أدب الاختلاف

mainThumb

11-07-2008 12:00 AM

الاختلاف سنة إلهية في الكون، فقد شاء الله عز وجل أن يخلق الجبال بعضها عالٍ وبعضها منخفض، وبعضها أحمر وبعضها أسود، وبعضها وعر، وبعضها يمتاز بالسهولة، وبعضها جرداء لا خضرة فيها ولا مياه، وبعضها مليء بالخضرة والحياة، وينطبق هذا على الحيوانات، كما ينطبق على النباتات، فالأشجار تكون في أرض واحدة وتسقى بماء واحد، وثمارها مختلفة متباينة، وكذلك البشر، ينطبق عليهم ما ينطبق على بقية المخلوقات من حيث التباين والاختلاف، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، ولكن الله لحكمة محددة خلقهم على هذا النحو.

الاختلاف ليس شراً كله، كما أنه ليس خيراً كله، فالاختلاف بعضه مشروع ومفيد، وبعضه بغيض وغير مشروع، فما كان في الفروع والاجتهادات فهو مطلوب، وما كان في العقائد والأصول فهو مرفوض، وفي العقائد متسع للاختلاف مقبول، كما في العبادات، ولكن الضرر يقع في كيفية التعامل مع الاختلاف وكيفية توجيهه ليكون مفيداً، ولا يكون تنازعاً ولا تنافراً للقلوب.

فالاختلاف في المذاهب الفقهية أمر بدهيّ، أقرته الشريعة وأقرته العقول، فالإمام الشافعي يقول: لقد خرجت من بغداد، وما تركت فيها أحداً أعلم ولا أنقى من أحمد، وقال في ذلك شعراً:

قالوا يزورك أحمد وتزوره قلت المكارم لا تفارق منزلـــــه

إن زارني فبفضله أو زرتــه فلفضله، فالفضل في الحالين له

وقال أحمد عن الشافعي: ما دعوت الله منذ ثلاثين عاماً إلاّ ودعوت للشافعي، فكان الشافعي كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن، فهل عن هذين من غنى .

عندما يكون الإمام أحمد والشافعي وقبلهما أبو حنيفة ومالك، وجعفر الصادق، وزيد بن علي، والليث بن سعد، والأوزاعي، كل له مذهبه وتلاميذه وأتباعه، ويختلفون في الفروع ولكن تسود بينهم المحبة والألفة والاحترام، والتقدير، والثناء، والدعاء، فعلى مثل هؤلاء تتنزل الرحمة، وبمثل هذا التعامل تنتصر الجماعات، وعلى أمثالهم تتآلف القلوب وتلتقي الأفئدة.

وفي مقابل ذلك عندما يتحول الاختلاف إلى نزاع، وتنافر قلوب وتحاسد وتدابر، وغيبة ونميمة، وتشويه واغتيال في وضح النهار، فيكون المصير المحتوم الضعف والتنافر ثم الفشل والهزيمة.

قال تعالى: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ، وقال تعالى: أولمّا أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها، قلتم أنّى هذا، قل هو من عند أنفسكم، إنّ الله على كل شيءٍ قدير .

وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن جعل إعجاب كل ذي رأي برأيه من علامات يوم القيامة، كما هي من قرائن الهلاك والزوال.

وجاء في الحديث: ... حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك .

وفي جو التنازع يتم نسيان قول الله عز وجل: ولا تنسوا الفضل بينكم، إنّ الله بما تعملون بصير .

يقول الأستاذ البنا رحمه الله: والله لا أخشى عليكم الدنيا مجتمعة، ولكن أخشى عليكم أحد اثنين: أن تنسوا الفضل بينكم، أو تنسوا إخوتكم ، فيصبح بأسكم بينكم شديداً .

ولقد أرسى الإسلام قواعد عامة للاختلاف، من أهمها قول الحق ولو على النفس أو الآخرين: يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط، شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين .

وليعلم كل المسلمين، أن الرحمة والسكينة والطمأنينة لا تتنزل على قلوب مختلفة متنافرة، ولا يتنزل النصر على أمة يسودها التنازع والتنابز بالألقاب، ولا يستقر لهم قرار وسيد الموقف الفظاظة والغلظة، والطعن في الدين، ولن يتقدموا خطوة للأمام وعلاقات الأفراد يسودها الشك والارتياب، والتراشق بالاتهام، ولن يأتي الله بالفرج حتى يتغير ما بالأنفس، إنّ الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم. / الراي /



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد