فلم يعترضوا على ذلك. ولم تحرك مؤرقات آثام القوى الاستعمارية ضمائرهم,(فكأن الضميرلديهم مكون من نصفين داخلي وآخر خارجي.الداخلي شديد الحذر والحساسية عند مواطنيه,والثاني شديد الأذى للآخرين).لإنها لم تلحق ضررا بشعبهم هم ولكنها أضرت أيما ضرر بتلك الشعوب التي خضعت لاستعمارهم,أما مجرد كذب سياسي منهم على شعبه يكون قد ارتكب أم الكبائر,ويظل يعاني من ارتكابها ما بقي له منه عمر.

الكذب لا يتحول مع تكراره إلا إلى مزيد من الكذب,ويعتاد المرء عليه فيقع فريسة عادة الكذب,يستمرؤها,ويجد من حلاوة الكلام ما يبررها, معزيا نفسه,ومبررا لأثامه التي لن تنجو من اللعنة السماوية,مهما كانت مبررات الكذب وأسبابه.وقد شهدنا كيف ساق الكذب نظاما قائما إلى مواجهة عاصفة شعبية ذهبت به بعيدا عن السلطة وعن الشعب. أنه حقا عقاب عادل للكاذبين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد