الإرهاب وصفة جاهزة .. أما بضاعة رائجة

mainThumb

19-11-2015 01:20 PM

من الغريب المستغرب في هذا الزمان أن الإرهاب الذي عُدَّ في بعض الحقب عملة نادرة في مقابل التعايش والتآلف بين الشعوب والأديان تطاول لينال مساحات شاسعة من الأرض، بل أصبح المنتج الأكثر رواجاً في فاترينات الشاشة الصغيرة ومواقع الشبكة العنكبوتية...فلا تكاد تنتهي من مسرحة حالة من حالاته بانتهاء فصول تأثيرها السحري على الرأي العام، لنشهد من جديد مسرحة حالة أخرى أكثر جدة وبأسلوب أكثر دموية وبشاعة...
 
فمن الطائرة الروسية التي أعلنت داعش ومنذ اللحظات الأولى أنها صاحبة الحظوة في إسقاطها عن طريق صاروخ، والتي اتضح فيما بعد أن سقوطها كان بسبب قنبلة مزروعة على متنها مما تسبب في تهاوي رواية داعش المغلوطة التي تحاول أن تلبس قمصان الشهرة بدون أن تدرك مقاساتها الحقيقية...ثم تفجيرات باريس الأخيرة والتي بدت فيها داعش أكثر دموية وعنجهية لكن برواية متأنية قليلاً ليتسنى لها محاولة تقييف أكمام وقبة الحدث على مقاسها...والمصيبة الكبرى في نهاية كل تصريح لهم جلب مزيد من الأعداء وتحشيد أكبر عدد من القوات الغازية في بلادنا...
 
أما المسئول الغربي فلا يلبث أن يرسم كل استراتيجياته بسرعة فائقة  - تشعرك ولو للحظة أن الأمر دُبر بليل – تقضي بتحريك الجيوش والقطعات العسكرية صوب شرق أوسط متخم بالدمار يوما بعد يوم...ولا تكاد الحكاية تبدأ حتى تنتهي من جديد بفصول من المعاناة التي لا نجد لها حلاً سوى مزيد من المؤتمرات الفاشلة والتفاهمات السمجة التي تسبح فيها المعارضة السياسية من خلالها في ردهات الفنادق بعيداً عن وابل الموت وراجمات القدر التي تستهدف المدنيين العزل فتقتل من تقتل منهم بدون حسيب أو رقيب....
 
وبسرعة أكبر من المعتاد مئات المرات تتحول ساحات اوروبا ومقاهيها السياسية إلى أندية عنصرية تفوح منها رائحة الإقصاء والتهميش لأولئك الذين هجروا بلادهم طلباً للقمة عيشهم، التي وجدوها في أوروبا...تلك البلاد التي استقبلتهم قبل عقود كعمال في مصانعها التي لم تجد العمالة الكافية بسبب العجز الكبير في نسب الشباب الذي قضوا في الحرب العالمية الثانية، فبعد أن بذل الآباء من العرب والمسلمين أعمارهم وهم يبنون بلاد الغرب، فأسسوا لأنفسهم مكاناً في مجتمع غريب عنهم لغة ودينا وثقافة، تجيء مثل هذه الحوادث لتأكد مئات المرات أن استهدافهم ليس إلا مسألة وقت، بل إن غبار سنوات المهجر المتعاقبة عبر عقود لم يمكنهم من تغطية نظرة الغربي في أن يراهم شركاء في الهموم والمصير كما هم شركاء في التنمية، فإحراق المساجد وإهانة المسلمين ونبي المسلمين صلى الله عليه وسلم أبرز أدوات الأفوبيا الغربية ضد المسلمين....والأهم من ذلك هو مصير مجهول للعديد منهم لمجرد شبهة أو وشاية...ومحاكمات قد تستمر لسنوات...
 
ولا بد في نهاية مثل هذه الملحمة القسرية للهجرة وضريبتها التي يدفعها المهاجر بكل أشكالها من عمره وماله وأمنه وأماله، في نهاية ذلك كله نريد أن نسأل: كيف يمكن أن يكون الغرب بريئاً من الإرهاب وهو يجسده بعد كل حادثة؟ حتى في أحايين لم يثبت فيها شيء ضد أحد...وبالفرض أنه ثبت...فهل يعني هذا أن تدين مليار وسبعمائة مليون إنسان حول الكرة الأرضية لأجل حفنة من المهرجين في مليشيا لا نعرف من عبأهم ودربهم ودعمهم!؟...اليوم وبعد كل هذا نريد أن نعرف حتى نتمكن من تصنيف الوقائع وفق أصولها لا وفق ظواهرها..: هل أصبح الإرهاب مجرد وصفة جاهزة تعطى لكل من يريد أن يدخل حرباً بغطاء شعبوي مريض، محكوم بأحلام الاستعمار البغيض العفن؟ أم هل أصبحت السلعة الرائجة لمن يريد أن يبيع سلاحاً ويركب ديوناً على شعب في أرض معينة أن يعتلي صهوة جواد الإرهاب ويعلن أنه يحاربه؟ ....
 
في الحقيقة كل ذلك مطروح للنقاش وقابل للأخذ والرد، لكن الملاحظ في خضم هذه التساؤلات أن الغرب لا يعرف قيمة لأحد إلا لنفسه، لذلك لم تعتذر فرنسا عن وحشيتها مع الجزائريين ولا الماليين ولا الأفارقة، ومع ذلك يتعاطف العالم كله معها. إن معايير الاحترام المتبادل بين الشعوب غير متوفرة في الثقافة الفرنسية الخارجية، بل هي فرانكفونية شكلية تعطي الفرنسي الأصل ميزة على غيره من الأجناس، لأنها حاولت أن تفرنسه ففشلت فلجأت إلى استعباده بألف طريقة وطريقة بل وإعادة احتلاله مرات ومرات...لذا ستبقى الحقيقة ضائعة ما دمنا لا نلمس طرف الخيط ونحن نفكر بحجم هذه الأحداث وتفاعلاتها بعد افتعالها...حيث إنه من الممكن أن تتعامل مع الحادث لكن الأهم أن تتعامل مع المحدث الحقيقي لهذا كله، والذي لا يبرره إلا الطمع في إيجاد مساحة تتناسب وحجم دولة لطالما كانت لاعباً مهماً ترسم سياسة وخريطة أقليم بأكمله في بقعة تدعى المشرق العربي والإسلامي....
 
فهنيئاً لفرنسا نجاحها في كسب تعاطف الشعوب معها ومن أهمها الشعب الفرنسي الذي يرى الآن أن محاربة داعش البشعة هو أولى اولوياتها...لكن لا ينس المواطن العربي أن مصانعهم تعمل وتنتج، وجامعاتهم تبتكر وتطور...أما نحن فقد توقف في بلاد العرب كل شيء، وصارت الإذاعات والمؤسسات الإنتاجية تنتج مادة واحدة يتيمة هي: كيف نحارب الإرهاب....ولم يدر بخلد مسئولي العرب أن الإرهاب ظاهرة سببها غياب العلماء عن القيادة، وغياب الشباب عن الإنتاج بسبب البطالة، وغياب المواطن عن المشاركة في اتخاذ القرار...!!!


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد