الديمقراطية التركية (3)

mainThumb

04-11-2014 10:33 AM

من الحريات المستقرة في الفهم الأولي لعلاقة الحرية  بالديمقراطية بمختلف أنواعها وأنماطها السوسيو - اجتماعية ,حريتي الصحافة,والحصول على المعلومات وتداولها.ولكن في المعلومات الإحصائية التي تتولاها مراكز مراقبة دولية,أن سجل تركيا في معاقبة الصحفيين ومحاسبتهم على ما يقومون به كواجب مهني ووظيفي من أسوأ السجلات إذ يقبع في سجون نظام السلطان أردوغان مئات الصحفيين والكتاب والمفكرين (وقع أخيراً مقتل الصحفية سيرينا سيم,مراسلة قناة بريس تي في,بصدم شاحنة لها,وسبق أن وجهت لها المخابرات التركية تهمة التجسس!!,).

ولم يكن من المعقول أنْ يلجأ زعيم سياسي في عصر المعلوماتية والمعرفة المحصنة بالتقنيات التي تستعصي على القيود وعلى الحجب إلى الشكوى والتذمر مما يكتب ويعلن وينشر من آراء نقدية أو حتى تهكمية من سياسات دولة ديمقراطية,ولكن السيد أردوغان يعلن بملئ فيه عن تضايقه من وسائل التواصل المعرفية والاجتماعية,ويتمنى لو يتمكن من حظرها في تركيا دون تصدي القضاء التركي لمثل تلك القرارات المتحجرة والرافضة للاعتراف بدورها المعرفي بين مختلف المجتمعات في جميع أنحاء العالم.

ليس الحمقى من يرتكبون الأخطاء في قراراتهم وفي مواقفهم إزاء قضايا المجتمع وتوجهاته السياسية و الفكرية والحرفية والتعبيرية ,وإنما هم من يرفضون الاعتراف بواقع التغير المهني والتقني الذي يدهم كل المجتمعات في كل دول العالم دون قيود أو قدرة على وقف تدفقها أو تجاهلها أومنعها من التغلغل في مجتمعه ولو كان يقبع في موقع السلطة الأولى فيه.والأشد  حمقا من لا يتعظون بتجارب غيرهم من جوارهم على وجه الخصوص.فقد اختصم السيد أردوغان مع القضاء التركي ومع القوات المسلحة وقوى الأمن العام,وإن كان بأسلوب الصبر والخداع,إلا أن التجربة المصرية والمصير الذي لقيه نظام الإخوان,وشكل لهم صدمة كارثية, في عهد الدكتور مرسي مع الجيش وقوى الأمن والشرطة,والقوى السياسية الوطنية والأغلبية الصامتة في المجتمع المصري, أكثر من كافية ليتعظ بها كل زعيم يظن أنه يغطي نفسه برداء الديمقراطية أو يستغل المشاعر الدينية في تحقيق مآرب شخصية أو أهداف حزبية.

ليس قتل المتظاهرين ووصفهم باللصوص والإرهابيين يعتدي على أبسط المبادئ الديمقراطية ويهينها,ولكن أيضا فساد النظام وأزلامه وأبناء زعاماته,فهي ليست فضيحة للفاسدين ولكنها دليل قاطع على أن سرقة المال ليست بأقل إثماُ من تغطيته بالتغني بالديمقراطية والتلاعب بمضامينها.الفساد صفة ملازمة للطغاة,والساعين إلى السلطة بأي ثمن ولو كان شرف المهنة هو الثمن.

تتصف مواقف القوى المتغطرسة,والمستندة إلى طغيان القوة المالية والعسكرية بالتحديد بالازدواجية والكيل بمكيالين في التعامل مع الأحداث المحلية منها والدولية.وتجسد هذه التوصيفات السياسات الأميركية ومواقفها من جماعات,أطراف,زعامات.حركات,أحداث,يليها في هذه التوصيفات دول أوروبية عديدة نفاقا سياسيا وتوافقا مصلحيا حسب واقع الحال.وما على الأتباع ,وهذا هو موال السياسة الأميركية في المناطق المضطربة التي يكون لها فيها مصلحة ذاتية بحته,ما عليهم سوى الرقص على أنغام ذلك الموال.وهذا ما تفعله السياسات الأميركية التركية حيال قوى الشعب الكردي المختلفة.


والأكراد كما هو معلوم, موزعون في وجودهم على أربعة دول  في المنطقة,معظمهم في تركيا حوالي 15( مليون ) ثم إيران (7مليون) ثم العراق(6) مليون وبعهدها سوريا (2 مليون),ولهم وجود أيضا في مختلف بلاد العالم,مثلهم مثل أي شعب له قومية.

ولطالما استخدمت القوى الامبريالية القضية الكردية كورقة سياسية نفعية تارة وعدائية في غالب الأحيان على حكومات تلك الدول خاصة ما مثله دعم الحراك الكردي في العراق,ممثلا بعائلة البرازاني في كردستان العراق,ضد النظم الحاكمة عبر حقبة طويلة من تاريخ العراق,خاصة القومية الوطنية التي اعترفت بالحقوق القومية والثقافية لهم.

في تركيا السياسية التي تدعي الديمقراطية,و الديمقراطية لا تنكر قومية أي من مكونات مجتمعها وإنما تعتز بوجودها وتحرص على حقوقها كما تحرص على حقوق كافة مكونات المجتمع,يسمون الأكراد أتراك الجبل,ويرفضون الإعتراف بأي حقوق لغوية أو ثقافية إو عرقية للأكراد الذين يمثلون 20% من المواطنين الأتراك.وقد شهدت تركيا صراعاً مسلحاً مع الأكراد المطالبين بحقوقهم الطبيعية قاده حزب العمال الكردستاني (وهو ليس حزباً عشائرياً كما هو حزب البرازاني وعائلته) منذ العام 1984,ذهب ضحيته حوالي 45000 قتيل من الجانبين.وفي تواطؤ مكشوف,ومثال واضح على الكيل بمكيالين,اعتبرت أميركا وتركيا حزب العمال الكردستاني جماعة إرهابية في الوقت عينه الذي دعمت البرازانيين في العراق بالمال السلاح والمعلومات والخبرات القتالية التي استقتها ممن تسميهم جماعات إرهابية, وأسست قواعد استخبارية صهيو – أميركية تتبادل المعلومات مع الاستخبارات التركية باستمرار حول تطلعات الأكراد المترددة بين إقامة دولة مستقلة,وهو ما ترفضه أميركا وتركيا (وترفضه أيضا الدول الأخرى),أو إنشاء كيان الحكم الذاتي الذي أقر به العراق  وسوريا دون سواهما من الدول الأخرى.

كشف هجوم داعش على بلدة عين العرب (كوباني)  السورية التي يقطنها الأكراد,الستر عن مواقف الخداع,والمناورة المكشوفة,التي تحاول كل من أميركا وتركيا تغطية سياساتهما العنصرية والانتقائية والعداء المكشوف ضد القوى والآحزاب والتيارات التي تعصى أبوة النظم الجشعة المستغِلة والسادة المتسلطين والمتسلقين وأدعياء النهج الديمقراطي.ولا يخفي أردوغان عداءه السافر لأكراد عين العرب السورية معتبرا حزب العمال الكردستاني هو نفسه داعش,وقد منع كل المساعدات العسكرية وعبور المقاتلين الأكراد السوريين منهم والأتراك للقتال في عين العرب ( كوباني) مع أقرانهم الذين يسطرون مجدا دفاعيا نادرا عن مدينتهم,نساء ورجالا مستبسلين في مواجهة جماعة عجزت قوى كبرى عن مقارعتها بمثل تلك البطولة والاستبسال.ويرفض المقاتلون الأكراد مقترحا تركيا بإرسال مقاتلين من الجيش السوري الحر (جيش وهمي,مضخم وجوده إعلاميا كتسمية فقط وإنما المقصود بالتسمية مقاتلون يتدثرون رداء الإسلام) التغطية لأغراض تخدم السياسة الأميركية بأنها لا تساند القوى التكفيرية في سوريا وهي الجماعات التي تقاتل بدعم مباشر من تركيا والسعودية وقطر وغيرهما من دول التحالف ),لأنهم يشكون في نوايا تركيا,التي لا تحفظ عهدا ولا تفي وعدا,ولا يمكن أن تسهم في فعل من شأنه الساهمة في مصلحة كردية تحرمها من حقوقها الأساسية ومن امتيازات المواطنة المشروعة ,فهي تعلن عداءها للأكراد وتدعي الرغبة في مساعدتهم على الصمود لحماية مدينتهم.

هذا ربما ما يقلق أردوغان وداعميه في الحلف الأطلسي,إذ يخشى,في الوقت الذي عليه أن يدرك أن الحقوق القومية لا يمكن طمسها وأن العنصرية (في تصريح تقول فيه العالمة فيردا أوز في مركز اسطنبول للسياسة جاء فيه إن العنصرية مزمنة الطابع في تركيا كما ورد في جريدة الغد الأردنية بتاريخ 32102014. وأن بعض المسؤولين الأتراك يقولون علنا أنهم يعتبرون حزب العمال الكردستاني تهديدا أكبر من تهديد الدولة الإسلامية!!) مهما تمادت في غيها فإنها أي العنصرية  بلاء على أصحابها,لا يستقيم تفشيها في السلطة الحاكمة مع ألف باء الديمقراطية والقيم الإنسانية.

  وصدق من قال :أن ألد أعداء الديمقراطية أكثرهم حديثا عنها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد