لم تتوقف الدعوات للإصلاح بكافة أشكاله وقطاعاته في الأردن منذ عقود من السنين ومع ذلك فإن كثير من الإصلاحيين مصابين بالإحباط ، وبعضهم وصل لدرجة اليأس والقنوط. منذ عام 2010/2011 تكثفت الدعوات الى الإصلاح السياسي في الأردن وذلك تزامنا مع ثورات الربيع العربي ، وقد شهدت وتيرة الإصلاح ارتفاع وانخفاض ،وزيادة ونقصان حسب زخم الربيع العربي وهباته ونجاحاته وإخفاقاته التي كانت تنعكس مباشرة على مدى تجاوب النظام السياسي الأردني وقيادته الى المطالب الإصلاحية المشروعة والتي تركزت حول تعديلات دستورية حقيقية تتيح للأردنيين حكم أنفسهم بأنفسهم، وتنازل القيادة عن قدر معتبر من صلاحياتها لصالح الحكومة ورئيسها.
ومع أن النظام يدعي بأنه قام بإصلاحات سياسية ودستورية معتبرة فإن واقع الحال على الأرض يشير إلى أننا نراوح مكاننا "ومكانك سر" ولم نلمس تغييرا جوهريا في واقع الحياة السياسية وقانون الصوت الواحد ما زال معمولا به ، والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرار هامشية حيث دخلنا في حرب مع داعش دون موافقة الشعب ودون علمه تماما مثلما شاركنا في الحرب على اليمن حيث سمعنا عن هذه المشاركة من وكالات الأنباء العالمية.
أما علاقاتنا الحميمية مع النظام الإنقلابي في مصر، واتخاذنا مواقف سلبية من حماس ومن الإخوان المسلمين وغيرهم من القوى الداخلية والقضايا الإقليمية فلا تتفق مع نبض الشعب واتجاهاته.
الحقيقة أن الإصلاح السياسي المزعوم لم يتحقق لا بل شهد تراجعا ونكوصا ،ولم تزداد مشاركة الشعب في الحكم والإدارة السياسية ، واستمر الفساد والترهل في كافة القطاعات ابتداء من التعليم العالي وانتهاء بإفلاس الملكية الأردنية وهضم حقوق المساهمين بسبب هيمنة الدولة عليها .
يا ترى هل أصبح الإصلاح وهما؟ وهل الدعوة للإصلاح هي كالنفخ في قربة مخزوقة كما يواجهني كثير من أصدقائي وزملائي المطلين على واقع عمل النظام السياسي مؤسساته؟ وإذا كان الأمر كذلك هل نتوقف عن الدعوة للإصلاح ؟وهل التوقف عن نقد النظام ومؤسساته المتهالكة يعني أن النظام سيصلح نفسه؟ وهل هناك أي مثال أو تجربة تحقق فيها الإصلاح السياسي دون ضغط أو مطالبة؟ وهل الحقوق تمنح طوعا من أي نظام سياسي أم أنها تكتسب بالتصميم والإلحاح والتضحية؟ وهل مصلحة النظام السياسي الذي يتمتع بصلاحيات شبه مطلقة أن يتنازل عنها ليصبح رمزا وطنيا دون تأثير في المشهد السياسي ودون قدرة على التمتع بالمنع والمنح ،وإصدار الإرادات والمراسيم ،و الاستفراد في قرارات الحرب والسلم ،والأعطيات ورفع الشأن لبعض الرعية وخفض القيمة للبعض الآخر؟؟؟؟ أسئلة تحتاج إلى التوقف عندها ويحتاج معها الأردنيون إلى أن يتلمسوا طريقهم والإجابة عليها ويتأكدوا من مبتغاهم ومن مقاصدهم وأهدافهم المستقبلية.
ستبقى القربة مخزوقة إذا أرادها الأردنيون كذلك ، فقد كانت هناك قرب كثيرة مخزوقة وتم رتقها وإصلاحها ولكن عندما توفرت النوايا وصاحبها العمل عندها وعندها فقط تجاوبت الأنظمة وحدث الإصلاح.
نعم تم إصلاح القرب المثقبة في تونس وجمهورية نيبال واسبانيا وفنزويلا وبعض الدول أوروبا الشرقية وسيتم رقع القربة في مصر التي تمر بمرحلة انتقالية صعبة ومكلفة ولكنها لا بد وأن تعود إلى الإصلاح وسيذهب السيسي مثلما ذهب كثيرا من المستبدين ولأباطرة والانقلابين.
نعم قد تكون القربة الأردنية فيها ثقوب متعددة ولكنها ثقوب تراكمية وجاءت بفعل فاعل أو فواعل ولم تأتي عشوائية وأعتقد أن الاستمرار في المطالبة بالإصلاح والضغط على القوى المقاومة له وفي مقدمتها النظام السياسي والنخب التقليدية المستفيدة من الوضع الحالي سيثمر في النهاية وستحقق الإصلاح الذي نصبو إليه ،وقد طوت دول كثيرة الاستبداد ، واحتكار السلطة والمسحجين الذين ما فتئوا يقاومون كل دعوات الإصلاح ويقمعون المصلحين تحت حجج واهية متخلفة مثل إطالة اللسان وقدح المقامات العليا وتقويض نظام الحكم.
لا يوجد في سجلات وصحائف رب العالمين ، ولا في محكم تنزيله ،ولا في سنة رسوله عليه أفضل الصلاة والتسليم مقامات عليا وإنما يوجد قواعد تقول "إن أكرمكم عندالله أتقاكم" و كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.." و"وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ".
أخيرا نقول نعم القربة الأردنية مثقوبة أو مخزوقة كما يحب الأردنيون أن يسموها ولكن هذه القربة قابلة للرتق والإصلاح إذا توفرت الإرادة وإذا توفر المصلحون ولنا في تجارب كثير من دول العالم خير دليل.
على النظام السياسي الأردني أن يدرك أن الأردنيين مصرين على رتق قربتهم وإصلاحها وانه يمكنه أن يكون معهم في نفس القارب ، ويسهم في إصلاح هذه القربة لا بل ويمكنه أن يقود القارب إن أراد ولكن في المسار الذي يريده غالبية الأردنيين ويمثل نبضهم ووجدانهم فهل من مجيب؟؟؟؟