(2011-2015) حراكات خارج منطق التاريخ -7

mainThumb

19-02-2015 05:53 PM

الذين ينفون وجود ما تعارفت عليه أدبيات السياسة بـ : نظرية المؤامرة,التي لها موقع متفرد في علوم السياسة النظرية والتطبيقية,والذين يهزأون بمن يقول بوجودها,يغالطون أنفسهم,ويستهينون بالتعلم من التجربة الإنسانية عبر مراح التاريخ المختلفة وحتى يومنا هذا,ويحاولون الإيحاء بأن اللجوء إلى الزعم بوجود المؤامرة بأنه محاولة للتنصل من المسؤولية الوطنية, ويمكن تفسير تلك المحاولات بأنهم من جانب,متقصدون التغطية على مواقف الدول الطامعة العدائي من محاولات الشعوب وحراكها التقدمي نحو التحرر والاستقلال, وذلك بنفي وجودها,أو هم أنفسهم,من الجانب الآخر, جزء من تيارالترويج لها لعلمهم اليقيني بوجودها في محاولة لتبرئة الممارسات التي تتقن انتهاج أساليبها قوى الهيمنة الساعية إلى التفرد بالتأثير على أحداث العالم والتدخل الفج في الشؤون الداخلية للدول كافة والقوى ذات التاريخ الاستعماري العريق,التي بعد أن فقدت قوتها المتفردة,وسلطانها على البحار وعلى مصادر الموارد والثروات الدولية وعلى طرق الاتصال البرية والبحرية والجوية قبلت على نفسها,موقع التبعية في سلسلة الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة الأميركية,الولة الأقوى عسكرياً في العالم.
 
ولا يخفى على المراقب النابه أن قوى الهيمنة الامبريالية تعمد في طرق تدخلها المستمر والمباشربشؤون الدول الأخرى إلى أسلوبين ظاهرين :الأسلوب الأول؛ هو الأسلوب المباشر الذي تعلن فيه تلك القوى أو بعضها عن تدخلها صراحة وتقوم بهذا التدخل بشكل سافر متعمد ومقصود,حتى إنها تعتبر نفسها مقررة للإرادة الشعبية نيابة عن شعوب تلك الدول.أما الأسلوب الثاني : فيعتمد على مسار الأحداث في المنطقةأوالدولة التي يتربصون بها ويتحينون الفرص للتدخل في شؤونها,ويستثمرون تلك الأحداث لخدمة مصالحهم الذاتية.وهذا في حد ذاته يؤكد وجود المؤامرة تحت أشكال عديدة من النظريات السياسية ونظريات طغيان القوة,وتأثير المال.ويكفي على سبيل المثال أنْ نتابع تصريحات الإدارة الأميركية بما يدور في مختلف دول العالم من أحداث محلية ,وأسلوب المخاطبة لزعامات تلك الدول بالترغيب (باللجؤ إلى مصادر القوة الناعمة ووسائلها) مرة وبالتهديد باستعمال القوة العسكرية عدة مرات,وبالتدخل المباشر بفرض الحصار على شعوب تلك الدول وحصارها اللاإنساني,وتقوم بدعم أعوانها وتابعي سياساتها وتمويل نشاطاتهم المعادية للنظام في تلك الدول أو الضاغطة على سياسييه بالرضوخ للإرادة الأجنبية,وبالتدخل غير المباشروذلك بتحريض منظمات دولية وجماعات حقوقية تقوم بتمويلها وأو إدارتها,وأوالتاثير المباشر على إداراتها.ولا غرابةأنْ تحتفظ الولايات المتحدة بأكثر من خمسين قاعدة عسكرية في مختلف أنحاء العالم بحجة الدفاع عن مصالحها.وفي قاموس القوى الامبريالية فإن مصالحها تكون على حساب مصالح غيرها بكل تأكيد ونادراً ما تلتقي تلك المصالح بمصالح الدول المبتلاة بها.
 
ومن بدهيات الحقائق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية إنه لا يمكن أن تكون لأي بلد من بلدان العالم النامي بشكل عام أوأي بلد عربي بالتحديد مصلحة مع من مصلحتهم في تفكيك قوى دولنا العربية والحرص على إبقائنا في قائمة الدول المتخلفة. وهذا يشكل علة استعمارية مزمنة طامعة لا يمكن شفاؤها,دون مواجهة ومجابهة متحضرة.
 
وقد عبر بن غوريون الزعيم الصهيوني الذي مارس الإرهاب الهمجي ضد المدنيين الفلسطينيين,عن وجهة نظره حول الدفاع عن وجود الكيان الصهيوني بأن أي قوة حتى النووية منها لن تتمكن من حماية الكيان الصهيوني المحتل,وإن الحماية الحقيقية تكمن في تفكيك جيوش الدول العربية المجاورة وإنهاكها مؤكداً على ضرورة تحطيم العراق وسوريا ثم مصر,وتشتيت قواها....وقد بدأ تنفيذ هذه الوصية في العراق منذ العام 1991,بأعمال حربية شرسة عمدت إلى تدميروحرق وتقتيل العراقيين دون تمييز وعملت على حل الجيش العراقي وإنهاء المؤسسة العسكرية التي كانت تقع في مقدمة المؤسسات القوية,وتدمير أسلحته ونهب محتويات متاحفه التي تشهد على عمق تاريخا الحضاري وتلك التي تؤكد أطماع الصهيونية ومخططاتها التوسعية,والحفاظ على استمرار تدفق البترول على موانئ الدول الامبريالية,وما آلت إليه أحوال المنطقة العربية من انقسامات بين القوى العربية المدنية منها والرسمية, وقد تم ذلك كله بمشاركة عدة دول عربية كانت خاضعة للهيمنة الأميركية إما أمنياً أو تمويلاً .
 
وإن كنا لسنا بحاجة إلى تأكيد المواقف الآميركية السياسية التي تكيل بمكاييل مزدوجة وثلاثية وحتى رباعية في كل ما يتعلق بقضايا العرب المصيرية والتنموية والتحررية خاصة والمسلمين عامة,فإننا نسوق عبارة جاءت في حديث للرئيس أوباما آخيراً يصف فيه السياسية الخارجية بقوله :.... أحياناً يتوجب عليها ( أي على السياسة الخارجية) لي ذراع الدول التي ترفض تنفيذ ما نريد منها تنفيذه!!!.
 
كانت شعلة الثورة التونسية فرصة اقتنصتها أميركا وتوابعها الأوربية لقلب الأوضاع العربية رأساً على عقب.وقد كانت تلك الأوضاع تحت المراقبة المستمرة و كانت على الدوام ضمن مخططاتها التآمرية العدوانية.وكانت مؤسسات متخصصة تمولها أجهزة الاستخبارات الأميركية تنشط في تدريب طواقم من الشباب من مصر بشكل خاص,كما كشفته تقارير موثقة,على الانتفاض على النظام القائم فيها,كما فعلت مع عدد من الدول الشرقية فيما وصفته بالثورات البرتقالية,لتخترع اسم (الربيع العربي) لما بدأ يحدث في بعض الدول العربية الأخرى.
 
في ليبيا,لم تحتمل القوى الامبريالية الصبر على قتل الرئيس القذافي,وقد سقطت الجامعة العربية,وكان يديرها آنذاك عمرو موسى في فخ الموافقة على طلب تدمير ليبيا من قوى حلف الناتو بمشاركة دول عربية بالسلاح والمال.وهذه (ثورة ليبيا) اليوم تتحدث عن نفسها,وتعطي المثل على ما جنته أيدي القوى الليبية الطامعة في الحكم والتي لم تخجل من الاستعانة بالقوى الأجنبية ودعوتها لمساعدتها على الوصول إلى الحكم,ولكن ها هي ليبيا منهكة  مدمرة تتقاتل قواها (الثورية!!!) فيما بينها,وقوى الناتو تمتع ناظريها بـ (فعلتها الثورية) في هذا البلد العربي.
 
منذ العام 2005,اتجهت السياسة الخارجية الأميركية,بعد توصيات أعدتها لجنة برئاسة مادلين أولبرايت,إلى الحوار مع التيارات الدينية في كل من مصر والأردن ولبنان وتونس(وقد شرحنا تلك التوصيات في مقالات سابقة نشرتها السوسنة تحت عنوان دعماً للديمقراطية العربية لماذا وكيف!!؟؟ ).وحثت النظم العربية تلك على إشراك جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الإسلامية في الحكم,وأوصى التقرير كذلك على دمج حزب الله ,شريطة التخلي عن سياسته في المقاومة, في الكيان السياسي اللبناني,وكان النظام المصري في عهد مبارك قد شاخ واهترأ دورمصر في المنطقة.وظلت سوريا تحت المجهر العدواني الامبريالي,التي تشكل المحور الرئيس في الممانعة ودعم مقامة الاحتلال الصيهوني وأطماعه التوسعية في الأرض العربية,وترفض توقيع معاهدة سلام مع العدو الصهيوني دون استرجاع ما احتل من أراضيها حتى آخر شبر منها.
 
وكانت الإدارة الأميركية بعد عدة لقاءات مع قيادات من جماعة الإخوان المسلمين المصرية بدعم من قيادة الإخوان العالمية,تفترض أنها اقتنعت بما تعهدت لها الجماعة به والذي تكشف فيما بعد بالوثائق؛ أن هذه الجماعة بما لها من وجود على الأرض وتاريخ يجاوز الثمانين عاماً من التنظيم,قادرة على لجم نشاط التيارات الجهادية,والتحكم بالجماعات الإرهابية التي تتخذ من الإسلام غطاء لما تقوم به من أعمال شريرة,وأن ذلك سيعفي أميركا من كثير من مهام محاربة الإرهاب وتكلفته العالية وتعقد مساراته وتشعب تنظيماته وتعدد تسمياته,ولم تخف الإدارة الأميركية سعيها لإبقاء الصراع والاقتتال بين تلك التنظيمات بعيداً عن أراضيها وأراضي أتباعها الأوربيين وبعض العرب,ونقل ساحة الاقتتال لتظل بين العرب والعرب والمسلمين والمسلمين كما تقتضي طبيعة الحرب ذلك. (وحتى نستعيد الذاكرة فقد ساند إخوان العراق الاحتلال الأميركي وشاركوا في لجنة الحكم التي تشكلت بعد الاحتلال بقيادة أميركية بعضوين من قادتها).... للموضوع تكملة ....


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد