الشعب هو احد أعمدة الدولة الاساس , والمبدأ السياسي يقول : انه قد يوجد شعب بلا دولة يسمى في علم الاجتماع A society without a state , او acephalousاي عديم الرأس , ولكن لا توجد دولة بدون شعب حينها تصبح ارض بلا شعب No Man’s Land , وهو الوصف الذي كان يطلقه الصهاينة على الأردن في العهد العثماني , وتحدث عنه الرحالة البريطاني ترسترامTristram في كتابه ارض مؤاب The Land of Moab الذي ترجمته شخصيا الى العربية وصدر في طبعتين , وعندما تجول الرجل بالأردن عام 1872 اعتذر عن هذه المقولة , ووجد ان الأردن يعج بالناس والخيرات والمواشي والصيد والمزروعات والاثار.
فالأردن بلد له اهله وشعبه وهويته وشرعيته وتاريخه وليس وليد حقبة او لحظة، وليس طارئا على التاريخ، وعندما نقرأ التاريخ عبر القرون نجد ان الدول التي احتلت الأردن كالفرس واليونان والرومان والأتراك والانتداب كانت في أواخر عصورها تلجأ الى القتل والقمع والاعتقال والاغتيال والتشريد واهانة الأردنيين وفرض الضرائب الجائرة وضرب الامن الاجتماعي والاقتصادي لدى الأردنيين.
من هنا ظهر المثل الأردني القديم ان قتل الأردني هي بإهانته (اقتلني ولا تهيني)، وعندما تتم اهانته وقتله معا واتهامه بدون دليل مقنع للناس فان ذلك يؤدي الى الحقد ومن ثم الثأر ولو بعد حين، ولا يتوهم قاتل ان ينجو من الثأر ولو بعد أجيال، فهذه ثقافة الأردنيين عبر التاريخ ولا زالت .
فالمقوم والعمود الأساس لأية دولة هم اهل البلاد وهم اهل الشرعية والهوية وملح الوطن الذين لا يتركون بلادهم الا الى القبور، ولا يتوهم الاخرون وهم يتبعون سياسة اغراق الأردن بهجرات من كل من هب ودب لتحويلنا الى اقلية وقتلنا، من خلال تكثير غيرنا واغراقنا بمخرجات الامة العربية على حسابنا، أقول لا يتوهمون ان ذلك سينهي الأردن والاردنيين، ولكنه يخلق تزايد اللحمة بيننا واصرارنا على عكس ما يراد لنا .
وبالتالي فان ما اعتاده الأردنيون عبر التاريخ هو ان الدولة التي ترعاهم يرعونها بأعينهم وارواحهم كما كان شأنهم مع الدولة الأدومية والمؤابية والعمونية والباشانية والنبطية والثمودية والضجعمية / قضاعة، والغسانية / الازد، لذا استمرت هذه الدول قرونا طويلة، ومن ثم الدولة الاموية التي كانت دولة الأردنيين بامتياز، لولا ظهور الدولة العباسية الدموية الحاقدة التي لم تؤمن بالحرية والديموقراطية والقومية العربية ولا بالعنصر العربي.
فالدولة التي تحترم ابناءها وتبقي الغلبة والقرار لهم وللحرية والعدالة والقانون، وتراعي حرمة الانسان وبيته، هي الدولة التي تستمر وتستقر وتزدهر، اما النهج العباسي الدموي القديم العقيم الذي كان سائدا ضدنا قبل 13 قرنا، والذي قام على تدمير الأردنيين وقتلهم وتشتيتهم وتقطيع اوصال الأردن الاموية فانه مرفوض وهو سياسة فاشلة جدا وغريبة على ثقافتنا.
ان الأردنيين هم أبناء الأردن والدولة الأردنية، بنوها وحافظوا عليها ورعوها بكل ما اتاهم الله من القوة والمال والعيال والحال والارواح، وان التعامل معهم لا يجوز ان يقوم على اغتيال الشخصيات الوطنية ورجالات البلاد وأبناء البلاد والتعدي على الفقراء من خلال الإساءة الى الجميع بحجة تبدو إعلاميا قوية ولكنها حجة طرف واحد.
وان ابسط قواعد العدل والوطنية هي ان نسمع حجة الطرفين , فاذا جاء خصم وقد قلعت عينه فلننتظر الخصم الاخر فربما قلعت عيناه , ولكن عندما يتم قتل الطرف الاخر او سجنه ومنعه من التكلم , تغيب الحقيقة معه الى القبر او السجن وحينها نجد الآية الكريمة هي الفيصل : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ ۚ وَادْعُ إِلَىٰ رَبِّكَ ۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدًى مُسْتَقِيمٍ ﴿ 67 ﴾ وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿ 68 ﴾ اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿ 69 ﴾ سورة الحج
وكما تطلب الدولة من الشعب طاعتها فان الشعب يطلب من الدولة الا تقتل ابناءها والا تأكل ابناءها، والا تغتال شخصياتها المحترمة، والا يعتقد الشخص عندما يجلس على الكرسي ان كلامه أصبح الحق والحقيقة وان كلام غيره هو الباطل، فالحقيقة والمعلومة لم تعد ملك شخص او طرف واحد .
الدولة لا يجوز ان تأكل ابناءها وعليها ان تتوقف عن سياسة القمع والقتل وان تعالج قبل ان تعاقب، وان تحاسب اللصوص والفاسدين الذين اوصلوا الجياع الى ما صاروا اليه وما هم فيه وعليه، ولا يمكن تأديب المجتمع او تغييره بين عشية وضحاها، دونما سماع من كرام الناس، فالحكمة ليست حكرا على من يجلس على كرسي المسؤولية، وعندما ينتهي من مهماته ويجلس في بيته يتحول الى انسان يدعو الى الحرية والعدالة والديموقراطية وهي المبادئ التي نحرها من الوريد الى الوريد عندما جلس على الكرسي .
عندما تأكل الدولة ابناءها فإنها ستصاب (ذات لحظة) بالغصة ولن تجد من يقدم لها كوب ماء لتنزلق الغصة ويفتح مجرى التنفس، فالدولة بدون صداقة ومحبة شعبها، تصبح علاقتهما عدائية كل يتربص بالأخر، للانتقام منه في اية لحظة.
ولا تتوهموا على الصمت او تسحيج المنتفعين فانهم اول من ينقلب عندما تتبدل الأرض غير الأرض والناس غير الناس، فالدنيا دولة وتداول: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) ({140} ال عمران
ما يحدث هو سياسة ونهج اكل الدولة لأبنائها، وهي الإجراءات التي تخلق الحقد وستؤدي الى الانفجار والثأر، وان الدولة تحسن صنعا وتنقذ نفسها عند أبنائها الأردنيين، عندما تطيح بقطيع من المسؤولين الفاسدين والعنجهيين، لان ذلك أكثر نفعا لها من ان تقتل مواطنا خارج إطار القانون.