خطبة الجمعة في الحرم المكي

mainThumb

10-04-2015 07:26 PM

(1) كنت وما انفكّيت من الداعين إلى أن خطبة الجمعة هي خطبة توجيه وتثقيف وتعليم بحال الأمة في ماضيها وحاضرها، رسما لمستقبلها، ومادة الخطبة هي القرآن والسنة والتاريخ. اليوم أقدم نموذجا حيا مذكرا بأن خطباء الجمعة يجب أن يكونوا على مستوى من العلم والثقافة ومعرفة التاريخ. هذا النموذج الذي يجب الاقتداء به عند إعداد خطبة الجمعة هو إمام الحرم المكي الشيخ صالح بن طالب أمد الله في حياته، بدأ خطبته في الحرم المكي في الجمعة الماضية قائلا:


(2)


"أيها المسلمون حين كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يجاهد لإعلاء شريعة الله وبسط كلمته في الأرض وقد لقي من الأقربين والأبعدين ما لقي، كانت جبال اليمن تسير برجال تنحدر لسهول الحجاز تحث خطاها للقاء النبي الخاتم لم تسقها للدين، سيوف أو مخافة حتوف، وإنما فطر صافية وقلوب للإيمان راغبة... عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يماني والحكمة يمانية". رواه البخاري... وفي صحيح مسلم "الإيمان يماني والفقه يماني والحكمة يمانية وفي العصر الإسلامي الأول كان الحجاز كمثل الطائر والشام واليمن جناحاه، وكان النبي عليه وسلام كثيرا ما يقرن بينهما في الفضائل والجهاد فاليمن أصل العرب ومادتهم، هم أهل السكينة والوقار والفقه والاعتبار وأرباب البلاغة والأدب وحلو الأشعار، أنصار الرسالة وقادة الجهاد والبسالة، دعا النبي عليه الصلاة والسلام بالبركة لأرض اليمن وأخبر أنها أرض إيمان وأثنى على أهلها بالإيمان والفقه والحكمة ورقة الأفئدة ولين القلوب وأنهم مدد الإسلام وجنده".


(3)


ولم تزل بلاد اليمن حافلة بالعلماء والصالحين أهلها أهل صبر وحكمة وحلم وقناعة وحنكة حتى ابتلوا بطلاب دنيا ممن باعوا ذممهم وخذلوا أمتهم، فمالوا مع العدو على أهلهم وشذ عن اليمانيين شرذمة باغية تدعمها قوى إقليمية كارهة للعرب، حائدة عن الهدى والسنة تهدف إلى بسط هيمنتها على اليمن وجعله منطلقا على بلاد العرب والمسلمين وتحالفت الفئة الباغية مع جماعات باعت وطنها ودينها لاستجلاب مكاسب شخصية أو عائلية على حساب عروبة اليمن وعقيدته تحركهم وتمولهم في ذلك كتلة شر اعتادت على عداء العرب والمسلمين وسعت لزراعة شوكة في خاصرة الجزيرة العربية مكررة نفس المشهد ونفس الزرع الذي غرسته في الشام ولم يلق العرب والمسلمون من زرعهم ذلك خيرا ففي الوقت الذي يطيل لسانه على اليهود تتوجه بنادقه في صدور العرب والمسلمين وقد لقي جيرانه العرب شر ما لقي جار من جاره، وذلك بعد أعوام عثي في دياره فسادا واغتيالا.


(4)


لقد حاصر البغاة في اليمن المدن والقرى وألحقوا بأهلها صنوف العذاب والهوان والأذى وعاثوا في بلاد اليمن قتلا وسلبا ونهبا وسعوا فيها فسادا وإرهابا وتخريبا دمروا المساكن والمساجد والمدارس والجامعات وقتلوا المسلمين المسالمين وشردوهم في داخل بلادهم يريدون إذلال اليمن وقهر أهله واستعباده لصالح الأعداء الغرباء، إنهم يعبثون بأمن الشعب اليمني ويروجون للطائفية ويزرعون الإرهاب بل تعالت أصواتهم مهددين متوعدين فابتدأت "عاصفة الحزم " بسم الله وانطلقت على بركة الله لتقتلع الشر من أسه وتفلق هامة رأسه وتعيد اليمن لليمانيين فلا رجعة لساسان بعد الإسلام ولا عجمة تطرأ على لسان لتبقى اليمن كما وصفها النبي الهادي محضنا للإيمان والحكمة فهم للسلام مدد وللعرب عدد وللشدائد وتد وقام الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود متمثلا قول الأول قوموا على أمشاط أرجلكم ثم افزعوا قد ينال الأمن من فزعا، فكان قرار الملك نصره الله قرارا شجاعا حكيما جاء في وقت أمس الحاجة ولبى أمنية الأمة المحتاجة قياما بحق الأخوة وحق الجوار واستجابة لنداء الشعب اليمني المسلم وإغاثة للملهوف وحماية للديار وإنقاذا لبلاد الإسلام من سيطرة المد الصفوي المحتل بارك الله خطى الملك وبارك في عمره وعمله وأيده بتأييده.


(5)


عاصفة الحزم ردت إلى الأمة روحها وأملها وجمعت الكلمة ووحدت الصف وعرفت الأمة بدورها وعرفت الأمة بعدوها اللهم اجعلها فاتحة خير على أمة الإسلام تعيدها إليك وترجع أمرها إليك وتجتمع كلمتها وتزداد نصرة للسنة والدين اللهم زدنا تحالفا وقوة وعودة إليك.


(6)


عباد الله إن التمدد الانقلابي الطائفي الباغي في اليمن هو امتداد لما فعله أصحاب الجرائم في العراق وفي سوريا إذ أن المد الصفوي الطائفي الذي انتشر في الأمة يعمد إلى العمل المسلح ونشر الفوضى والقتل وكم ضاق الناس على اختلاف مذاهبهم في العراق وسوريا من ويلات الحروب التي غذاها هؤلاء وأداروا رحاها تطحن البشر بلا رحمة ولا شفقة ولا حياء وأن التصدي لهذا المد الطائفي في اليمن واجب على القادرين فهو عدو للدين عدو لأهل بلده وأبناء شعبه كما هو عدو لجيرانه، إنه يحمل أهل اليمن كلهم على معتقداته وأفكاره، آلته في ذلك الحديد والنار والقتل والسجن والتهجير فكان استنقاذ اليمن من براثن الاحتلال الصفوي واجبا شرعيا والقتال في سبيله جهادا في سبيل الله والدفاع عن اليمن هو دفاع عن الركن اليماني الذي يجاهر الأعداء بإرادة احتلاله ويهددون أمن الحرمين وقبلة المسلمين ولأن اليمن عانى على مدة تزيد على نصف قرن فلعل ما أصابه أخيرا هي العلة التي يصح منها الجسد ليعود اليمن كما كان سعيدا بقاماته العلمية وهاماته التجارية ليحتضنه الخليج والعرب حيث مكانه الطبيعي ومحله الأساسي.


(7)


يا أيها اليمانيون الكرام أمامكم فرصة تاريخية سنحت وأيدي إخوة كرام امتدت وقلوب مليار مسلم تعاطفت وودت فأجمعوا رأيكم واحزموا أمركم ووحدوا كلمتكم وغلبوا مصلحة الإسلام والعروبة وكونوا صفا واحدا لاقتلاع الشوك من جسد اليمن المثخن فقد خلت من قبلكم المثولات، وانظروا ما حل في بلاد آخريات بعثت لها كتلة الشر أحزابا وميليشيات فما زادها إلا قتلا وفرقة ولم تعد على البلاد إلا بالأسى والحرقة، إن اجتماع الكلمة من أعظم أسباب النصر وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين، طهروا بلادكم من رجس القتلة طاردوا المخلوع وعصابته الذي أفطر البلاد وظلم العباد ودعا إلى تدمير كل جميل في بلدكم كما ندعو كل علماء اليمن ودعاتها ومجاهديها وزعماء القبائل والساسة وقادة الجيش الجند أن يتقوا الله ويقوموا بحق الأمانة التي قلدهم الله إياها وأن يوحدوا كلمتهم وينظموا صفوفهم ليدفعوا عن دينهم وعقيدتهم فأجمعوا أمركم لتخليص اليمن من المشروع الطائفي والذي والله لا يريد بهم خيرا إنها أمانة ضخمة في وقت حرج. إنها فرصة للالتفاف حول القيادة وتفويت الفرصة على المتربصين.


آخر القول: هذا خطيب الحرم المكي تحدث عن حال الأمة، فجمع في خطبته الدين والتاريخ وعلم اللغة فهل يتعظ خطباؤنا ويتعلمون الدرس في إعداد خطبهم؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد