أحزاب تناقش قانون - 2

mainThumb

30-09-2014 12:05 PM

يبدو أن مفهوم الحرية المطلقة اختلط على البعض من القادة الحزبيين ومن مثقفين يتبوأون قيادة مراكز حوارية فكرية وثقافية وغيرهم,لأنهم لم يميزوا الفروق الواضحة والدقيقة بين معنى الحرية وبين معنى التحرر.

فالحرية إلى..... حرية مطلقة بطبيعة عناصرها ومبتغاها,وهي قيمة فردية وليست قيمة جماعية,كما إنها عصية على قدرة الآخرين من الأفراد أو السلطات القمعية والزعامات الفردية والقيادات الدكتاتورية ورغباتهم على منعها وإن كانت لهم القدرة القمعية على منع إعلانها بشكل واضح والحد من سرعة انتشارها بين الناس ووالتصدي  لحركة انتقالها من مكان إلى آخر في المجتمع.


أم التحرر فهو دعوة للتحرر من..... وهذه الحرية ذات المضمون العام (أنظر كتابنا : الحرية,ما تبقى للإنسان من حرية).

الحركة الحزبية في الأردن ليست وليد جديد,فقد شهدت المملكة نشوء أحزاب دينية ووطنية منذ حوالي 80 سنة,وقبلها نشأت في الإمارة أيضا أحزاب وطنية.

ولكل من هذه الأحزاب أو ما بقي منها لوقتنا الحالي ( وهي أحزاب علمانية و دينية وقومية وشيوعية وماركسية... شكلت العقائد الصارمة أسس عملها ونضالها الوطني والقومي في ظروف متشابكة مرت بها أمتنا العربية في صراعها مع قوى الاستعمار وقوة الاحتلال الصهيوني لفلسطين,عدا عن الصراعات العربية العربية الدامية والتخاصمية والتآمرية..) تجارب عديدة وذوات مضامين خبراتية وفكرية غنية بتراثها التراكمي وثرية بمخرجاتها من تجاربها في العمل السري وفي العمل العلني,وفي صراعاتها الداخلية وفي خلافاتها البينية التي أدت في حالات إلى صراع واشتباكات ليست خارجة عن طباع البشر ونزوعهم إلى الصراع والاقتتال بحجج الاختلاف في الأهداف وعلى الوسائل على الرغم من خطابات نفس الزعامات المحرضة على الاقتتال حول الديمقراطية وإيمانها بالشعب ولكن على أن تقوده هذه الحركة الحزبية أو تلك!!,وفي حالات نادرة أخرى إلى تحالفات لم تعمر طويلاً بين أطرافها.

ولذلك نجد أن بنا دافعاُ للاستفسار من قادة الأحزاب وخاصة منهم قادة الأحزاب العتيقة (مع التذكير بأن العتيقة لا تحمل معنى القديمة في مفعولها)  وورثة القيادات في تلك الأحزاب,عما إذا كانت بهم حاجة إلى قانون للأحزاب يضع عليهم القيود التشريعية التي تترك للحكومة التدخل في البنى الهيكلية والفكرية والأيدولوجية للحزب.

ولماذا لم تأخذ تلك الزعامات تراكم خبراتها ومجلدات تراثها الحزبي في اعتبارها عندما وافقت على الدخول في حوار حول قوننة العمل الحزبي,والرأي المطالب بأن يتضمن مشروع القانون تعريف الحزب وأهمية دوره في المجتمع!!! لتشرف السلطة على مفاصل التنظيم ورؤاه وتتدخل في قضاياه وفي شؤونه وفي ممارساته وفي خططه وفي برامجه التي هي من صلب اهتمام الحزب دون غيره,هذا إن لم تكن من مبررات وجود الحزب ذاته؟؟ 

قد لا نجد في قيام الأحزاب الجديدة بمسميات مختلفة وروايات حزبية ببيانات متشابهة إلى حد بعيد من مأثور حزبي,وتاريخ سياسي,ومنهج تنظيمي يمكنها من الإحجام عن المشاركة في مناقشة بنود قانون للأحزاب,تراهن فيه على دور حكومي في دعم الأحزاب مادياً وعلى تشجيع المواطنين على الانتساب للأحزاب!!!!

وكان هناك حديث حول نظام الحوافز للأحزاب,طالب بمنح الأحزاب التي تصل إلى مجلس النواب والمجالس البلدية دعماً وحوافز مالية,وعدم مساواتها بالأحزاب التي لا تحقق مثل هذه الإنجازات (جريدة الرأي, الأحد ,7 أيلول,2014,ص31).وبغض النظر عن سذاجة موضوع مثل هذا الحديث,وعن النوايا التي تترصد العمل الحزبي,وفهم أسس التنافسية ومدلولاتها!! فإن هذا الحديث يشي بأن بعض القادة الحزبيين طارئون على العمل الحزبي عاجزون عن إدراك طبيعته السياسية - الاجتماعية وعلى مبرارت وجوده وأهمية دوره في الحياة العامة للمجتمع.

دافع القادة الحزبيون المجتمعون لمناقشة مسودة قانون الأحزاب (والمصدر جريدة الرأي المشار إليها في أعلاه),عن حق الأحزاب في الوصول إلى مجلس النواب وتشكيل الحكومات.... من خلال إقرار قانون انتخاب متوافق عليه يوسع دور الأحزاب في المشاركة بالأنتخابات النيابية ويمنحها ميزة !! من الوصول للبرلمان.....

أشرنا (الجزء 1 السابق) إلى أن الأغنياء يبحثون في أمور الفقر والفقراء دون إشراك الفقراء الذين يعانون من الفقر,فيظل البحث يدور في حلقات التعاطف الفارغة من المحتوى العملي.

وأن أصحاب الأعمال والعاملين يناقشون قضايا البطالة,وحق العمل للمواطنين مغفلين مشاركة العاطلين عن العمل لإثراء النقاش وإغنائه بالحقائق الواقعية, فيظل النقاش كلام بطون ممتلئة لا تكترث إلا لما ستكون عليه وجبة العشاء بعد وجبة غداء دسمة!

وها هم الحزبيون يبحثون في أمور الأحزاب مع السلطة الحاكمة مهملين التوجه الجاد في مثل هذا الحوار إلى المواطنين الذين يشكلون المادة الأساسية  للجسم الحزبي,وفعالياته ذات الأثر المباشر في المجتمع, والأساس في بناء الهيكل التنظيمية للحزب وهم المستهدفون بدور الأحزاب في المعارضة وفي مراقبة الأجهزة البيروقراطية,وفي الدفاع عن الحقوق والحريات والتصدي لخروج السلطة على التشريعات النافذة وارتكاب المخالفات وكشف الفساد ومحاربة المحسوبية,والأحزاب أداة فاعلة من أدوات المؤسسات الأهلية والمنظمات المدنية التي لها دورها في الحياة النيابية والأنشطة السياسية وفي الفعاليات الاقتصادية والاستثمارية وفي ترقية المستويات العلمية والثقافية والفنية ..... والمشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بمصالحهم وحقوق كل مكونات المجتمع وتنوع فئاته.فإذا كان ذلك هو المطلوب من الأحزاب,فحق لنا أن نسأل القادة الحزبيين من مختلف الموارد الفكرية والأيدولوجية والمبادئية :

كيف يمكن لأحزاب تتوسل الحكومة لمساعدتها على تشجيع الناس على الانخراط في العمل الحزبي,وتمويل أنشطتها ماليا,ومساعدتها على الوصول إلى البرلمان ,وإعطاء السلطة الحق في التدخل في الشؤون التنظيمية والبرامجية لتلك الأحزاب,كيف يمكن لها أداء أبسط واجباتها الحزبية المتعارف عليها في المجتمعات الإنسانية,وهي بما قامت به تحول فعاليات نشاطها الحزبي ودورها المفترض في النقد والمعارضة والمراقبة لأعمال السلطة التنفيذية وسلوكها في الحياة العامة,إلى وظيفة مدفوعة الأجر وتعمل بالتحفيز والتمييز لتكتل من الأعضاء بمسمى حزب؟؟؟ .

كان من الأجدى أن يوجه القادة الحزبيون محاور نقاشهم,ومحاوراتهم ومداولاتهم مع فئات المجتمع وإشراكهم في الحوارات المتعلقة بكل شأن من شؤون العمل الحزبي.

وكان من الأجدى أن تقوم تلك الأحزاب بتشخيص الأسباب التي تعجزها عن ضم الأعضاء الجدد,وتحفز الإقبال على الانتساب إليها وتحلل أسبابها.

فليس من الحكمة أن تكتفي تلك الأحزاب بالبحث في ظواهر الأمور التي تهمها ,بل التعرف على الأسباب الحقيقة الكامنة وراء ما تواجهه من معيقات ومن معضلات ومن مشكلات,وأن تقيم بحيادية وموضوعية الحاجة الفعلية لوجود تلك الأحزاب بالصيغ القائمة والمتوارثة والمتماثلة.

وميدان هذا النشاط التحليلي هوالمجتمع وأبنائه وفئاته وليس وزارة أو حكومة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد