بين الحزم والأمل خطايا آثمة

mainThumb

29-04-2015 10:16 AM

أعلن التحالف الذي تقوده السعودية في حربها المعنونة (عاصفة الحزم) تأسياً بتسمية (عاصفة الصحراء) ومحاكاة لأسلوبها فجأة، وتوقفت العاصفة فجأة,ودون أن تحقق أياً من  أهدافها المعلنة والتي صاغتها بيانات نارية تتناقض في مراميها بين أوضاع القائمين عليها السياسية والحاكمية وبين مطالبهم التي يريدون فرضها على اليمن. وهكذا توقف الحزم دون أمل .

ولم تكن عبارة تحمل العلاقة بين الحزم والأمل الوحيدة التي تحمل الموسيقى الصاخبة فقد طرقت أسماعنا عبارات مثل الاحتلال الحوثي لليمن بلده وجيش علي عبدالله صالح عن جيش اليمن!!وكأن اليمن تحت احتلال أجنبي لم نسمع به من قبل.ومثل هذه العبارات تأتي بعد أن تناقلت الصحف العربية وإعلامها عبارات مثل (لثوار السوريون؟؟ يأسرون جنودا سوريين,أويأسرون طياراً اسقطت طائرته وهي فرضية تضع الثوار في قائمة القوى الأجنبية وهي بالفعل في معظمها تنفذ أجندات أجنبية وغير سورية كما أثبتت الوقائع وما تزال تثبت ذلك.

في عاصفة الصحراء التي شنتها أميركا القوة العسكرية الأكبر في العالم,متزعمة تحالفاً أوروبياً وبعض العرب وغيرهم,تم تدمير العراق ونهب ثرواته ونشر الفوضى بين مكوناته,وخلق البيئة الحاضنة لجماعات التشدد والتطرف التي نمت وترعرت برعاية أميركية مباشرة وغير مباشرة ووقعت ضحيتها دول عربية في المنطقة دون غيرها هزت الضائر وخدشت الضمير الوطني وأوحت للضعفاء أن خدمة الأقوياء تحقق لهم أطماعهم الشخصية وتفرغ صدورهم من حقد يحملونه على أوطانهم ولكنهم يفقتدون الشجاعة على مواجهة قضاياهم بأنفسهم وبقواهم الذاتية,فاستمرأوا الاستنجاد بأعدائهم التقليديين منهم والمحتلين لأقدس بقع الأرض دينيا لعزل حكومات بلادههم طلبا للسلطة!!.

أما عن عاصفة الحزم فقد فشلت السعودية في تدويلها عندما واجه البرلمان الباكستاني الطلب السعودي بالرفض التام للمشاركة العسكرية, والمهذب في الدعوة إلى الحوار لحل المشكلة المختلقة بين اليمن وبين السعودية,على الرغم من علم الباكستانيين ومعرفتهم بالسخاء المالي السعودي والمساعدات المالية التي تقدمها لهم منذ زمن بعيد.ولكن الضمير الوطني والحس الوجداني الذي تعمر به قيم البشر يميز بدقة متناهية وحساسية واعية بين أوضاع رد الجميل وأساليبه ومواقعه وتوقيته وأدواته,وردود أفعاله.فليس اليمن عدواً لآحد من العرب أو العجم.

وهكذا يكون التحالف اقتصر على بعض الدول العربية,ولم يأخذ صبغة دولية حاولت دول التحالف التغطي بردائه الممزق (حتى أردوغان لم يشارك مباشرة مكتفيا بالدعم المعنوي وانشغاله بتدريب وتسليح الإرهابيين ودفعهم للاستمرار في تخريب الوطن السوري بدعم مالي خليجي),ويعود ذلك لأسباب شتى,ربما يقع في مقدمتها إدراك الدول( العربية وغيرها) التي نأت بنفسها عن العدوان على اليمن بأن اللجوء إلى السلاح وإعلان الحرب ليس من شأنه أن يحل مشاكل عالقة بين صراعات قوى إقليمية طامعة في بسط سيطرتها على موقع جيوسياسي لدولة مستضعفة عسكرياً.تحت أي ظرف أو أي عنوان من الأسباب مضلل أو محرف.وأن الاستقواء بالسلاح معناه فرض واقع بالقوة وفرض إرادة طرف على طرف آخر,وهي بذلك تعبر عن فشل سياسي عميق الجذور,وعجز بل خوف من المشاركة في الحوار والتفاهم ووضع الحجة المقنعة لحل تلك الصراعات,أو تجميدها  ومواجهة الذكاء السياسي بالذكاء السياسي المقابل والدهاء الدبلوماسي بدهاء دبلوماسي مماثل.وما لم تستسغه عقول الناس عامة والعرب خاصة,كيف أن الحرب والقتل والتعرض لأرزاق الناس وسكينة نفوسهم في مجتمع,هي وسيلة لدفع ذلك البلد إلى قبول الحوار,والرضوخ لإرادة قوى خارجة عن حدود وطنها وعن حقها في المواطنة فيه.

ألف باء الدعوة إلى الحوار تفترض وضع بنود وأجندات على جدول المباحثات متفق عليها بين الأطراف المتحاورة,ولا يجوز فرض تلك البنود أو أجنداتها ولا يحق لأي طرف أن يفعل ذلك والتذرع بالأمن والمصالح الوطنية وغيرها من هذا النوع من الكلام المكرر.صحيح أن للضغوط السياسية ومهارات التفاوض أثراً مباشراً على كسب جولات التفاوض,وتحقيق الأغراض المنشودة من وراء الحوار الذي يهدف في نهاية المطاف إلى حل القضايا والإشكاليات الدولية وتلك بين دول الجواروالتوصل إلى تثبيت ركائز الاستقرار وبناء علاقات حسن الجوار فكيف إذا كان طرفا الجوار عربيان – مسلمان؟؟.أما الادعاء بأن استعمال السلاح يهدف لجلب طرف للتفاوض, إي إجباره لإخضاعه لرعبة المعتدي وأهدافه فقد كانت نتائجها على الدوام نتائج مرحلية ومؤقتة تحمل التصميم على الثأر في ثناياها.وهي ادعاءات فاشلة مسبقاً,ودعوات تبريرية ساذجة.

فشلت عاصفة الصحراء في تحقيق الوعود الكاذبة التي تغنت بها برامج الساسة وحواراتهم وتصريحاتهم,وهزئ العالم من التبرير الأميركي – الأوروبي وأكاذيبهم حول تحرير الشعب العراقي من حكومته,ونشر الديمقراطية إضافة إلى ادعاء امتلاك العراق للآسلحة الكيماوية كأسباب معلنة للعدوان على العراق,ولكنها نجحت في القتل والتدمير وارتكاب جرائم الحرب ضد العراقيين ,وان الحقيقة التي لم تخف للحظة على المواطن العربي أن أمن الاحتلال الصهيوني وتأمين إمدادات الطاقة للدول الأوروبية بمحبس أميركي,وتأمين العمل اللوجستي لاتصال القواعد العسكرية الأميركية وتواصلها. التي تملأ الأرض العربية وبحارها وأجوائها,مثلت الأسباب الحقيقة للعدوان الوحشي على العراق ,ووصف البريطانيون رئيس وزرائهم الأسبق بلير بالكاذب.وما زالت لعنة الحرب على العراق تلاحق آل بوش,والسياسات الأميركية وقيمها وأخلاقية ساستها,وتجدد في تراثهم لعنة حربهم على فيتنام.

أصاب الضمير العربي الحي,ألم مستحكم من انتشار الحروب الداخلية في الأقطار العربية التي شهدت أحداثاً تقصدتها سياسة نشر الفوضى البناءة التي تبنتها الإدارة الأميركية وتبنى أتباعها تنفيذها بوعي أو عدمه في العديد من الدول العربية  لما تؤدي إليه هذه السياسة من أخطار حقيقة على المستقبل العربي,وليس بالضرورة على مستقبل النظام العربي الذ لم نلمس له وجود فعلي.ويزداد الأسى عندما تنتقل الفوضى إلى علاقات الدول لتقاتل بعضها في تحالفات ليتها لم تقم,أحداها الآكثر حاجة إلى رعاية ومساعدة ودعم.

ومن الواضح أن الفشل المسبق لأي عمل عسكري انتقامي لتحقيق أطماع سياسية, ليس جديدا في تاريخ الحروب التي خاضتها دول ضد أخرى في أوروبا وفي أفريقيا,وفي آسيا خاصة عندما تكون الأسباب المعلنة للحرب والعواصف الواهمة لا تمثل الأسباب الحقيقة لها ولا تمت إليها بصلة.وتكرار مثل هذه الأخطاء إنما يحولها إلى خطايا يصعب التسامح مع مرتكبيها,وذلك بسبب ما تتركه آثار تلك الحروب على ذاكرة الناس وما تولده من أسى في النفوس يبقي على الرغبة في الانتقام بكل وسيلة ممكنة ودون أن يمحو الزمن مخلفاتها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد