أثر الاقتصاد على التعصب والإرهاب - 1

mainThumb

08-11-2014 07:19 PM

أن نعيد أسباب معظم مشكلاتنا الاجتماعية والصدامات التي تأخذ مجراها بين فينة وأخرى بمختلف درجاتها ومستوياتها العنيفة منها والخلافية بين مختلف فئات المواطنين  العائلية والمذهبية والطائفية والعرقية والسياسية والعشائرية والطلابية وغيرها من الصراعات التي تشهدها المجتمعات الإنسانية بين حين وآخر, إلى العامل الاقتصادي’ونقف عنده كأهم سبب من الأسباب التي تهدد الاستقرار الاجتماعي وتثير النزاعات بين المواطنين,نكون قد تجاوزنا الكثير من الأسباب الأخرى الأكثر أهمية ,ربما في خلق المشاكل الاجتماعية,أو في إثارة أسبابها,أو في تأجيج أحداثها لعادية.ولا نكون بمنأى عن التلهي الفكري الذي اعتدنا على ممارسته دون أن تكون أفكارنا مبنية على معرفة موثقة مما نجول فيه بالكلام ونصول به في الصراخ بالحوار.

لا يمكن تبرئة العامل الاقتصادي من كونه عاملاً من العوامل الهامة ودائم الحضور في التسبب بالعديد (كعامل مسبب وأوعامل حل) من تلك المشاكل والنزاعات والصراعات.ومن المحتمل أن يكون العامل الأكثر تحفيزا على إثارة حزمة من المشاكل الاجتماعية التي تنعكس سلباً على الاستقرار الاجتماعي,وتلعب دوراً رئيساً في تفجير الأحقاد الطبقية,وتوتير العلاقات الاجتماعية الطبيعية بين فئات الأغنياء وأصحاب الثروات الكبيرة والملاكين الشرهين والتجار المحتكرين وتنويع المنتجات الصناعية وتجميل المناطق الترفيهية والسياحية,وبين فئات المجتمع الأخرى بمختلف تصنيفاتها(بمعايير اقتصادية) واختلاف حاجاتها المالية والمادية والسلعية.ولكنه على الرغم من كل ذلك ليس العامل الوحيد,ولم يكن كذلك في أي مجتمع إنساني.

لم تنجح أياً من العقائد الرأسمالية والاشتراكية وغيرها من العقائد الوسطية بين هذه وتلك من النظريات الاقتصادية والطروحات التنموية ,على الرغم من زخم الدراسات التحليلية والبحوث الميدانية وتقويم التجارب المختلفة في البلدان المختلفة,والقراءات للواقع الاجتماعي الذي يسود مختلف المجتمعات المتقدمة منها والمتأخرة,من الوصول إلى صيغة تطبيقة تحمل في طياتها عدالة توزيع الثروة بين أبناء المجتمع وفئاتهم,ولم تحقق تلك الدراسات والبحوث والقراءات أي نظرية افتراضية تناقش بوضوح وموضوعية العلاقة بين قدرة الفرد الإنتاجية,وبين الجهد الذي يبذله عملياً في الخطط الانتاجية وتصميمات الإنتاج السلعية,وطاقة السلع التسويقية.هذا من ناحية, من ناحية أخرى تناقضت الآراء حول التفريق بين مستحقات قوة العقل ومستحقات قوى العمل المهنية والعضلية,وأخذت التقنيات الحديثة تتحمل عبئأً أكبر من جهد البشر في العمل الذي يتصف بالعمل الاقتصادي,إذ أن الاقتصاد في هذا المجال هو المحصلة النهائية التي تشغل فكر الاقتصاديين وتأخذ معظم طاقتهم العقلية في التحليل والتوصيف والتص


فات الاقتصاديين,أو ربما أعجزهم عن الفهم الموضوعي عامل هام من عوامل الحالة الإنسانية لتأثيره على العناصر الاقتصادية, ألا وهوالعامل النفسي الذي أربك سلوك أفراده ومواقفهم وردود أفعالهم من قضايا مجتمعهم المعيشية والسياسة والأخلاقية والتراثية  كل الطروحات الاقتصادية وتحليلاتها المتحيزة والمتعصبة لدور الاقتصاد وما تشهده البشرية من تغيرات دائمة ومستمرة في وسائل الحياة العامة وعلى الفكر الاجتماعي والوعي العام للمجتمعات المتعددة وشديدة الاختلاف على الصعد التنموية والثقافية والاقتصادية والتقنية والاجتماعية والتراثية.ويُقر علماء الاجتماع بأن التطور الفطري للإنسانية (أي الطبيعة الإنسانية) كان راجعاً إلى الاحتياجات الاجتماعية,ومن ناحية أخرى ظهر أن تطور الاحتياجات الاجتماعية إنما يفسره تطور الطبيعة الإنسانية.ومثل هذه العلاقة التبادلية في التأثر والاستجابة بين تطور الاحتياجات الاجتماعية وتطور الطبيعة الإنسانية,لا تترك ثوابت في المعادلات الاقتصادية يمكن الركون إلى قيمها الحسابية أو المعنوية في أي فرصة للوصول إلى نتائج تمكن الاقتصاد نفسه من التأقلم مع عناصر تلك المعادلة.ولكن يظل للعامل الاقتصادي دوره الثانوي الذي تبدو آثاره على تطور الحاجات لاجتماعية بشكل حصري ومحدد.

لم تقف الثروة حائلاً بين الإنسان الثري وبين السلوك الجرمي له ,بغض النظرعن طبيعة الجريمة التي يرتكبها,ولم يستوف تبرير جرائم الفقير شرط التطابق لجريمة يرتكبها الغني كما الفقير.ولم يستو سلوك الثري مراعاة للقيم والتقاليد والتزاماً بالقوانين والتشريعات في ملفات القوانين الجنائية ولم يتعفف الغني عن السلوك الشاذ,كما يحدث الشيء ذاته في كل الحالات مع الفقير.ويظل الفرق بين الإثنين فرقاً ظاهرياً,هذا يرتدي بذلة أنيقة وربطة عنق غالية الثمن,وذاك يكتفي ببنطلون الجينز وقميص مختلط الألوان.والثروة لا تصنع أخلاقاً شخصية والفقر لا يذهب بالأخلاق الشخصية.

الأثرياء متهمون بسرقة الفقراء بتغطيات قانونية ومهنية معترف بها (لهذااتصفت الرأسمالية السائدة في عالم اليوم بالرأسمالية المتوحشة),والفقراء متهمون بسرقة أموال غيرهم ومقتنياتهم مخالفين القانون والتقاليد الشعبية في عزة النفس والقناعة والتعفف ( ويسمون باللصوص).

لم تلعب الثروة وملكيتها بغض النظر عن حجمها وقيمتها أي دور مهما كانت ضآلة تأثيره على قضايا الفساد بكافة أشكاله وتنع فنونه واستهدافاته النفعية غير المشروعة قانوناً وغير المألوفة تقاليداً,ومذمومة تراثاً.الفساد يسود المجتمعات,وإن بنسب متفاوتة ويعود تفاوتها (في الدول الغنية والمتحضرة) إلى الخوف من عقاب القانون المطبق بصرامة في الدول الديمقراطية خاصة ,حيث أن الديمقراطية تتصف بطبيعتها بحكم القانون دون محاباة أو تحيز وتمييز.فالحاجة إلى المال لا حدود لها ولا قيود فعلية عليها.الفقير من جانبه يريد المال لتغطية احتياجاته العائلية المعاشية والترفيهية,وهذا بحد ذاته ليس طموحاً,وإنما تدبير حاجة معاشية ,فطموح الفرد أي فرد هو في الحصول على ما يمكنه الحصول عليه من المال,السائل والعقاري والأسهم والسندات وتعدد العملات. وليس هناك من غني بلغ به الحمق إلى الاكتفاء بما حصله من المال وما يمتلكه من الثروة ومصادرها,وربما أن العكس صحيح تماماً.

الفقر والغنى حالة فردية سياسية – اجتماعية (يمكن اعتبار الدولة هنا حالة فردية) تلعب فيها السيكولوجيا دورها في التأثير على الأفراد الذين يمثلون محور الاقتصاد وسياساته وغاياته في النمو والثراء وتطوير الذات تقافياً ومهنياُ, يمكن التعبير عنهما بالمعادلة الحسابية البسيطة التي تقول : كلما زادث ثروة شخص في مجتمع ما,كلما نقصت ثروة شخصأشخاص بالقدر نفسه في ذات المجتمع.وهذا بحد ذاته مدعاة لتدخل الدولة في الحفاظ على مستويات الاقتصاد وفعالياته ضمن سياسات ترى فيها انسجامها مع سياساتها الاقتصادية وفلسفة التنمية المستدامة التي تهدف إلى تحقيقها.

من جهة,فإن التعصب ليس هو الإرهاب,ولكن ارتباط الإرهاب بالتعصب ارتباط وثيق ومتين.والإرهاب وأعمال العنف والتطرف وغيره من الظواهر ليس بحاجة إلى تعريف,وإنماإلى توصيف وظيفي مرتبط بالفعل ذاته وأثره على الآخرين,لأن التعريف ليس بوسعه أن يصف أي ظاهرة وصفا عملياً وشاملاً يمكن الركوإلى عناصره في التعريف بالظاهرة والتعرف على عواملها المتشعبة.فالإرهاب بصفة عامة كل طلب أو رغبة أو تحقيق مصلحة من جهة ما,دولة,حكومة,أو فرد أو جماعة من شأنه إجبارإخضاع إرغام|تهديد|وعيد|خاوةرعب الآخرين المعنيين منهم,وغيرهم من الضحايا.أي أن يقوم شخص ما (أو جماعة أو مجموعة) بعمل مكرها ً على القيام به أو مضطراً لدرء خطر داهم أو تهديد داهم, لأي سبب كان هو إرهاب بدرجات متفاوتة.ولكن القتل والتهجير والحرق والتدمير وغيرها من الأعمال المسلحة في النهب والسلب تقع في خانة أبشع أنواع جرائم الإرهاب,وأكثرها انحطاطاً خلقياً وقيمياً.  
  
للموضوع تكملة



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد