صحيفة السوسنة الأردنية

في الجدل الإسرائيلي الداخلي حول حدود الصفقة المقبلة مع الفلسطينيين وملامحها ، بدأت ترتسم من جديد حدود "الممكن والصعب والمستحيل" توقعه أو انتظاره من الإسرائيليين ، أقله في ظل التركيبة السياسية والحزبية المتحكمة بمقاليد صنع القرار السياسية والأمني والاستراتيجي في الدولة العبرية.
الممكن: (1) قبول إسرائيل بدولة فلسطينية على معظم أراضي الضفة الغربية وإجراء تبادل للأراضي ، (2) تفكيك بؤر استيطانية ومستوطنات ايديولوجية "مطرفة" ، (3) الانسحاب من أحياء عربية في القدس ، الاعتراف بضرورة إنهاء معاناة اللاجئين الفلسطينيين ، (4) القبول بشكل من أشكال الربط بين الكانتونات الفلسطينية (جسور وأنفاق).
الصعب: (1) الإقرار بمبدأ التكافؤ والتماثل في مساحة ونوعية الأراضي التي سيجري تبادلها ، (2) ترتيب وضعية خاصة بالحرم القدسي "تشعر" الفلسطينيين بالسيادة عليها ، (3) القبول بإعادة رسم مسار الجدار في بعض تقاطعاته المؤذية للسكان الفلسطينيين ، (4) الاعتراف بمسؤولية إسرائيل الجزئية عن اللجوء الفلسطيني ، والقبول بلم شمل بعض الأسر الفلسطينية من لاجئي 48 ، (5) السماح بممر آمن بين الضفة والقطاع.
المستحيل: (1) تفكيك المستوطنات الكبرى أو ما يسمى الكتل الاستيطانية ، (2) التخلي عن السيادة الإسرائيلية بالكاملة على القدس الشرقية والكيلومتر المربع المقدس ، (3) الانسحاب حتى خطوط الرابع من حزيران ، (4) الاعتراف بمسؤولية إسرائيل الكاملة عن الكارثة واللجوء والسماح بعودة كلية أو عودة واسعة نسبيا للاجئين الفلسطينيين إلى مدنهم وقراهم الأصلية ، والمساهمة في صندوق التعويضات الخاص بهم.
التسوية المنتظرة التي تجري صياغة إطارها المرجعي بين في لقاءات عباس - أولمرت تقع حدودها في خانة الممكن والصعب ، أما الخانة الثالثة (المستحيل) فسيجري التحايل عليها بصياغات عامة وفضفاضة ، تتيح لكلا الفريقين القول بأنه حقق ما أراد وتمكنه بالتالي من "بيع" الاتفاق وتسويقه على شعبه وقواه السياسية المختلفة.
نظريا ، بات قيام الدولة الفلسطينية اليوم مصلحة إسرائيلية لمواجهة الديمغرافيا الفلسطينية ، ومساحة هذه الدولة قد تتطابق مع مائة بالمائة من مساحة الضفة الغربية ولكن ليس على 100 بالمائة من أراضيها ، فهناك اقتطاعات لا أحد يدري كم ستبلغ نسبتها سيجري التعويض عنها بأراضي من داخل الخط الأخضر ، لا أحد يعرف مساحتها بالضبط ولا نوعيتها ولا ما إذا كانت مأهولة بعرب 48 أم لا.
أما القدس فإسرائيل أنشأت أمرا واقعا لا تقوى أي حكومة في إسرائيل على تغييره ، بعد أن بلغت سياسات التهويد وغلاف القدس مبلغا عظيما ، لتبقى قضية اللاجئين التي تبدو مسيّجة بخطوط حمراء سميكة أسهمت في تغليظها مختلف ألوان الطيف السياسي والحزبي في إسرائيل.
البرنامج الوطني الفلسطيني قام على ثلاثية حق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ، والحقيقة أن ركنين من هذه الأركان الثلاثة يمكن الزعم بأنهما تحققا في التسوية المنتظرة حتى وإن بقليل من القضم والهضم ، بيد أن الركن الثالث لا يبدو قابلا للتحقق في المدى المرئي ، اللهم إلا إذا خرج علينا من سيجادل بأن الاعتراف بالحق يغني عن ممارسته ، وأن "الحق بالتعويض" إلى جانب الحق بالعودة إلى أراضي الدولة الفلسطينية ، أو البقاء في المكان أو الهجرة إلى بلد ثالث ، يمكن أن تكون صيغا مجسدة لحق العودة ، وفقا لورقة كلينتون ومبادرة جنيف وتفاهمات طابا ، وهذا أمر تدور حوله المفاوضات الحالية ، وبالاستناد على ما يبدو إلى المرجعيات المذكورة والتي لم تخرج مبادرة السلام العربية عنها بالمناسبة.