نحطم دولة لنحرر شعبهاً !

mainThumb

15-05-2015 11:40 AM

ليس من شك في أن نظرية المؤامرة نظرية موجودة في المجتمعات الإنسانية,على الصعيدين الفردي والداخلي والدولي,منذ قديم الزمان وقائمة ومفعلة وممنهجة ولها واضعي فرضياتها ومثبتي صحتها ومراقبي نتائحها,وهي باقية على الدوام لسبب بسيط يتماهى في تفسيره وطباع البشر ويتماشى مع ردود أفعالهم ومع سعيهم لتحقيق رغباتهم,ودوافعهم الأنانية. 
 
إنها بكل بساطة نظرية بَعْـدية,أي لاحقة وليست قبْـلية,أي سابقة لوجود آدم وحواء في حديقة وارفة الظلال غنية بشجر التفاح وغيره.....وهذه النظرية تعبر في فهمها البسيط والواضح تعبيراً مباشراً عن الطبع البشري في الطمع والجشع والحسد وفي تفجيرالأحقاد,والتملص من مشاعر الخوف الناتجة عن سمة الجبن,وهي أي نظرية المؤامرة,التفسير العملي لطغيان القوة الذي يأتي تعبيراً عن صفة التباهي والتفاخر بالقوة  ودوافعها العدوانية الطغيانية لآنها تستهدف في العادة الضعفاء والمسالمين من البشروتجد مبتغاها في أي مجال كان تتوقع أن يتأثربها,وفي أي مكان يغري بتفعيلها.ولهذا فإن إنكار وجود خيوط المؤامرة وأطرافها,أو التنكر لهما فيه سذاجة مفرطة,والخوف من وجودها يعني التخاذل عن مواجهة خططها والتصدي لمآربها. 
 
ويبدو أن الدول عبر تاريخ وجودها بأشكالها البدائية والمبدئية والأولية والمتقدمة والمعاصرة كانت وما زالت تعطي هذه النظرية جل اهتمامها,فقد عمر التاريخ البشري بالمؤامرات و بالحروب بمختلف ميادينها العسكرية والصناعية والعلمية وبتعدد مواقعها وبتنوع أشكالها وأدواتها ووسائلها لأسباب مختلفة.فمن حروب قبلية وحروب أهلية وحروب إقليمية إلى حروب عالمية لم تنجو من خوضها أمة من أمم الأرض وأقوامها,أخذت في كل أحداثها تتكسى بشعارات يصح بعضها ويتآلف مع دوافع الحرب وأسبابها مثل حروب التحرر من الاستعمار وقوى الاحتلال,وبعضها الآخر يأخذ صيغه بتبريرات كاذبة كذباً صارخاً,ومستفزة لمشاعر الناس ومستسخفة بالعقل البشري والمناهضة لكل منطق قيمي أو أخلاقي,وتتعارض مبادئها مع دعوات حل الخصومات ووقف الاعتداءات وردع الحروب, ويتمثل ذلك بشكل صارخ بإعلان حرب على دولة لنهب ثرواتها,أو تقطيع أوصالها أو إحلال شعب مكان شعب آخر,أو حرب لتحرير شعبها من نظامه!!,أو ثورة شعب على نظامه تقودها قوى الردة والطغيان وأعداء الحريات الفردية ومكفري الديمقراطية والمستهزئين بالإرادات الشعبية,وترسم خطوط هذه الحروب وتديرها وتضع خططها وتحدد أهدافها قوى الاستعمار القديم دائم التجدد بالزعامة الأميركية – ومشاركة أوروبية - صهيونية مباشرة وعلنية –وبعض عربية.
 
تتعدد هذه القوى التي يطلقون عليها تسمية (الشعب) زوراً وتزويرا, بتعدد داعميها بالسلاح والمال وأبواق إعلامية بلا ضمير مهني, ومالكيها ومموليها ومزوديها بمقاتلين أجانب من دول أجنبية وعربية,وتتقاتل فيما بينها بشراسة ولكنها كلها تقتل أبناء شعبها وتدمر بناه السياسية والعسكرية والتحتية,تلغي تراثه الإنساني الحضاري ليس فقط بارتكاب الجرائم البشعة في التقتيل على الهوية العرقية والطائفية والفنية والثقافية والسياسية,وقطع الرؤوس وحرق الأحياء التي ما زالت عامرة في ذاكرتنا بحرق الشهيد الأردني الطيار الكساسبة,والإعدامات الجماعية,والتمثيل بالجثث,وإنما كذلك بإلغاء تراث يحكي قصة الأمة مع التاريخ ويهدم آثاره ويطمس معالمهوويحرق كتبه ومؤلفاته.بعد أن حسبنا أننا في عصر المعرفة والمعلوماتية والعولمة التي تتقارب خلالها أدبيات الأمم وأخلاقياتها في التعامل مع أي طرف آخر تحت كل الظروف ,ونوعية الأحداث وطبيعتها الحربية منها أو السلمية.
 
حسبنا أن سلوكنا كبشر في التمسك بأهداب الحياة المستقرة الآمنة بعد أن  نهلنا من العلم و معارفه أحدثه في جميع ميادينه ومواضيعه, قد ارتقى سلوكنا بعلمنا ومعارفنا على سلوك الأشقياء والجهلة  الذين لا يردعهم علمهم وخلقهم عن ارتكاب الجرائم وممارسة أعمال العنف,والقسوة على الضعفاء والفقراء,وبالغدر بهم ,وأن سلوكنا ترّفع علن التصرفات الهمجية والتوحشية والحيوانية التي كنا نحسب أن زمنها  قد ولى واندثر ولم تعد هناك تنظيمات بشرية أو جماعات أو تجمعات يمكن أن تقوم بمثل تلك الأفعال التي نشهدها حية ومستمرة في عقر دارنا العربية .ولم نكن من السذاجة كي نظن أن تلك الأفعال قد اندثرت وانتهت,فقد ظل السلوك الهمجي حكراً على سلوك السياسيين المعتدّين بطغيان القوة,والسعي الحثيث للتفرد بالقوة والتأثير المباشر على سير أحداث العالم,إضافة إلى الأطماع الامبريالية والأحقاد والضغائن الثأرية العدوانية التي مثلتها في مرحلة الأربعينيات من القرن الماضي النازية الألمانية,ودعمتها الهلوسة الفاشية والاستعلائية اليابانية.
 
هذه الحروب التي تشهدها أقطار الوطن العربي المسببة لها والمستهدفة بها  التي تستعصي في تفسير أسبابها على كل قيم التراث العربي – الإسلامي العامرة بالتجارب الناجحة وتلك الفاشلة,بعناوينها التقليدية في الانتصار وفي خسارة الجولات,انسجاماً مع المسار التاريخي للحضارات ومسيرتها وصيرورتها فهي تنشأ – تنهض – تتسع – تتمدد – تسود – ثم تبدأ بالأفول.
 
ليست الغرابة في أن لا يحترم الساسة المحترفون قدرة العامة من الناس على فهم ما يدور حولهم من أحداث ومغامرات وتعاملات ومواقف,وأن لا يقولوا قولة صادقة,بل إن المهارة في التضليل وفي التمويه وفي مجافاة الحقائق والتلاعب بالألفاظ وتحريف معاني المصطلحات المألوفة والتقليدية...من أبرز ممارسات السياسيين المحترفين منهم والمبتدئين,وقد انعكس ذلك على سياسيي المبادئ الأيدولوجية ورافعي رايات الشعارات التي تداعب عواطف الناس وأحلامهم,وهي في حقيقتها تحايل على أهداف الناس وحقوقهم لتحقيق غايات فئوية قسرية.
 
نحن العرب المبتـلون,منذ العام 2011بحراكات ومؤامرات مكشوفة محملة بأجمل العبارت والتسميات (كالربيع العربي) نحطم دولة ونسوقها إلى الفوضى العارمة والخراب والدمار الشاملين ونشتت أبناءها ونحرم الأطفال وكبار السن وذوي القدرات الخاصة والمسالمين ( ولا نقول النساء وقد أبدت النسوة الكردية شهامة وجرأة وشجاعة نادرة في مواجهة الإرهابيين وهزيمتهم في عين العرب كوباني السورية) من حق الحياة الكريمة بحجة تحرير الشعب من الخوف من الدكتاتورية لإرهابه بتحكم العصابات والمسلحين من محترفي أعمال القتل والاغتصاب والنهب ,ومن الطائفية وشعارات عنصرية,والتحجج بالدفاع عن الحرية,بكتم الحريات ومنعها وتحريمها وقتل الناس على الهوية الطائفية.ليس هذا فحسب,فنحن نعلن الحرب على بعضنا نكاية بغيرنا من دول الجوار,وهي دول تحتل كل منها لنا أرضاً أو جزراً,وهي طامعة علانية بالسيطرة على مستقبلنا وعلى ثرواتنا باستضعافنا ومن قوة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني لفلسطين ذي الآهداف التوسعية العنصرية.
 
أليس في دفتر ذكراتنا التاريخية المعاصرة أن  جامعتنا العربية حللت لقوى استعمارية تقليدية بتدمير دولة عربية وتركها نهبا لاقتتال مسلحين لكل منهم مأرباً خاصاً بها وارتباطاً بغريب يدعهما, والتوسل لقوى الامبريالية ذاتها لضرب دولة مؤسسة للجامعة العربية ؟ وأن أحلافناالحالية المتوترة تقصد تحطيم دولة يقاتل جيشها عصابات مسلحة منذ خمس سنوات ,بدعم مباشر وعلني من دول جوارها العربي والتركي,بحجة إنقاذ شعبها من حكامه ,ومحاربة داعش عبر دمشق وحلب.!
 
أولم تعمل أسلحة جونا التي تدمر اليمن وتنهك قواه العسكرية والمدنية (لتحريره) من مكونات أساسية من أبنائه وأحزابه الوطنية ,على قصف مطار صنعاء المدني لمنع هبوط طائرة مدنية إيرانية تحمل مساعدات إنسانية ألحقتها بهم طائرات إخوانهم!!.
 
وهكذا نكون قد بدأنا حكاية فيها من الغرابة والطرافة ما يجعل منها حكاية قد لا تصدق تفاصيلها أجيال قادمة,ليس تكذيباً لها ولكن تعففاً وتنكراً لبشاعتها وهي حكاية  القيام بتدمير ذواتنا نكاية ممن يعدهم بعضنا أعداءً.!؟ 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد