رحلة مع الشاعر ابراهيم عمر صعابي - ابراهيم محمود ابو عجمية

mainThumb

05-10-2015 08:57 PM

في زمن تكاثرت فيه النظريات النقدية ولم يعد يلتفت إلى المبدع إلاّ إذا كان تابعا لمدرسة من المدارس أو مذهبا من المذاهب فيعلو قدره أو يبخس بقدر اقترابه أو ابتعاده عن أفكار ناقديه .
 
في مثل هذا الزمن الرديء الذي يحاول فيه بعض النقاد أن يلغوا القيمة الجمالية ،أن يلغوا الأحساس والشعور ، أن يلغوا العاطفة .. أن يلغوا كل ما هو صادق وعذب وأن يشرّحوا النص كما لو كان جثة مهملة ملقاة على طاولة مشرحة في أحد المستشفيات البائسة.. ما لنا ومالهم وما علينا إذا كنّا ننهج في النقد ما تمليه علينا الفطرة السليمة فننتشي حين نجد تعبيرا جميلا ونقطّب حاجبينا إذا ما وقعت عينانا على موطن قبيح .. فلماذا لا أبتهج وأنا أتأمل ما يقوله الشاعر ابراهيم صعابي عندما يصف الحب الذي بينه وبين حبيبته بكلمات بسيطة فيقول: إن الذي بيننا أسمى من الحب ..لا أثر للأفتعال بل عفو الخاطر .
 
وفي قصائد ( عاشق البحر ) تجد كل مفردات الماء حتى فكرت أكثر من مرة وأنا أقرأ له ( حبيبتي والبحر ) أو ( زورق في القلب ) أو ( وقفات على الماء) بأن من يريد قراءة ابراهيم صعابي عليه أن يجلس في زورق فهو يتسلح بالأيمان ويسلك درب الرياح ويضرب بدمه وجه الغيوم ويعلن بكل عزّة في قصيدته الحصار: 
 
وسفينتي
 
من قبل عام لم تقف.
 
ولماذا تقف سفينته وهم :سرقوا مليحته وباعوا وجهها ..ولأنه محاصر بالبحر فلصوت حبيبته دفء الصباح وله نكهة الموج  وصوتها ضوء يسافر في همهمات المطر .. ويبحر في لجة الغيم .. ويتساءل في ألم :
 
ألا ليت السحاب سحاب 
 
ألا ليت هذا المساء مساء
 
ألا ليت هذي الحياة حياه
 
وحين يعترف في قصيدته اعتراف .. يقول بحزن المغلوب على أمره :
 
أختاه معذرة سيفي من الخشب
 
ومركبي ورق قد ملّ من تعب
 
وحين يتلفت حوله ويرى ما آل إليه الحال وما أتت به السنين من مرارة وأحزان يقرر :
 
أختاه معذرة ما عاد معتصم 
 
فينا وكم أنكرتنا عروة النسب
 
ويعمّق وحدته كما لو انه يتلذذ من فرط ألمه وإحساسه بغربته فيقول :
 
وحدي أفقت 
 
وإذ بأوردتي تفتّش عن دمي
 
ويقرر مهزوما :
 
ما أطول الليل الذي لا ينجلي
 
ما أسوأ القيد الذي لا ينكسر
 
وإيغالا في التشاؤم يقول في قصيدته ( خاتمة البوح ) :
 
قد غادر وجهي جسدي
 
بل غادر وجهي وجهي
 
وكقاريء لا أريد من الأخ ابراهيم عمر صعابي الذي يفترش رمال جازان الآن أكثر من هذا فقد حملتني قصائد ديوانه ( من شظايا الماء ) إلى عوالم جميلةممتعة رافقت فيها النوارس بجمالها الأخاذ وخيّمت على الرمال التي لم تدنّس بعد وسافرت وعدت مع الأمواج الضاحكة وحزنت لحزنه وتألمت لألمه وفرحت لفرحه يقول     مخاطبا حبيبته:
 
عيناك أيتها الحبيبة
 
منهما أستلّ سرّتوهجي
 
بهما أرى ما لا يرى
 
شمسا مسافرة وظلآ أخضرا
 
وشواطئا سمرا وبحرا أشقرا ...


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد