الديمقراطية التركية - 1

mainThumb

22-10-2014 01:47 PM

الديمقراطية لها أشكال عديدة وأنماط متنوعة مما يصفها بالمرونة الأدائية,والقابلية على التأقلم مع حاجات المجتمع وتراثه ورؤيته لنوع النظام الذي ترنو إليه مكونات الشعب في أي بلد.

وهي بذلك تعبر عن نظام حكم متفق عليه من مكونات المجتمع,يحقق الحد الأدنى من متطلبات الحكم الديمقراطي الذي اصبحت عناصره معروفة وشائعة كمعلومات عامة يكثر الحديث عنها في كل مناسبة,إلا أن للبعض من الأحزاب والحركات والتجمعات مفهومها الخاص عن الديمقراطية,وهو المفهوم النفعي الانتهازي,الذي يصلح للمتاجرة في مخاطبة الناس واستعطافهم للوصول إلى هدف محدد وهوفي الغالب الوصول إلى رحاب السلطة التشريعية أو التنفيذية أو الاستزعامية لا فرق,تصبح مع تحقيقه الديمقراطية وسيلة لا بد من دفنها لتكون في خبر كان,أو كما عبر عنه سلفيو الجزائر في التسعينيات بالقول باي باي ديمقراطية فور فوزهم بالانتخابات العامة حينها.


أما السيد رجب طيب أردوغان الرئيس التركي الحالي ورئيس الوزراء السابق,فله فلسفته الخاصه عن الديمقراطية وهي فلسفة خاصة به على الرغم من أنه يعمل بجد مضن للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حيث معظم دوله تمارس الديمقراطية بحرفية عالية,وأرست تراثا ديمقراطيا خصبا في القيم الديمقراطية,ظهرت نتائحه في المساواة بين الجميع والاحتكام للقانون واحترام المواطن وتبادل الرأي والرأي الآخر بكل حرية, فلسفة السيد أردوغان في الديمقراطية تعبير صريح وفاضح عن فراغ المحتوى الديمقراطي الأردوغاني كما هو حال الطغاة والسلطويين المتدثرين بأثواب الورع والديمقراطية تعدت معها بعض مفاهيم المكيافيلية في العلاقة بين الغاية وبين الوسيلة,فهو يشبه الديمقراطية بالباص ننزل منه حين نصل إلى المحطة.وهو تشبيه واضح المعنى محدد الغاية الذي يعبر أردوغان من خلاله  على معنى الديمقراطية الانتهازية.

ونعترف للسيد أردوغان بأنه كان وفياً في التعبير عن المعنى الذي أراد به وصف الديمقراطية,وصادقاً مع غاياته في تطبيق التكتيك المكيافيلي في سلوكه الشخصي و من خلال مراجعة سريعة لسلوكه السياسي ومواقفه من القضايا الداخلية التركية وقضايا المنطقة التي تشغل فيها تركيا موقعا هاماً في الجغرافيا السياسية.وقد برع في ممارسة الخداع والواقيعة في كل خطواته في السياسات الداخلية التي حيد فيها دور الجيش في السياسة,بإيعاز من حلفائه الأميركيين انتقاماً من دورهم (أي الجيش) السلبي من غزو العراق في العام 2003,ورفضهم المشاركة في التحالف الإجرامي في عملية الغزو ومنع قوات التحالف الذي أدارته أميركا خارج إطار الشرعية الدولية من استعمال الأراضي التركية كما أن أردوغان لم يتوان عن الخداع في علاقاته مع الجيران ,وخاصة الجار السوري وكذلك الآخرين في الغرب وفي الشرق.

من ناحية,وصل إلى زعامة الحزب ( السعادة سابقاً) بالتآمر على قياداته التقليدية والانقلاب على تلك القيادات ,ونجح في تولي منصب رئيس الوزراء,وهو المنصب التنفيذي للسياسة والإدارة في النظام التركي.جهد أردوغان ونظامه للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي لسنوات عديدة ولكنه فشل فشلاً ذريعاً,وكان أنْ وبخته أنجيلا ميركل على بعض تصريحاته الفجة مذكرة إياه بأن مستقبل تركيا مع محيطها العربي والإسلامي وليس مع أوروربا.


قام النظام التركي بعد ذلك بالتوجه إلى الشرق وسارع إلى توقيع الاتفاقيات التجارية والأمنية وحسن الجوار مع سوريا,حيث اشترك وزيرا خارجية البلدين حينها بنزع الحواجز الحدودية بين البلدين,وسمحت سوريا للبضائع والسلع التركية بالانسياب إلى بقية الدول العربية ودول المنطقة بتسهيل الإجراءات الجمركية وإجراءات المرور عبر الأراضي السورية وموانئها البحرية والجوية,وقد ساهمت هذه الإجراءات في زيادة الصادرات التركية إلى الأسواق العربية ذات السعة الاستهلاكية الواسعة,ومن المعروف أن منافع التصدير الاقتصادية لها تأثيرها المباشر على مجمل الفعاليات الاقتصادية التركية.


ما أن لاحت الفرصة المنتظرة المضمرة  للانقضاض على الحكم في سوريا,مطالباً بضرورة تعيين 14 وزيراُ إخوانياُ في الحكومة ,وهو يعلم أن الإخوان في سوريا حركة محظورة نتيجة ما ارتكبته من جرائم اغتيال  وقتل طالت أكثر من خمس سنوات توّجها التنظيم الإخواني بقتل لطلبة كلية المدفعية على أسس طائفية.ونزع أردوغان منذ ذلك الوقت للمطالبة برحيل الننظام السوري (نيابة عن الشعب السوري!!!), وبرزت في تصريحاته النزعة العنصرية,واللهجة الطائفية وتعاظم في خياله استعادة حلم السلطنة العثمانية التي صورها له أحمد أوغلو(وزير خارجيته سابقاً رئيس الوزراء التركي حالياً),ولم يخف أي منهما اللهفة لاستعادة (أرض الأجداد!!) وما تقوم به تركيا إلى اليوم من تدخل فج في الشؤون الداخلية السورية والعراقية ودعم علني ومباشر للإرهاب والإرهابيين في سوريا.

يتصرف اليوم أردوغان بعصبية ظاهرة, وحركات بهلوانية تعبر عن إحباط السلطان من فشله المتكرر من تحقيق أطماعه الموهومة! ويطالب وهو يعلم أن ذلك غير ممكن في هذه المرحلة (كما يقول الأسياد الأميركان) بإقامة مناطق حظر جوي ومناطق أمنة في سوريا,والاستعانة بقوى الشر والتدمير الغربية – الأميركية لتغيير النظام في سوريا كشرط من شروط المشاركة في (الحرب على الإرهاب) التي تشنها القوى الممولة للإرهاب والراعية له والداعمة لتياراته المختلفة.

وهذا من شأنه أن يشعل حرباُ في المنطقة لا طائل لتركيا تحمل نتائجها وستكون أول أهداف التحاف السوري –الإيراني – الروسي وعدة دول ترى في العدوان على سوريا حرباُ امبريالية رجعية غير شرعية وليست لها ما يبررها سوى تهالك الطاميعن على إخضاع المنطقة برمتها للإرادة الأميركية - الصهيونية.

وهذا مأ ابلغته إيران لتركيا مباشرة وبكل وضوح وأشارت إليه روسيا بهدوء وكياسة أكثر من مرة.ولعل من الصعب على رجل محبط مثل أردوغان نسيان تلك الجلسة التي أوقعته بيد علي خامنئي المرشد العام للقورة الإيرانية منذ بداية الأزمة السورية ,ليسمع توبيخاً مبطناً بأنه إنما يعمل مع الغرب الاستعماري المتآمر على سوريا وعلى الأمة ,وهو محمر الوجه مثل الطالب الذي أمسكه المراقب في محاولة الغش في الامتحان فأمسك عن الكلام خجلاً من نفسه!!؟؟.

وكانت أنقرة مقر اجتماعات مجالس وتحالفات (المعارضات السورية) ولم تخف تحيزها لجماعة الإخوان المسلمين والجماعات التي تحمل تسميات تصب في مصلحة التيار الإخواني.ولكن فجأة طلبت هيلاري كلينتون,وزيرة الخارجية الأميركية السابقة إلغاء ذلك المجلس الذي ترعاه تركيا واتهمته بالفشل,وشكلت إئتلاف أكثر سوءاً في اجتماعات احتضنتها قطر (الحليف الوحيد لتركيا في هذه الحقبة من تاريخ المنطقة المضطرب),وأطاعت تركيا صاغرة.

في بداية الأحداث في ليبيا, زار أردوغان معمر القذافي,وبعد الزيارة,حمل مؤيدو القذافي لافتات تقول : شكراً تركيا,شكرا أردوغان!! وما أن عاد إلى بلاده حتى انقلب على القذافي واتخذ موقفاً مغايراً لما وعد به الليبيين حينذاك,وكان مجبراً على تغيير موقفه بسبب عضوية تركيا في حلف الناتو,وكان الحلف يخطط لتدمير ليبيا كما حصل فعلاً.

وكان في مظهر السيد أردوغان ومحضره في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير معبراً عن حقيقة هذا الزعيم!! في الخفة وسوء السلوك,وانعدام الكياسة,وطفلانية الحركات الرتجة في شخصية مهزوزة وهو يهاجم مصر وزعيمها الذي لم يحظ زعيم بتأييد شعبه له,منذ عهد عبد الناصر (وكانت لتركيا مشاركة فاعلة في الأحلاف الاستعمارية التي أوجدتها أميركا لمواجة المد الثوري التحرري والوطني الشعبي العربي الذي قاده جمال عبد النصر) كما يشهد عبد الفتاح السياسي,الذي يعيد مصر إلى وهجها الحضاري,ويعيد دورها الفاعل في المنطقة,ويحيي الأمل في نفوس أبناء الأمة العربية في استعادة أسس التواصل مع النهوض والتقدم,ويعيد إضاءة مشاعل الحراك القومي ضد الامبريالية والتخلف و الإرهاب.

كل هذا الحماس الممزوج المتعصب والعنصرية والسلوك الأرعن ضد مصر وضد سوريا الذي يمارسه أردوغان وترعاه سياساته,كشف قناع خداعه للعرب بشكل عام وللفلسطينيين بشكل خاص,حول موقفه المسرحي ضد المحتلين الصهاينة,وقد وثق علاقاته بهم ووطد التعاون العسكري معهم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد