(2011 - 2015) حراكات خارج منطق التاريخ - 2

mainThumb

21-01-2015 02:01 PM

مما يجدر بنا التذكير به,أن حضارة الإنسان من جانب ما قدمته من المنجزات التقنية والعلمية ووسائل الإتصال والتواصل والانتقال والتنقل التي سخرت له استعمالها, كانت تلك المنجزات تبدو للعقل وهماً من الأوهام الخيالية,مثلت في بعضها أحلاماً داعبت تصورات العقل العلمي البشري, مكنت الإنسان من خلال منجزاتها العبقرية مغالبة معظم الظواهر الطبيعية وإخضاعها لتحكم الإنسان بنتائجها.

تلك الظواهر التي شكلت تهديداً لبقائه حياً آمناً مستقراً وتمكن من السيطرة على معظمها وترويضها,وحافظ على مستوى معاشي ونفسي يتمتع بهما بصحة جيدة والحفاظ على حيوية الفكر الخلاق والمبادرات الإبداعية,ويقارع الصعوبات التي تعترض سبيله وتعيقه عن مساره من أي مصدر أتت باكتشاف التقنيات التي استطاع بواسطتها تحقيق مكمن قوة قادرة على التغلب على المعيقات الجغرافية وعقباتها,واختزال المسافات بمحاكاة سرعة الصوت والتفوق عليها بتقنيات آمنة إلى حد بعيد.

وملاحقة ابتكار التقنيات الأكثر تطوراً ما يمكنه من منافسة  سرعة الضؤ بها والتفوق عليها,والغطس الممتع في أعماق البحر والمحيطات,والسباحة الحرة في الفضاء بحرية ومهارة لفترات طويلة يتم خلالها تزويد ملاحي السفن الفضائية بكل احتياجاتهم التقنية والبحثية والغذائية,والهبوط على الأفلاك والأقمار واكتشاف مكوناتها بدراسة عينات من تلك المكونات نقلها من الفضاء إلى الأرض بكل عناية وحرص,ومن المعروف أن الإنسان حافظ على دوره في محاربة كل العوارض الخطرة والأمراض التي تعيق حركته وتشل قدرته وتحول بينه وبين تحقيق طموحاته في التميز وتحد من نشاطه العقلي والعضلي, وسيطر على معالجة الأمراض المختلفة ومقاومة الأوبئة,وتجنب أضرار غضب الطبيعة إلى حد كبير.

لا ينكر أحد أن التطور التقني والمنهج التطبيقي الذي شهدته الشعوب والأمم,الريادية منها في تلك الإنجازات أو المتلقية لها,حملت معها تغيراً على بلادة البيروقراطية وعلى الفكرالتقليدي,وعلى منطلقات ثقافية سائدة وواسعة النطاق في الأدبيات المتداولة وعلى تقاليد العمل وعلاقاته الإنتاجية وعلى روابط العلاقات الاجتماعية وتقسيم العمل وتنوع مجالاته, وعلى تحديث القيم التراثية ونهضوية الثقافات التعددية في المجتمع الواحد وتواصلها مع ثقافات الأمم المختلفة, ونمو الوعي الحضاري في التراث,كماأوضحت الكثير من الحقائق حول قدرة العقل الإنساني اللامحدودة ودوره الخلاق وبراعة مهنيته على إحداث النقلات النوعية في مستويات المعيشة وفي وسائل العيش,وعلى ضرورة العقلانية في المساهمة النشطة في ترقي قيمة الإنسان وأهليته للتمتع بكل حقوقه الطبيعية والقانونية ,وما أوجده(التطور التقني..) من وظائف جديدة في مهامها وفي أهدافها فاتحة مساحة واسعة من الخيارات للفرد في ميادين دراساته وفي مهام وظائفه وواجباتها وفي هواياته الفردية والجماعية وفي أحلامه,وما تبعه من تطوير وتحديث على كثير من مفردات التراث وقيود التقاليد وروابطها السائدة في المجتمعات. 

كما أن لا أحداً ينكر كذلك توقعاته وتنبؤاته السيوسيو -اجتماعية,أنها,أي  تلك الإنجازات العظيمة الشأن متنوعة الوسائل والأدوات التي صنع بها الإنسان حضارة,كانت كلها على الرغم من كونها بالغة الاهمية في المجالات التقنية والعلمية والفكرية وتطوير مستمر على الوسائل والأدوات التي يستعملها في حياته اليومية ودوام تحديثها,وعظمة ما تولد عنها من مبتكرات واختراعات وتجديدات,أن تفعل فعلها التغييري الواضح والمنطقي المتجاوب مع واقعه في سلوك الإنسان التلقائي منه والمسبوق بتفكير وتخطيط من إخضاع وسيطرة على ما يحميه حماية نهائية من خطر يمثله الإنسان ويكيد به على أخيه الإنسان.وطمع الإنسان في ثروة أخيه الإنسان,ورغبة الإنسان في استعباد أخيه الإنسان وإذلاله وإخضاعه لمصلحة عابرة أو جني فائدة تافهة. أي بعبارة مختصرة,إن الحضارة التي نعيش في ظلالها,هي أقرب إلى حضارة منزوعة سمة التحضر وقيمه الرفيعة المتسامية منها إلى حضارة إنسانية بالمعنى المتكامل السمات مترابط الأركان,بارتباط منجزات الحضارة  بمعاييرالتحضرونواميسه وهوأي التحضر الذي يقيس الدرجة النسبية التي انعكست بها أفكار منجزات الحضارة على قيمها التي يتعاطى الإنسان بها في سلوكه مع كل من هم سواه من البشر باختلاف أنواع الروابط العلائقية بهم سواء أكانوا أبويه ,إخوته وأخواته,جيرانه ,زملائه,أصدقائه,معلميه,رفاقه,أبناء وطنه,وغيرهم من البشر من كل الأجناس والقوميات والمعتقدات ...وهكذا عوضاً عن تلاقي السلوك الإنساني مع التحضر وقيمه,نشهد تنائي بينهما يبقي ضميرالإنسان في كثير من الأحيان على ما كان عليه منذ زمن بعيد!!

وكأن أنانية الإنسان,وذاتيته المتضخمة التي نتجت عن مخاصمة العقل للرغبة والشهوات, أبت على أن تتجذر في ذاته تلك قيم حضارية تغير من طبيعة علاقة الإنسان بالإنسان وترتفع بها إلى مستويات يسموا فيها ذلك السلوك على جشع الإنسان وأطماعه وشهواته ورغباته شديدة الفردية الموغلة في الأنانية.وليس أدل على ذلك من أننا في هذا القرن الواحد والعشرين وقد انقضى منه عقداً ونصف العقد تقريباً,ما زال العالم يعاني فيه من شعور دائم بالخوف من المرض والفقر والجوع, وقلق من طغيان القوى الحربية والعسكرية والاستعلائية  والإرهابية التي تَمزَق فيها السلام مع النفس فأودى بالسلام الاجتماعي والسلام العالمي الموهوم والمدعى من ذات القوى التي تخرقه.

ويظل مما يثير الدهشة,أن هناك ممن لم يتأثر فكره عما كان عليه الفكر السائد منذ آلاف السنين,وما زالت القوة التي تفتك بحياة كافة مخلوقاتها وبما عرف عنها من طغيان تمثل أوسع اهتمام من اهتمامات البحث العلمي والتفكير التقني,فلم تكتف القوة بقدرتها النووية التدميرية,لتنتقل أيضاً إلى مصادر تدمير أشد فتكاً وتقتيلاً وأسرع هدماً وتدميراً,باستغلال الفضاء وتحويله إلى ثكنات مسلحة وقواعد عسكرية مرعبة ومخيفة في حجم الدمار وكم القتلى من الكائنات الحية كلهأ,وما تلحقه من تشوهات في طوبوغرافية الأرض وتلويث البيئة بالمواد السامة تستمر لعقود طويلة.وهكذا نجد أن الإنسان الذي اقتدر بكل كفاءة وذكاء على مواجهة أضرار الطبيعة وشرورها,عجز عجزاً بيناً عن مواجهة أضرار الإنسان التي يلحقها بالإنسان,وعجز عن كبت شرور الإنسان التي يجد بيئتها في غيره من البشر.وهكذا يكون الإنسان قد انتصر على الطبيعة وشرورها وخسر معركته مع نفسه بتنقيتها من دوافع شروره الذاتيه و إضرارها بالغير.واستمرالسلوك البشري كما كان عليه منذ أزمنة ما قبل التاريخ ومراحل ما قبل الحضارة وما زالت الحروب بسبب غضب زعيم سياسي من زعيم آخر تتوالى على العالم,وتأخذ مجراها على نطاق واسع,والاستغلال ونهب الثروات منهج مقتدر على ضعيف والاستعباد مبدآ للغني على الفقير,والمتخم على الجائع.وأصبح الخوف من المجهول هاجسا لكل فرد وافتقد الناس الأمن والأمان الذي وعدهم به التحضر,ولكنه لم يف بوعده.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد