الاستخفاف بالعقل العربي

mainThumb

03-10-2014 02:54 PM

 لعلنا لا نضيف شيئا لمحتوى مفاهيمي جديد إلى الثقافة السياسية للمواطن في أي   قطر عربي عندما نميز بين العقل الذي يدير السياسات العامة والأمنية ويوجهها ( ولا نقول يرسمها) وبين عقل المواطن في أي قطر منه,ومما تجدر الإشارة إليه أن العقاد وصف العقل بأنه النبي الجديد.أي وبتعبير أشد وضوحاً فإن الفجوة بين فكر السلطة السياسية ونهجها في إدارة الشأن العام,وبين فكر التيارات السياسية والعديد من المؤسسات المدنية وتجمعاتها وجمعياتها وتحالفاتها التي تنعكس على ثقافة يتبناها المواطنون حيال القضايا الوطنية السيادية والتحررية,وهذه الفجوة  فجوة متسعة وتأخذ في الاتساع والتباعد والتنافر كلما واجه قطر عربي منها مشكلة داخلية مفتعلة أو مصنعة أو جادة وحقيقية أو تبنى سياسة خارجية يرى فيها الغرب المتغطرس تهديدا لمصالحه وأطماعه.ووقعت تلك الأقطار في فخ قيد مدى الرؤية المتاحة لتلك النظم وحدد مواصفاتها بأن تكون ذات منشأ أميركي وبقيادة أميركية مفتونة بطغيان القوة العسكرية المجردة من كل القيم الأخلاقية.

كما أنه أصبح في حكم البدهي الراسخ في الأدبيات السوسيو – اجتماعيىة,أن فقدان الثقة بين النظم الحاكمة وبين مختلف مكونات المواطنين التعددية بشكل عام هي السمة السائدة في تلك العلاقة بين المواطن وبين النظام وقد تحولت هذه السمة إلى أزمة حادة إسمها أزمة الثقةبين الحكام وبين المحكومين,ولا تعود الأسباب وراء هذه الأزمة, في تفاصيلها إلى غياب المناهج الديمقراطية وأنماطها,وإنما إلى شكل النظام الحاكم وتاريخ نشأته وقوى رسمه في مراسيم التتويج والتأمير والتشييخ التي وضعتها قوى الغرب الامبريالي دون أن يكون للمواطن أي رأي أو حتى مجرد وجهة نظر تزين حواراً شكلياً,وهذا من شأنه إبقاء دولها  تدورفي الفلك الغربي – الأميركي وتطيع أوامره دون عناء ودون الحاجة إلى الحد الأدنى من الجهد الدبلوماسي أو السياسي,وإنما بالإشارة عن بُعد أو الإيماء في اللقاء.

ولذلك لم يعد في بًنى تلك النظم  السياسية العربية الحاكمة وهياكلها من مداخل أو منافذ لأدنى حد من حدود إعمال العقل وتفعيل الجهود العقلانية في اتخاذ القرارات  السيادية والاصطفاف مع قوى التحرر والتمرد على الهيمنة الأميركية والولاءالوفي للغرب.

والعقلانية ليست مقتصرة على استخدام العقل في محاكمة القضايا وتبيُن السبل في معالجتها المعالجة الشافية وليس التطبيب بالتخدير والتسكين والاختباء وراءشعارات مضللة ومبررات واهية,وإنما بما تشمله العقلانية من قيم مؤسسة,عند المخاطبة المباشرة والعلنية, على احترام عقول الناس,كل الناس,المواطنين منهم والمقيمين والناس في الجوار أو في الأفق البعيد من هذا الكون الذي تولت إدارة شؤونه المختلفة السياسية والمالية والاقتصادية والعسكرية والعلمية والتقنية عقول أرست,في بلاد كثيرة, موطن العقلانية في  ثقافة الفرد وفي ضمير المواطن فأخلصت لوطنها وحافظت على نظافة بلدها من الهيمنة الغريبة والخارجية.

لم يقتصر الاستخفاف بالعقل العربي على الإدارات الأميركية وأتباعها من الدول الغربية التي تقتل المواطن العربي بداره,وتحرقه وعائلته في خيامه,وتشرد نساءه وأطفاله دون شفقة أو رحمة وتفعل كل ذلك وبكل وقاحة رافعة شعارات الحرية والديمقراطية ورفع الظلم عنه.ولم يقف الاستخفاف بالعقل العربي عند هذه الحدود السوداوية في تاريخ البشرية,وإنما في تجاهل الإرادات الشعبية وتزويرها لهذا  القطر أو ذاك.فأميركا تتحدث نيابة عن الشعب,أي شعب عربي في أي من أقطاره,وآخرها على سبيل المثال حديثهم الرسمي على لسان ببغاوي تميز به أوباما,عن إرادة الشعب السوري وهي تقررما هي إرادته!! وماذا عليه أنْ يريد !!!و(أن علينا كما يقول أوباما بدون تلعثم  أنْ ....) حتى زعماء فرنسا التي كانت جيوشها تنهزم شر الهزائم في الحروب الأوروبية وفي حربها مع الشعب الجزائري مستسلمة ومسلمة بلادها للغزاة,يقررون شكل النظام الذي يجب أن يحكم هنا أو  هناك في الدول العربية!!!!ويقررون أي نوع من الأنظمة العربية بشكل خاص ومتعمد,التي تجب أن تختفي وأيها يجب أن تبقى وكيف يكون بقاؤها؟؟.ألم  تجد حتى أستراليا فرصة للتنمر على الأرض العربية وعلى شرعيتها المنتهكة؟

إلى هنا نفهم كمواطنين بالعقل أن هذا هو أفضل ما لدى تلك الإدارات الأجنبية من  قيم تمليها عليهم أطماعهم وهمجية دعاواهم وسلوكهم في النهب والسلب عبر التاريخ حديثه وقديمه,في أكثر من دولة في آسيا وأفريقيا.وتاريخ العرب مع تركيا ما زالت مرارته في الفم مما أورثوه للعرب من تخلف وامتهان الكرامات القومية والوطنية,والادعاء بأن سوريا أرض الأجداد كما يرى البروفسور فيلسوف الفشل السياسي التركي أوغلو(رئيس الوزراء الحالي) بقيادة ما يطلق عليه الأتراك    (زعيم اللصوص أردوغان – إشارة إلى فساد أبنه وبعض وزرائه ) وعند هذا الحد,يدرك العقل عند المواطن في الأقطار العربية,بحسه الإنساني,وتجربته الحية التي إن لم يشهد مآسيها بنفسه فقد شهدها أباؤه,وتلك التي عايشها العرب ويعاشها الرضيع الفلسطيني منذ صرخته الأولى وقبل أن يفتح عينيه على هذا العالم الظالم والمفتري والقاتل الذي تمثله الصهيونية بكل أحقادها الدينية والقومية هذا العالم المستأسد على مصيره وعلى مستقبله,يدرك المواطن أن أعداءنا التفليديين من قوى الاستعمار والامبريالية ليسوا ملزمين , وهم لا يريدون احترام عقولنا لأن بعض منْ منا وخاصة النظم الحاكمة,يرضخ لكل رغباتهم وينفذ كل طلباتهم دون حاجة إلى التعبير عنها بأوامر.

وخاب ظن من لم يدرك أن المواطن في الأقطار العربية لا يدرك أن النظم الحاكمة بأمر الأجنبي غير معنية باحترام عقولنا,وغير آبهة بأي مخرجات عقلية لقضايانا.فهو يدرك أن احترام الواحد لعقله,لا يتأتى إلا عندما يرى الأمور بمنظار عقلاني متنور ومتحرر من القيود الفكرية المصمتة والأيدولوجيا المحكمة المنهج المرسوم مسبقاً والفكر المقولب الجامد.وهذه القيود على الرؤية المتحررة تعيق الاستجابة لطبيعة التغير والتطور الذي تشهده البشرية في كل نشاط إنساني من شأنه حفظ كرامة الإنسان وصون حقوقه الطبيعية.

ويدرك العقل العربي بحسه الإنساني الوطني والعقلاني أن حكومات الكثير من أوطانه عاجزة, على الرغم من ثرواتها الضخمة,عن الدفاع عن نفسها,وتستنجد بقوى الامبريالية الغادرة والصهيونية العنصرية, ضد حركات إرهابية مولتها وشجعتها ودعمت وسائلها الإرهابية للتخلص من نظم لا تراها الإدارة الأميركية نظما موالية,كما هو الحال في ما تشهده سوريا من حرب اتسخت بسلوكه ثياب القوة وتلوثت البيئة العربية بقاذورات النفط ودخانه الخانق الذي تشهده سوريا,وراحت ببيانات عنترية لم تحترم العقل البشري حتى العقل الطفولي منه,تدعي أنها تتصرف بإرادة حربية حرة وقرار سيادي صرف وضربات وقائية بطائرات لمواقع في الأرض السورية !!!لتحارب تلك القوى..متجاهلة أنها إنما تفعل ذلك بإدارة أميركية – غربية وإراتهما.

ولم يشفع للعقل السياسي العربي الذي تمثله النظم الحاكمة شكلاً المحكومة فعلاً الاتعاظ بما حدث في ليبيا,وما آلت إليه أحوال الصومال,وما انحدرت إليه تونس بعد فرار قوى متدثرة بعباءة الدين من مسؤوليتها التاريخية في النظر بعين العقلانية إلى إلى ما يدور في شكل أنظمة لحكم في العالم,المحاولات اللاستئثار البغيضة في السلطة في عصر تبلورت في التعددية المترافقة بالديمقراطية والحرية.وهل يصل الصوت العقلاني إلى السودان التي ما زات في حالة من الدوران حول نفسها وتدور في حلقات الفشل المتكررة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد