عويدي : حفرة اللعنات ..

mainThumb

10-12-2014 10:13 PM

بقلم المفكر المؤرخ د. احمد عويدي العبادي

تابعت النقاشات والآراء حول مشروع اتفاقية الغاز الصهيوني التي  تجعل من  الاردن حكما ذاتيا تحت كنف  اسرائيل وترهن قراره الوطني والسياسي والاقتصادي وكرامته بحجة ضرورة تزويده بالغاز الذي تقول اسرائيل انه غاز اسرائيلي.

    الانكى من هذا ان نجد اصواتا في الاردن  تؤيد هذه الاتفاقية العار، وكأن هذه الاصوات لا تعرف ان هناك تاريخ لا يرحم ولا يسامح ولا يستحي.

وعندما قرات ما جرى من نقاشات حولها، بين اراء وطنية واخرى متصهينة وهي اشد علينا من الصهيونية , رأيت ان أدلى بدلوي للتاريخ، وقفز الى ذهني فورا قول الله سبحانه وتعالى في المنافقين واعداء الامة والدين والكرامة والعزة .  ورايت اقتباس هذه الآية الكريمة ومختصر ما ورد من تفسيرها في كتب التفاسير الكريمة، وهي  في سورة البقرة حيث يقول تعالى

((ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام (204) وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (205) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد (206) ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد (207)) سورة البقرة

قال السدي: نزلت في الأخنس بن شريق الثقفي، جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأظهر الإسلام وفي باطنه خلاف ذلك. وعن ابن عباس: أنها نزلت في نفر من المنافقين تكلموا في خبيب وأصحابه الذين قتلوا بالرجيع وعاقبوهم، فأنزل الله في ذم المنافقين ومدح خبيب وأصحابه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله)

وقيل: بل ذلك عام في المنافقين كلهم وفي المؤمنين كلهم. وهذا قول قتادة، ومجاهد، والربيع بن أنس، وغير واحد، وهو الصحيح.

وحدث محمد بن أبي معشر، أن اباه أبو معشر نجيح قال: سمعت سعيدا المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض الكتب: إن [لله] عبادا ألسنتهم أحلى من   العسل، وقلوبهم أمر من الصبر، لبسوا للناس مسوك الضأن من اللين، يجترون الدنيا بالدين. قال الله تعالى: علي تجترئون! وبي تغترون! وعزيت لأبعتن عليهم فتنة تترك الحليم منهم حيران. فقال محمد بن كعب: هذا في كتاب الله. فقال سعيد: وأين هو من كتاب الله؟ قال: قول الله: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا) الآية. فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت هذه الآية. فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل، ثم تكون عامة بعد. وهذا الذي قاله القرظي حسن صحيح.

وأما قوله: (ويشهد الله على ما في قلبه) فقرأه ابن محيسن: " ويشهد الله " بفتح الياء، وضم الجلالة (على ما في قلبه) ومعناها: أن هذا وإن أظهر لكم الحيل لكن الله يعلم من قلبه القبيح، كقوله تعالى: (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) [المنافقون: 1].

وقراءة الجمهور بضم الياء، ونصب الجلالة (ويشهد الله على ما في قلبه) ومعناه: أنه يظهر للناس الإسلام ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق، كقوله تعالى: (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله) الآية [النساء: 108] هذا معنى ما رواه ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس.

وقيل: معناه أنه إذا أظهر للناس الإسلام حلف وأشهد الله لهم: أن الذي في قلبه موافق للسانه.

وقوله: (وهو ألد الخصام) الألد في اللغة: [هو] الأعوج، (وتنذر به قوما لدا) [مريم: 97] أي: عوجا. وهكذا المنافق في حال خصومته، يكذب، ويزور عن الحق ولا يستقيم معه، بل يفتري ويفجر، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر “.

وقال البخاري: حدثنا قبيصة، حدثنا سفيان، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة ترفعه قال: " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم “.

وقوله: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد) أي: هو أعوج المقال، سيئ الفعال، فذلك قوله، وهذا فعله: كلامه كذب، واعتقاده فاسد، وأفعاله قبيحة.

والسعي هاهنا هو: القصد. كما قال إخبارا عن فرعون: (ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى) [النازعات: 2226]، وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) [الجمعة: 9] أي: اقصدوا واعمدوا ناوين بذلك صلاة الجمعة، فإن السعي الحسي إلى الصلاة منهي عنه بالسنة النبوية: " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار “.

فالمنافق ليس له همة إلا الفساد في الأرض، وإهلاك الحرث، وهو: محل نماء الزروع والثمار والنسل، وهو: نتاج الحيوانات الذين لا قوام للناس إلا بهما.

وقال مجاهد: إذا سعى في الأرض فسادا، منع الله القطر، فهلك الحرث والنسل. (والله لا يحب الفساد) أي: لا يحب من هذه صفته، ولا من يصدر منه ذلك.

وقوله : ( وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ) أي : إذا وعظ هذا الفاجر في مقاله وفعاله ، وقيل له : اتق الله ، وانزع عن قولك وفعلك ، وارجع إلى الحق امتنع وأبى ، وأخذته الحمية والغضب بالإثم ، أي : بسبب ما اشتمل عليه من الآثام ، وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا قل أفأنبئكم بشر من ذلكم النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير ) [ الحج : 72 ] ، ولهذا قال في هذه الآية : ( فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) أي : هي كافيته عقوبة في ذلك .

وقال حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب قال: أقبل صهيب مهاجرا نحو النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعه نفر من قريش، فنزل عن راحلته، وانتسل ما في كنانته. ثم قال يا معشر قريش، قد علمتم أني من أرماكم رجلا، وأنتم والله لا تصلون إلي حتى أرمي كل سهم في كنانتي، ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، ثم افعلوا ما شئتم، وإن شئتم دللتكم على مالي وقنيتي بمكة وخليتم سبيلي؟ قالوا: نعم. فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ربح البيع، ربح البيع “. قال: ونزلت: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رءوف بالعباد)

اما من يشري نفسه ابتغاء المنصب ومتاع الدنيا فقد خسر بيعه خسر بيعه. ولا شك ان الموافقة على اتفاقية الغاز انما هي خسارة البيع مع الله والشعب والوطن والتاريخ حتى ولو حلف الموافق واشهد الله على ما في قلبه، فمن يوافق عليها انما يضع نفسه في حفرة اللعنات الى يوم الدين



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد