الحج إلى الشمال

mainThumb

13-09-2015 09:41 AM

تحركت في عام 1096 طلائع جيوش الفرنجة الأولى من شمالي فرنسا، كان أغلبهم من الفلاحين الذين مضوا إلى الحرب المقدسة من دون سلاح، وساروا على غير هدى من دون مؤن، فكانوا أشبه بجموع النازحين الهاربين من تسلط الإقطاعيين كما وصفهم أمين معلوف في كتابه الحروب الصليبية كما رآها العرب؛ فقد كانت في قلوبهم لهفة الحصول على الخلاص الأبدي.


وما الذي يجعل من النزوح السوري صوب الشمال مختلفاً؟ فهم يسعون إلى الخلاص من طاغوت جاثم على صدورهم منذ الأبد بالنسبة الى أغلب السوريين إلى الأزل كما تم تلقينهم. ويبدو أن طريق الحج التاريخية إلى فلسطين باتت هي نفسها اليوم طريق السوريين إلى شمال ووسط أوروبا، ولكن الفرق أن جحافل الفرنجة عندما وصلت إلى هنغاريا وبلغاريا واليونان وضفاف نهر الدانوب بدأوا ينهبون ويسلبون البلغار والهنغار واليونان فرفعوا السيوف في وجوه الفرنجة وقاتلوهم بلا رحمة. وفي الحقيقة أن سكان وسط أوروبا قاموا بأخذ رهائن من الفرسان في الحملة الصليبية التي تلتها نحو نهاية القرن الحادي عشر كي تعبر جموع النازحين إلى الشرق من دون مشاكل تحت التهديد بقتل الرهائن اذا اساؤوا التصرف .


لذلك نعتقد أن المعاملة السيئة للسوريين في أوروبا الشرقية، وتحديدا في هنغاريا، نابعة من خوف تاريخي من النازحين المارين عبر أراضيهم، فضلاً عن أن بلادهم كانت مغلقة للأجانب المهاجرين في عصر الأنظمة الشيوعية والبوابات الحديدية فليس سهلاً عليهم اليوم الترحيب بالنازحين كما تفعل ألمانيا والنمسا والسويد والبرازيل وفنزويلا وغيرها من الدول. ولكن أسلوب الردع ما زال ضروريا من حيث اللجوء إلى عقوبات اقتصادية عربية على الدول التي تسيء معاملة السوريين.


أمّا شعوب أمريكا الجنوبية فلها تجربة جيدة مع المهاجرين من العالم العربي وتحديداً أولئك القادمين من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، ومنذ أيام الحكم التركي، فليس هناك من مشكلة اجتماعية أو عوائق أمام انخراط السوريين في تلك المجتمعات التي وصل أهل بلاد الشام فيها إلى أرقى المناصب. أما الشعوب الجرمانية فقد عانت بعد الحرب العالمية الثانية من التشريد في أوروبا فباتوا اليوم يتفهمون جيداً واجبهم الإنساني بعد المعاناة العظيمة التي تعرضوا لها.

أما حال السوريين هنا في الأردن فمختلف، فالأردنيون لم يتعرضوا لهجرات قسرية في عصرهم الحديث، وبالرغم من ذلك فقد استوعب الأردن مليوني سوري بدوافع قومية انطلاقاً من الشعور بالواجب على اعتبار أننا امتداد طبيعي لسوريا الطبيعية، وهو الشعور ذاته الذي جعلنا نحتضن من قبلهم الفلسطينيين والعراقيين وغيرهم. فماذا بعد؟ هل سوف تستمر هجرة السوريين إلى الشمال؟


 من الطبيعي أن يتحرك السوري الموجود في الأردن أو في لبنان أو تركيا صوب الشمال إذا سنحت الفرصة له لأنه لا يمكننا مقارنة مستوى المعيشة أو مستوى الحريات المتوفرة في أي من هذه الدول مقارنة بشمال أوروبا.

وبناءً عليه فإن الغرب عليه أن يدرك أنه إذا لم يسهم في توفير الحماية الكاملة والرعاية الكافية للسوريين في بلادهم في أقرب وقت فإن عشرة ملايين سوري سوف يجدون طريقهم إلى أوروبا في غضون عام أو عامين على أكثر تقدير طالما ظل الاستهتار بأمن المواطنين قائماً على الأرض السورية وطالما ظلت قوات الدولة الإسلامية تسرح وتمرح تحت نظر قوات التحالف وطالما ظلت روسيا وإيران تزج بجيوشها الغازية في المعركة وتطمح في موطئ قدم في سوريا حتى لو لم يتبقى من سوريا سوى القرادحة!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد