أميركا تُصنّع ثوار سوريا !

mainThumb

15-12-2014 07:46 PM

عندما تسقط قيم أخلاقية أساسية لجماعة ما,فلا تفاجؤونا ما تقوم أو تنتوي أن تقوم تلك الجماعة به.وعندما تحدثنا الأنباء الواردة من مؤسسات أمنية واستخبارية ومراكز دراسات استراتيجية,ومؤسسات بحثية في الشأن الدولي أميركية تعمل بالسر فيما تنوي القيام به من أعمال وتحيكه من مؤامرات  ضد الشعوب ونظمها أو نظمها فحسب,والتدخل الوقح في شؤونها الداخلية في كافة أنحاء العالم وتنقل شرورها وآثامها بالخفية والحرص على إحداث المفاجأة في كل ما يتعلق بمصالحها إلى أي مكان في العالم, باستثناء ما تريده وما تنوي عمله وما تنقله من شرور وآثام في المنطقة العربية,فإنها سرعان ما تعلنه بكل صراحة,وتلوح بالتهديد به  دون مراعاة مشاعر أتباعها أو مواقف مؤازريها وعملائها.

ويبدو أن الحال السياسي العربي الذي انتجته عهود من (الصداقة العربية – الأميركية) أعفت المؤسسات الأميركية المعنية من الحذر في سلوكها أو الحرص على سرية ما تنتويه ضد المصالح العربية الشعبية منها والرسمية.

هكذا وبكل بساطة أصبح التدخل السافر في الشأن العربي يأخذ طابع العلانية والاستخفاف برد الفعل الذي لم تتصدى له أي جهة عربية رسمية من الدول التي تعدها أميركا متحالفة معها.(أميركا تعمل في السياسة وبالمصالح التي تديرها بأسلوب الأتباع وليس منطق الحلفاء).

اصطف الأتباع مع السيد الأميركي عسكرياً ولوجستياً في عملية تدمير العراق,ولعل هذا يشكل الدفعة الأولى من الموجة الأولى من التواطؤ المكشوف والنفعي مع أميركا,ولم يدر في خلدهم,أي الأيناع أن مثل هذا العمل الذي أدى إلى هزيمة أميركا في العراق بعد تدميره,إنما قاد أيضاً إلى هزيمة كل عناصر الثقة,وكل عوامل العلاقة الإيجابية المفترضة بين نظام الحكم وبين الشعب بمختلف مكوناته.ووقعت حركات وجماعات عقائدية (دينية,اشتراكية,ماركسية ..) في وهم القدرة الأميركية على تنصيبهم في مواقع السلطة في بلدان ما أسموه ( الربيع العربي) ,كما فعلت في العراق ,ولم يجدوا حرجاً في الاستعانة المباشرة والعلنية بالقوات الأميركية وبالسلاح الأميركي وبالخبراء الأميركيين ومؤسسات إعداد الشباب لتولي إثراة الفوضى في مجتمعاتهم! فسقطوا من أعين الشعب,وكانت ردة الفعل الملازمة لتلك الأحزاب وغيرها وللعمل الحزبي بشكل عام أنْ ظلت تعاني من امتناع المواطنين الأحرارعن التعامل معها أو الانضمام لصفوفها وتأييد شعاراتها أو التعاطف مع حراكها.ولا نستبعد أن يكون امتداد هذه المعاناة حتى يومنا هذا عاذد لإي أحد أهم أسبابه لتعامل هذه الآحزاب وتعاونها مع السياسات الأميركية في المنطقة,ولعل هذا التواظؤ كان من أهم أسباب خروج ملايين من مختلف مكونات الشعب المصري وطوائفه الفريد في تاريخ الوقفات الشعبية ضد تظام حكمها, مطالباً بسقوط حكم الإخوان المسلمين وإسقاطه بالفعل.

وعند تلك الحقبة التاريخية سقطت العديد من القيم السياسية والأخلاقية في السلوك العام لحركات متطرفة مسيسة وتيارات غاضبة استبد بها الغضب إلى حدود تجاوزت عندها ردود أفعالها حدود الاحتراف الثوري وقيمه المنحازة دائماً  للمواطن,والمدافعة عن حقوقه وحرياته, وعملت  بانفعال واندفاع في التصدي لانهيار منظومة القيم السياسية والعلائقية بين بعض الحكومات العربية وبين الشعب العربي في مواجهة السطوة الامبريالية الأميركية الذي حدد موقفه من تسلط الإدارات الأميركية على على استقلال القرار العربي,وإضعاف تمكين السلطة القائمة من إدارة شؤونها بإرادة محلية وقرار سيادي شأنها شأن الدول الفاعلة في العالم.فالتطرف في شكله الظاهر تمرد على كل القيم وعلى كل مفردات الحوار والتفاهم.

والتطرف في الفكر أو الفعل أو الأيدولوجيا أو بعضها أو كلها,يكون في أغلب الحالات التي شهدها التاريخ الإنساني رداً مباشراً على التعجرف الذي تبديه حكومات في التعامل مع قوى الوطن السياسية والحزبية والمدنية,أو ذلك الذي تبديه قيادة حزبية تجاه الرأي الآخر من أعضائها,أو العجرفة التي تطغى على سلوك الدول التي يستبد بعقلها طغيان القوة,في تعاملها مع قضايا الدول الاخرى ومصالحها.

وليس من عناء في فهم علاقة التعجرف (والتغطرس) بالتطرف,بما نشهده في ديارنا منذ زمن طويل في تعامل السياسة الأميركية – الأوروبية - الصهيونية مع قضايانا العربية التنموية والوطنية والسيادية.والتعجرف هو تطرف عنصري عرقي طائفي استعلائي عميق الجذور في تاريخ السياسات الاستعمارية والامبريالية والطغيانية.والتطرف عجرفة فكرية اقصائية تكفيرية, وتمثل رد فعل عشوائي يلجأ إلى سبل التخويف بالتفجير والتفخيخ,وبالقتل البشع والتمثيل الهمجي بالجثث والترهيب بالتهجير والتكفير وكيْل الاتهامات إلى من هم سواها من أبناء الوطن والملة, الممزقة لمكونات المجتمع وقواه.وهكذا يلتقي التطرف والتعجرف عند تجاوزهما لكل القيم وتبرير جرائمهما بالذرائعية والانتهازية.ويقع التطرف في سعيه لمواجة النعجرف  في خطيئة الخروج على منهجية المواجهة الثورية لكل القوى المعادية ,وهي مواجهة ملتزمة بالقيم الوطنية والتراثية.



التطرف لا يحمي المتطرفين في أي مجال, من الانحراف والانزلاق إلى مسالك خاطئة ومعيبة في كل المعايير الفكرية والأيدولوجية لتحقيق أطماع في السلطة وتحقيق مكاسب سياسية في أوطانها.فقد ارتمت قوى تعمل تحت شعارات فكرية تراثية ووطنية في أحضان الخطط الأميركية وبرامجها المعدة بعناية وذكاء لتحويل الأقطار العربية إلى مجموعة من الدول العاجزة وأخرى إلى دول فاشلة.

لم تتورع الولايات المتحدة الأميركية,ولم يكن متوقعاً منها ذلك,عن التدخل في الشأن السوري الداخلي مدعومة بالدفعة الثانية  من الموجة الأولى من المتواطئين معها  هلى مصالح أمتهم مقابل مصالحهم الضيقة,بصورة فجة ومستفزة متغطرسة,وتمثل رسالة واضحة فيها تنبيه لكل عربي حروتحذيرقاس أن العرب منقسمون بحدة ولا يتضامنون في قضاياهم ولا توحدهم المصائب ولا النكبات كما عند غيرهم, وهم متفرقون ويصطفون مع عدو فئة منهم بحماس ( ولا يزال المثل العراقي شاخصاً في الذاكرة وماثلاً للعيان)!!.فالأميركي هو من يقرر شرعية النظام في سوريا,وهو من يقرر مصلحة الشعب السوري,وعليه مسؤولية تعيين حكامه ,وهو من يرعى (ثورة شعبه,ويعبر عن إرادته),وتؤيده ليس فقط نظم عربية وإنما قوى وجماعات ارتضت برعايته وحمايته لهم وتقرير مستقبلهم وتحديد مواقعهم وحراكهم وطبيعة علاقاتهم مع العدو الصهيوني,كضريبة على كل من يصادق أميركا أن يدفعها مرغماً.ولكن عندما أفشل الشعب السوري وأصدقائه المخطط العدواني الأميركي – الغربي – التركي – الصهيوني -  بعض العربي بصموده وثبات إرادته على القتال,وأرعب ارتداد الإرهاب الذي دعموه في سوريا إلى بلادهم,أخذت أميركا تبحث عن (ثوار معتدلين) لإدامة الحرب على سوريا,وإلحاق المزيد من الدمار بكل بناها المعنوية والمادية,فوعدت بتدريب وتأهيل (الثوار) المعتدلين في أقطار مجاورة عربية وتركيا,وتزويدهم بالسلاح النوعي الذي يمكنهم من (تحرير سوريا من جيشها,وإقامة حكومات متطابقة مع الصيغة الليبية بعد أن حررتها أميركا وأعوانها وأتباعها.ولعل ظهور علم جبهة النصرة محاطاً بعلمي الاحتلال الصهيوني فوق أرض سورية محتلة,ينبؤنا عن نوع (الثورة) وعن نوع الثوار!!!!

هكذا علانية وتحد لمشاعر كل إنسان عربي احتفظ بكرامته أو تمسك ببقايا تلك الكرامة,تعلن أميركا خططها العدائية  وترحب بها قوى المتواطئين معها من الحكومات والتيارات والقوى الحزبية والعقائدية دون تحفظ .هذا هو ملخص حكاية السرية في كل خطط أميركا العدوانية ضد أي دولة أو جهة في العالم,ولكنها تعلنها بكل صراحة ودون مواربة عندما يتعلق الأمر بدولة عربية!!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد