مصير الوطن ليس قراراً حزبياً

mainThumb

29-06-2014 03:17 PM

على الرغم من كثرة التجارب السياسية والاقتصادية والحزبية والتنظيمية والحاكمية والتنموية,بحلوها ومرها التي مرت بها  مجتمعاتنا العربية,وهي بالمناسبة تجارب غنية بأحداثها ثرية بمخرجاتها دسمة في دروسها ومستخلصاتها تحمل في طياتها قيمة معرفية لا تضاهى, التي دللت عليها مسارات الأحداث التي شهدتها تلك المجتمعات منذ مرحلة التحرر من  الاستعمار المباشر التي شهدت أوجها منذ الخمسينيات من القرن الماضي وحتى اللحظة, التي جرت في مساقاتها التي كانت للأحزاب السياسية والحركات الدينية ذات الأهداف السياسية المختبئة خلف طروحاتها الدور الرئيسي في تحريكها و أو تحريفها تبعاُ لما تقتضيه مصالحها الخاصة بعقائدها السياسية.

 

بعد تخلص الأمة العربية من حكم العثماني البغيض الذي حكم على أبنائها البقاء في ظلام الجهل وبؤس التخلف وضعف مُقعد عن القدرة على الحركة التحررية,وجدت الأمة نفسها في قبضة قوى الاستعمار الغربي العنصري الذي فرض أجندته التفتيتية والحاقدة على  تراث أمة تركت بصمات واضحة في مسار الحضارة العالمية,فاقتبس الغرب منها محصناتها التاريخية,واقتدى بميراثها القيمي,وموروثها المحفز على العلم والمعرفة,   وكسب السباق في التقدم والترقي,في الوقت الذي بقيت الأمة العربية تعاني وطأة التخلف والجهل والتمزق,إلا أن تراثها الحضاري أبقى بصيصاً من الأمل ومن فطرية الدوافع المحفزة على النهوض والاستمرار.

 

ولم تستقر أوضاع العالم بعد أن خاضت أممه حربين عالميتين أدتا إلى انقسام العالم بأممه العديدة,ومبادئه المتنوعة باختلاف قومياته وتراثه وانتسابه الجغرافي, بين قوتين تحمل كل منهما عقيدة مناهضة للأخرى,واشتدت حمى الصراع بين المبادئ الرأسمالية الييرالية,والاشتراكية الشيوعية,وعملت كل منهما بجد وحماس على تدمير الأخرى    وتحقيق الفوز الذي يمكنها من أن تكون قوة وحيدة رئيسة دون منافسة في العالم تفرض إرادتها السياسية وتفعل برامجها الاقتصادية بما يخدم مصالحها ويحقق رفاه شعبها دون النظر إلى الوسيلة الضرورية لتحقيق ذلك.وكان ذلك التموضع خلف قوتين ضخمتين منسجماً مع منطق التاريخ ومساره الذي كانت القوة الوسيلة الضرورية واللازمة تمهد له وتفتح أمامه السبل للسيطرة وفرض الإرادة السياسية دون معارضة تُذكر.وهكذا تبدل الصراع بين الأمم بتبدل المواقع الجغرافية التي تموضعت تحت حماية الأحلاف الكبرى المجهزة بأسلحة عابرة للقارات وأخرى مهلكة للبشر والشجر وكل أنواع الحياة على سطح الأرض.وكان بحكم تلك الظروف القسرية التي تسود في العالم حينها,دور للنخب السياسية في التعامل مع القضايا الوطنية,وتأثير للمثقفين في نشرالوعي بأهمية التخلص من الهيمنة الاستعمارية,وضرورة التحرر من الضغوط الأجنبية وتحالفاتها المصلحية,ووجدت الأحزاب بكافة عقائدها والعديد من مبادئها الشمولية منها والليبرالية ,الرأسمالية والاشتراكية, المناهضة لسياسات الحكام والممالئة لها والمؤيدة لسياساتها,بيئة شعبية حاضنة لشعاراتها في الحرية والتحرر,وفي محاربة الفقر والجهل والأمية...... واكتسب الحزبيون وحملة رايات الحزبية احترام الناس وتقديرهم لجهودهم بصفتهم مناضلين ضد الطغم الحاكمة في أرجاء الوطن العربي.

 

وظل الحال على ما هو عليه من شد وجذب يشهد مرارات الصراع بين النظم الحاكمة من مختلف الصنوف والأنماط وبين المعارضات مختلفة المشارب والأهداف والمصالح,حتى تفكك الاتحاد السوفياتي السريع ( لم يكن مفاجئا) وتفردت الإدارات الأميركية مسنودة بأتباعها وأفلاكها والمطيعين لرغباتها,وشهدت الدول المختلفة مرحلة هامة من التحول إلى الديمقراطية,إذ ارتفع عدد هذه الدول بشكل لافت من حوالي 20 دولة إلى أكثر من 80 دولة خلال حقبة التسعينيات,وحدها.مع تكرار التذكير بأن ألف باء الديمقراطية لا تقف عن الصندوق الانتخابي,ولو كان مصنوعا من الذهب,كل ذهب العالم والمرصع بالألماس,كل ألماس العالم.فالنظام الديمقراطي نظام تقوم فيه المؤسسات باستقلالية دورها وقرارها.وهو نظام يقر دستورياً بحقوق التعددية السياسية والثقافية والقومية والدينية... ويقر الحريات الفردية وتصنع المجتمعات الديمقراطية قراراتها بالتوافق,والمشاركة دون استثناءأو إقصاء متعمد لفرد أو مجموعة أو جماعة,يحتكم الناس جميعا إلى القانون دون محاباة أو تزكيات تتحيز لشخص مهما كان موقعه الاجتماعي  - السياسي – الثرواتي,وفيهاكل فرد مواطن بكافة الحقوق وكل الالتزامات بشكل مطلق لا مجال فيه لتتميز مبني على أسس عرقية أو طائفية أو مغانمية خاصة.

 

ويمكن اعتبار معاييرعملية المقرطة وأسسها التغيرالمباشرالذي حظي بأكبر قدر من  الاهتماما لدى الشعوب, ساق إلى أفضل تحول وأثره نجاعة في فكر السياسة,فكر النخبوية وفي فكر النظم الحاكمة,وهو التغير الجذري الذي طرأ على قكر الأحزاب السياسية وعلى عقائدها الشمولية وأصاب مبادءها الاحتكارية لمعنى المواطنة وللنخبوية الفاسدة إصابة أيقظت الضمائر على دور المواطن,وعلى دور الحزب وعلى دور النظام,وأعادة صياغة العلاقات الاجتماعية البينية وعلاقات الحكم بالمحكومين,بكل وضوح وشفافية.وهو التغير الذي تبدلت معه مفاهيم سائدة عديدة أهمها المقصود بمفردة الشعب وآماله!! والحديث نيابة عنه!!وكذلك مفردة الإرادة الشعبية والادعاء الجاهل بتمثيلها أو حتى مجرد التعبير عنها في مجتمعات تعددية بالفطرة وبالتكوين وبالتشكيل.وعلى الرغم من كل حجم التغيير وزخمه ما زالت قيادات الأحزاب ذات العقائد  الشمولية والأحزاب بشعارات سائلة وأهداف سائبة مشخصنة في مجتمعاتنا العربية بشكل محدد,والحركات النخبوية فيه,وأصحاب المبادئ التفضيلية المقولبة بقوالب جاهزة, لم تتعظ من سنة التغييروظلت أسيرة فكر ماضوي,ومقولات سياسية - اجتماعية عفى عليها الزمن, ففقدت زخم طلبات العضوية وجذب المؤيدين والأنصار,وهي بذلك ودون إدراك لواقعها وتمسكها بأدبياتها دون تمحيص وتطويع لمعطيات الزمان ومتطلباته التجديدية الذي تعيش فيه,وغرقت في نمطية فعالياتها في جهل أو تجاهل حقيقة : أن الوعي الوطني المتنور يحول دون أن يفقد المجتمع ديناميته وحيويته ويعززحركيةالمجتمع على الاستجابة للتحولات التي يحملها التغيير المتواصل في سبل الترقي والمعاصرة ووسائلهما,وتفقد هي (أي تلك الأجزاب والنخب...) مبرر وجودها من أساسه.

المقرطة عملية تحول نحو الحداثة ونحو التقدم وتطوير أساليب العمل ومفاهيم الحوار والمعارضة والتعبير عن الذات بحرية في كل ما يعلق بمشارع التنمية والترقي,ومشاركة ووفاق.والديمقراطية منظومة تكاملية لا يمكن اختزالها أو تجزئتها أو التلاعب بعناصرها,أو الانقضاض على مكتسباتها. 

 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد