الثورات العمياء هل تبصر النور

mainThumb

27-10-2015 11:30 AM

من المؤسف حقاً أن ابتدأ مقالتي بوصفها عمياء، لأن الجنين أول ما يولد يرى الدنيا بصورة أقرب إلى الضبابية منها إلى النور، وكذلك الثورات؛ قامت تريد الحرية فانطلق في مقدماتها شباب يافعون يحملون حلم الغد الآتي، يريدون الخروج من عنق الزجاجة الذي زجهم به حكام فسده، ومسئولون خونة، تآمروا مذ خرج المحتل ليكونوا وكلاءه بالإنابة، حتى إذا انفجر برميل البارود الشعبي المشحون بجراحات ومظالم وفساد وغياب عدالة اجتماعية وإقصاء للدين الحق عن واقع الحياة، انبرى العديد من المتحولين سياسياً واجتماعياً ليمثلوا دور البطولة بعد انتهاء المعركة، فاختطفوا مشاعل الحرية من أيادي جيل النور الجديد، ليرفعوها بالنيابة ابتداءً ثم بالوصاية ثم بالاغتصاب، حتى إذا استحكموا عليها شردوا من أشعلها، وقتَّلوا من خطط لها، وسجنوا من حاول أن يدعمها أو يزيد من جذوتها...
 
إنها باختصار ثورات العميان، ولست متهجماً بقدر ما أكون مقوماً لمرحلة عبرتها هذه الطفرة الشعورية الممتلئة بالأمل المزهوة فخراً بأننا أبناء أمة عريقة لا يجوز لها أن تبقى رهينة لإملاء الغرب وما يريد الغاصب البغيض....لكن الحياة لا تنتهي والثورات لا تموت، والحرية لا تفتأ تسقي زرعها في كل حين، والنور لا يخبوا مهما حاول العبيد إفشاء الظلام...فقد كان لزاماً على أمة حاول سادتها المأجورين طمس معالم حريتها وسيادتها خلال عقود من الزمن من خلال تجريف الكفاءات العلمية والسياسية وإفناء الزعامات الاجتماعية وتغوير القدرات الاقتصادية، حتى يسود الشعور بالعجز ويمتلئ المواطن بكل معايير الإحباط، أقول لقد كان لزاماً علينا أن نمر في مرحلة التمحيص هذه، لأنه في لحظة اقتسام المكاسب ينبري المنافق والعميل والجبان والكل يريدون أن يأخذوا حصتهم من الكعكة في حين انشغال الثوار الحقيقيون بزراعة بذور الأمل في النفوس التي جفت بسبب سنوات الحكم العجاف لثلة من الأجلاف الذين يسمون أنفسهم اعتباطاً أهل السياسة والحكم...بعد هذه المرحلة التي تنكشف فيها عورات الفنادقيين ورواد المصايف والمنتجعات من ضباع النصب والاحتيال على الشعوب، ستخرج شعوبنا العربية تحديداً لتعلن أنها رأت الطريق وأدركت الحقيقة الكاملة، وأن الثورة قد أبصرت النور ولم تعد مجرد مولود لا زال يمارس مهارة  الإبصار...
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد