مشتركات بين عاصفة الحزم وعاصفة الصحراء

mainThumb

08-04-2015 10:59 AM

للتذكير فقط فإن عاصفة الصحراء,هي التسمية التي ابتدعتها أميركا وحلفائها من بعض العرب وبعض الغرب ودول أخرى تُملى مواقفها عليها من البيت الأبيض,في ضرب العراق بسلاح الجو كمرحلة أولى من مراحل تدمير رمز حضاري أزلي يمثله العراق, بالإغارة على مدنه وقراه دون تفضيل أوتمييز بين العسكري: بقواعده ومراكز قياداته ومقرات وحداته ومعسكراته وتجمعاته وبين المدني :تجمعات السكان والأبنية الحكومية ومدارس الطلبة والجامعات تقتل الطفل والمرأة والشيخ, أو الاختيار لعربي على كردي أو العكس,أو انتقاء أبناء طائفة من طوائف العراق الدينية والعرقية كهدف مباشر لغاراتها الوحشية,فقد كانت هجمة تدمير شامل ,مبيت ومقصود,وعملت بكفاءة على تشتيت العراقيين وتهجيرهم وملاحقة علمائهم ومفكريهم ومبديعهم بالاختطاف والاغتيال ,وكان أول بيان للقادة العسكريين الأميركيين يتباهى بما  حققه من نتائج (العاصفة),في وصفها بالسيطرة التامة على الأجواء (air supremacy)..


وقد طالعتنا الصحف الأردنية بتصريح مفاده أن التحالف في عاصفة الحزم الذي تقصف طائراته اليمن منذ أكثر من أسبوع,(بسط سيطرته) الجوية في أجواء اليمن !!,أي أن سلاح الجو اليمني لم يعد قادراً على القيام بطلعات جوية لمواجهة طائرات التحالف التي تزودها طائرات أميركية وبالوقود وبالمعلومات التي تجمعها بطائرات التجسس التي كثفت طلعاتها في اليمن.علماً بأن الجيش اليمني  لم يقم أصلاً بمثل تلك الطلعات القتالية كما كان حال العراق في حرب عاصفة الصحراء.

واستمرت الغارات الجوية لسبع دول عربية بدعم أميركي وتعاون تركي باكستاني,تقصف البيوت فتهدمها على رؤوس أصحابها ولم تسلم من شرورها مدارس الأطفال والمناطق الصناعية,مما تسبب في نزوح عشرات الألاف من اليمنيين عن بيوتهم,وبعضهم لجأوا إلى الصومال وجيبوتي والمعاناة من نقص حاد في الطاقة والغذاء كما جاء في تصريح فاليري آموس منسقة الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة.

الهدف المعلن من عاصفة الحزم هو تحرير اليمن من مكون رئيس من مكوناته الاجتماعية ومن جيشها الذي لم تترك السيطرة المبسوطة على أجواء اليمن أي موقع له أو مقر من مقراته إلا وقصفته,هذا عدا عن مكونات يمنية سياسية وعقائدية تحرص على استقلال اليمن من السيطرة (العربية ) بعد أن فشلت القوى العثمانية وغيرها من قوى الاستعمار والأطماع الغريبة فرض سيطرتها عليه.ولكن الهدف الحقيقي إنما في مقاومة التمدد الإيراني وهو على ما يبدو حصل هذا التمدد سلمياً,ودون إعلان حروب وعواصف وتحالفت مشوهة الأهداف والمنجزات مما يؤكد فشل السياسات العربية في الحفاظ على سلام مجتمعاتها وعلى احترام مواطنيها لتلك الزعامات,وفقدان الثقة بهم وبإدارتهم وظلمهم.أي يمكن أن نقول ينجح الإيراني,أو التركي حيث يفشل العربي في هذا القطر أو ذاك,أو يتجاوز بلد عربي محيطه ليعقد اتفاقيات استراتيجية مع دول طامعة بالسلطنة في الإقليم فيفقد العربي احترام الآخرين له بعد أن بفقد احترامه لذاته.


مثلت عاصفة الصحراء في عدوانها على العراق بتحالفاتها المعلنة منها والسرية,شرخاً عميقاً عمودياً وأفقياً في صفحات الفكر العربي وفي صميم انتماء المواطنين لدولهم ولالائهم القومي وفي تراث العرب السياسي والأيدولوجي الحديث وألحقت ضرراً بالغاً في وشائجهم القومية والأخلاقية,عندما راحت زعاماتهم في الاصطفاف مع الأعداء التقليديين (كان موقف الملك حسين رحمه الله,موقفاً متفرداً برؤية تاريخية مستوعبة لماضيها ومدركة للعنة التاريخ اللاحقة في طبيعة هذه الاصطفافات الخطرة ونتائجها المعنوية عظيمة السلبيةعلى النفس العربية,وعلى روابط الأمة عندما أصر على حل عربي  لواقع العرب ولمستقبلهم وإقناع العراق بالانسحاب من الكويت,ولعلمه بالنوايا المسبقة لتدمير العراق ضماناً لأمن الاحتلال الصهيوني) ورهنوا ثرواتهم وقواهم المادية والعسكرية والبشرية لقرارات أجنبية  تكفرها من الناحية الدينية وتدين لها بالولاء والطاعة في شؤون الدنيا وأحداثها.

أفقدت الحرب على العراق التي تناوبت عليها القوات الأميركية وبعض الدول العربية وغيرها من الدول الآخرى خاصة بريطانيا التي يحمل ساستها حقداً دفيناً على كل قوة عربية وطنية تملك قرارها وتصون استقلالها وحرية قراراها السياسي – الاقتصادي على أقل تقدير.

أفقدت هذه الحرب أسس الفكر السياسي – العقائدي  العربي معاييره,وهشمت قيمه وأبجدياته- في المُثل الوطنية وأبسط معايير الامتثال للانتماء والولاء,وفقدان التبصر في معنى الأمن الوطني وركائزه الأساسية وأدواته الفعالة لكل قطر عربي على حدة,وبمعزل عن الأقطار الأخرى وبشكل خاص المتجاورة منها,وعمقت أزمة الثقة بالزعامات والأحزاب المتحالفة مع الأجنبي ضد العربي.

ولم تكن حرب تدمير اليمن,المعنونة بعاصفة الحزم,وتهشيم بناه الاجتماعية,الطائفية والسياسية والحزبية,سوى استمرار لتدهور المواقف من قضايا الوطن في كل قطر عربي لم تقف عند حدود هذا التدهور زعامات نظم حاكمة فقط ,بل وقع في آثامها أحزاب وقوى وتيارات وجماعات عديدة من معتنقي العقائد الدينية المسيسة والشيوعية وغيرها في استجداء تدخل القوى الأجنبية لتدمير أوطانهم وتحويل بلادهم إلى ركام لم ينفعهم البكاء على أطلاله في ليبيا,ولم تجلب لهم محاولات إنهاك الوطن السوري أي منفعة,وعاشوا في وهم الوصول إلى السلطة في مصر فتصدى لهم الشعب المصري وأخرجهم عن السياقات الاجتماعية المخلصة للوطنية والمؤمنة بأهمية القومية في بناء الأوطان الحرة المستقلة. وفي تونس كان للتجربة العلمانية معنى وطنياً عميقاً لم تتمكن تلك القوى من طمسه أو تجاوز آثاره.

ولا بد من التذكير بصيحة المثقفين إبان العدوان على العراق: أكلت يوم أكل الثور الأبيض,فلم تعد للآحداث الجسام أي مفاجأة مهما عظمت في عداء (العربي) لذاته,وفي هجره لذاكرته الوطنية,وجمعه أشلاء قتلاه دون أن يذرف دمعة واحدة,فقد جفت دموع التعاطاف والتراحم في بيئة أصبح القتل فيها على هوية وعلى عرقية وعلى طائفية وعلى مكاسب تجارية ومنافع مادية. وعلى مقاصد مخادعة تحورها كل جهة لتخدم أعراضها الشريرة وتحجب رؤياها عن آثامها في ارتكابها جرائم بشعة بكل مقياس تعارف عليه  مجرمو الحروب,وقساة القلوب,والحكام المتفردون والدكتاتوريون في تاريخ البشرية,وحتى اللحظة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد