غول والرئاسة والأسئلة القديمة الجديدة

mainThumb

29-08-2007 12:00 AM

بفوز مرشحه عبدالله غول بمنصب الرئاسة ، يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية التركي قد سيطر على الموقع الرئيسي الثالث في الدولة بعد سيطرته على السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ولتبقى المؤسسة الأمنية والعسكرية خارج سيطرته ، وهذه حتى في الديمقراطيات الكبيرة لا تخضع لسيطرة الأحزاب الحاكمة ، لأنها أكثر رسوخاً منها ، ويمكنها تبعاً لذلك التأثير بشكل قوي على الأحزاب والحكومات المنتخبة إذا ذهبت في اتجاه إحداث تغييرات جوهرية في مسارات راسخة في هياكل الدولة وسياساتها البنيوية.
الفارق بين المؤسسة العسكرية والأمنية في تركيا ونظيرتها في الدول الغربية هو حضورها الخفي شيئاً ما في الغرب ، مع انسجامها مع التراث الجمعي للدولة القومية في تجلياتها الجديدة بعد الحرب العالمية ، مقابل دورها السافر في الحالة التركية ، فضلاً عن تبنيها لعلمنة قسرية مناهضة للدين لا تنسجم مع الوعي الجمعي للشعب التركي. في هذه الأيام ، أعني بعد فوز غول سيتكرر الجدل الذي تابعناه إثر فوز الحزب في الانتخابات قبل أسابيع: بين علمانيين يقولون إن ما يجري لا صلة له البتة بظاهرة الإسلام السياسي العربية ، وأن الحزب قد انتخب على أساس إنجازاته الاقتصادية ، وبين علمانيين آخرين يطالبون الإسلاميين العرب لكي يصبحوا مقبولين بانتهاج سياسات العدالة والتنمية العلمانية في مختلف الميادين ، فيما يذهب بعض الإسلاميين في سياق احتفالهم بالفوز إلى القول إن التجربة "الإسلامية" في تركيا قد نجحت وأن أردوغان وأصحابه إسلاميون أذكياء تمكنوا من الاحتيال على واقعهم الصعب ولن يلبثوا أن يسفروا عن هويتهم الحقيقية.
من حقنا كمؤمنين بهوية هذه الأمة وريادتها أن نفرح بعودة تركيا إلى هويتها من خلال مجموعة من المتدينين ، حتى لو عجزوا عن ترجمة ما يؤمنون به في الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي ما داموا يسيرون في الاتجاه الصحيح ويخدمون شعبهم بشكل جيد ، لا سيما حين يسمحون تالياً بحرية التدين المحاربة في تركيا. وهنا نعيد التأكيد على أن هؤلاء لم ينجحوا فقط بسبب إنجازهم الاقتصادي (لهذا الإنجاز صلة بتدينهم وعدم فسادهم أيضاً) ، بل نجحوا أولاً وقبل كل شيء بسبب خلفيتهم الدينية المنسجمة مع وعي الأتراك في ظل الصحوة الدينية الواسعة ، ونذكّر مرة أخرى بأن الحزب الذي ورثوه قد سبق وحصل على 22 في المئة من أصوات الأتراك منتصف التسعينات قبل أن يتزايد المد الإسلامي على هذا النحو الكبير.
حتى الآن نحن أمام تجربة سياسية لمتدينين في دولة تحارب التدين بمختلف الوسائل ، وهو انتصار كبير من دون شك ، وإذا ما نجحوا خلال الأعوام المقبلة في تكريس مصالحة بين الدين والحياة من دون المس بالحريات العامة ، فإن الوضع سيشير إلى نجاح حقيقي ، والمصالحة التي نتحدث عنها لا تعني النموذج الذي يحذر منه بعض العلمانيين ، وغالباً بسبب موقف مسبق من الإسلام كدين ، وإنما مصالحة مع الذات والهوية ، وإلا فهل يماري أحد بأن بريطانيا أو ألمانيا أو هولندا على سبيل المثال دول مسيحية؟،
لا يعني ذلك أن الرؤى الإسلامية في السياسة والاقتصاد والاجتماع هي محض أوهام ، كما يذهب البعض ، بل هي حقيقة واقعة قد يأتي في تركيا لاحقاً من يتبناها في ظل ديمقراطية حقيقية وينافس بناءً عليها مثل سواه في الانتخابات.
تبقى نقطتان ، الأولى أن ما يجري في تركيا لن يتكرر عربياً في الأمد القريب لأن الحكام لن يسمحوا لأحد بالاقتراب من سلطتهم ، أياً تكن أفكارهم. أما الثانية فهي أن ما جرى إلى الآن لا يعني أن التجربة قد اكتملت ، لأن العسكر ما زالوا واقفين بالباب ، ومن ورائهم دعم خارجي لا تخفيه تصريحات المجاملة والمديح لأردوغان وأصحابه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد