السياسة المالية .. بين الوضوح والعجز

mainThumb

27-08-2007 12:00 AM

عندما واجهت البلاد هزة الدينار عام ,89 أطل علينا الدكتور محمد سعيد النابلسي, الذي عُيّن محافظا للبنك المركزي في مقابلات متلفزة ليشرح سياسته المالية. لم يحتج المواطن الى كثير من عناء ليفهم المعادلة التي يطرحها المحافظ وهي مهمة الحفاظ على سعر صرف الدينار.

وبكثير من النقد وقليل من الممانعة دخلت الى وعي المواطن الاردني مفاهيم خطة صندوق النقد الدولي القائمة على الخصخصة وضبط المديونية وتقليص دور القطاع العام لصالح القطاع الخاص. كانت السياسة المالية اكثر من واضحة. وبدا الاقتناع بها كبيرا, لانها اعادت للدينار قوته ومنحت شعورا عاما بالاستقرار الاقتصادي والمالي وهي مسألة هامة جدا للخروج من الازمة بنجاح.

واذا كانت السياسات المالية والاقتصادية خلال العقد الاخير من القرن الماضي قد تواءمت مع المتغيرات الدولية بعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج الاولى, فان مطلع القرن الجديد حمل متغيرات هائلة. فرضت على الاردن كما على غيره من بلدان العالم, تحديا مصيريا لا يمكن مواجهته من دون احداث تغييرات اساسية في جميع نواحي الحياة, من الفكر الى الاداء. فتحديات العولمة وعصر ما بعد الحداثة وثورة الاتصالات والمعلومات اضافة الى ارتفاع اسعار النفط تجعل من الادوات السابقة في بناء السياسات الاقتصادية والمالية والتعليمية وغيرها, غير ذات جدوى بل غير صالحة تماما.

بقليل من الموارد والامكانيات وبكثير من التحديات طرح الملك الشاب افكاره وخططه لدمج الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي. وبالنسبة لبلد لا يملك نقطة نفط ولا موارد مائية كافية ولا عائدات ثابتة فان الخيارات التي لجأ اليها جلالته كانت صائبة, رغم انها ليست ذات مردود فوري يمنح الشعبية ولا تعتمد ترحيل المشاكل الى المستقبل المجهول.

سياسات الملك المالية والاقتصادية واضحة, بدأها بمحاولات حثيثة مع الدول الثماني الكبار وصناديق باريس ولندن من اجل معالجة المديونية الخارجية. وهو ما أهل الاردن لدخول منظمة التجارة العالمية واتفاقية التجارة الحرة مع امريكا. وكان تركيز الملك على جذب الاستثمارات الخارجية, خاصة العربية, وتشجيع القطاع الخاص من اجل تحريك عملية التنمية, ولم يخطىء عندما اعطى قطاع الاستثمار في السياحة حيزا اكبر, وشواهد النجاحات منتجع البحر الميت وما حدث من تغييرات كبيرة على مدينة البتراء انتهت باختيارها اعجوبة عالمية. ورغم تواضع الانجازات في منطقة العقبة بالقياس لما طُرح من توقعات الا ان المدينة انتقلت من عصر الى آخر.

ومنذ البداية ركز جلالته على التعليم في المدارس والجامعات بمشاريع تعميم الكمبيوتر لاقامة مناخ من التطبيع بين الشباب ومهارات الاقتصاد المعرفي. واقترن ذلك, بمحاولات لم تعرف الكلل, من اجل تعميم مشروع تدريب الشباب المهني وهذه ليست مسألة ثانوية انما هي في صلب التنمية الاقتصادية.

هذه هي السياسات التي وضع خطوطها الملك, واضحة لكنها للاسف اصطدمت بمستويات من العجز في الاداء الحكومي, وهو ما خلق هوة واسعة بينها وبين اداء حكومي لا يريد او هو عاجز عن التطور ومواكبة مشاكل عصر مختلف. الى ان وصلنا الى مرحلة بدأ فيها القصر يقوم بمهمات هي في الاساس من وظائف الحكومة وصميم عملها. ان كان الامر متعلقا بخلق فرص العمل والمشاريع الجديدة, او لجهة مراقبة الاداء والمحاسبة واكتشاف الخلل في المؤسسات والقطاعات الخدمية والمستشفيات.. الخ.

باختصار, ما يحتاجه البلد, حكومة قادرة على تنفيذ السياسة المالية والاقتصادية والاجتماعية في اطار من الوضوح والانسجام, يريح القصر من اعباء ممارسة وظائفها ويشيع الثقة بين الناس بحكومة تمارس صلاحياتها وتقدم الافضل.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد