«عملية الجرّافة» والتهدئة الشاملة

mainThumb

03-07-2008 12:00 AM

حتى كتابة هذه السطور ، لم يكن واضحا بعد ، ما إذا كان منفذ "عملية الجرّافة" في القدس ، قد فعلها بدافع انتقامي فردي ، وما أكثر الدوافع التي تحرك الفلسطينيين نحو الانتقام ، أم أنه عضو في خلية تتبع فصيلا لم يكشف عن هويته بعد.

لكن وبصرف النظر عن هذه التفاصيل ، فإن عملية الدهس الجماعي التي نفذها فلسطيني في قلب القدس ، تعيد الاعتبار لمطلب التهدئة الشاملة والمتزامنة والمتبادلة ، الذي كانت تصر عليه مختلف القوى الفلسطينية ، وتعارضه إسرائيل الراغبة بالاحتفاظ بيد طليقة في الضفة الغربية.

من منظور اتفاق التهدئة ، لا تعد هذه العملية خرقا للاتفاق أو تجاوزا على التهدئة ، وقد سبق لإسرائيل أن نفذت عمليات اغتيال ودهم واعتقال وتجريف واستيطان في الضفة ، تحت جنح التهدئة وبذريعة أنها لا تشمل الضفة الغربية ، وعندما أطلقت حركة الجهاد صواريخها من غزة ردا على مقتل اثنين من كوادرها في الضفة ، قيل أنه لا يجوز للجهاد أن تفعل ذلك ، فإسرائيل بقتلها كوادر جهادية في الضفة لا تكون قد خرقت اتفاق التهدئة القائم على فلسفة: "غزة أولا".

بنفس المعايير والمكاييل ، يجب أن لا ينظر لهذه العملية ، وبصرف النظر عن الموقف السياسي أو الأخلاقي حيالها ، بأنها خرق للاتفاق الذي توصل إليه الوسيط المصري بعد جهد مضن بين إسرائيل وحماس ، بل يجب أن تعجل هذه العملية في إقناع دوائر صنع القرار في القدس بضرورة شمول الضفة الغربية باتفاق التهدئة ، واختزال الفترة التجريبية الممتدة لأشهر ستة تفصل بين تهدئة غزة وتهدئة الضفة.

عملية القدس ، ومن قبلها مسلسل العمليات الإسرائيلية العدوانية الذي لم يتوقف في الضفة الغربية ، ومحاولات بعض الفصائل "التفلّت" من مقتضيات التهدئة وموجباتها وإقدامها على إطلاق صواريخ ضد مستوطنات الجنوب والنقب ، جميعها مؤشرات دالة على "هشاشة" التهدئة ، وشواهد على قصوره عن تلبية مقتضيات استعادة الاستقرار والهدوء ، ودلائل على وجوب العمل سريها لسد ثغرات هذه الاتفاق ، واليوم قبل غد ، هذا إن كانت هناك نيّة حقيقية لإنجاح التهدئة واستعادة الهدوء.

أما إن كانت إسرائيل ماضية في لعبة شراء الوقت وتقطيعه ، وتوافق على التهدئة على أمل أن تخرق فلسطينيا أو أن تتسبب في تعميق الانقسامات الفلسطينية الداخلية ، أو توسيع شقة الخلاف المصري الفلسطيني ، فإنها لن تقبل بإدراج الضفة في سياق تهدئة غزة ، ولن تتعلم درس الفلسطيني الذي قرر امتطاء الجرّافة بعد أن سدّت عليه مختلف المنافذ والمخارج والمداخل.

أحسب أن آخر ما كان يمكن أن يخطر على بال المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ، هو أن يمتطي فلسطيني صهوة جرّافة ، مؤكد أنها عاثت استيطانا وتجريفا في الأرض الفلسطينية ، لينفذ عملية تتسبب بكل هذه الخسائر ، فمثل هذا "السلاح" لم يؤخذ بنظر الاعتبار عند بناء "الجدار" ولا في ذروة الاعتقالات والمداهمات والملاحقات للكتائب والسرايا والمطاردين والملاحقين.

لا حدود للإجراءات الإسرائيلية الأمنية والعقابية ، الفردية والجماعية ضد الشعب الفلسطيني ، ولا حدود للوسائل والأشكال التي ستخطر على بال الفلسطينيين لتخطي هذه الإجراءات واجتياز تلك العوائق ، وإلى أن يقنع الإسرائيليون بأن لا أمن لهم من دون الأمن للفلسطينيين ، وبأن لا سلام لهم من دون السلام للفلسطينيين ، فإن مسلسل العنف ستتوالى حلقاته ، ونهر الدم سيواصل جريانه./ الدستور/



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد