لندرس مسلسل الإصلاح التركي

mainThumb

15-08-2008 12:00 AM

في الوقت التي تبقى فيه عيون وآذان العائلات الأردنية شاخصة نحو الدراما التركية التلفزيونية ، فإن صناع القرار الاقتصادي والتنموي في الأردن يستطيعون أن يتطلعوا أيضا إلى مصدر للإلهام من تركيا. ليس المقصود هنا السيد مهند ورفيقته نور بل الأداء الاقتصادي والتنموي المذهل لحزب العدالة والتنمية بقيادة السيد رجب طيب أردوغان والسيد عبدالله جول في السنوات الأربع الأخيرة بالذات.

معظم التغطية الإعلامية التي نسمعها من تركيا الآن تركز على الضجيج الفارغ للخلاف العلماني - الإسلامي على هوية الدولة ، ونجاة حزب العدالة والتنمية من هجمة قضائية نصبها المدعي العام التركي بحجة مخالفة الحزب للقيم العلمانية. ولكن يكفي الحزب أن كل التصريحات السياسية من دول الاتحاد الأوروبي دعمت وبشدة الإصلاحات الاقتصادية في تركيا وأبدت تخوفها ورفضها لعزل الحزب عن الحكم. ان الشريك الأوروبي اصبح الآن مصرا على التعاون مع حزب العدالة والتنمية ذي التوجهات الإسلامية وليس العسكر من أصحاب سوابق الفساد وعدم الكفاءة.

حزب العدالة والتنمية قدم نموذجا مهما للموافقة بين الحداثة والهوية الإسلامية ، وهو نموذج يمكن تعميمه على كافة الأحزاب الإسلامية العربية لو امتلكت الشجاعة في النقد الذاتي. ان سبب نجاح الحزب في تركيا لم يكن الخطباء والمنظرين - مع جليل الاحترام لدورهم الاجتماعي والثقافي - بل جاء عن طريق المهندسين والأطباء والعلماء والمحامين والتجار وخبراء التنمية والصحة والطاقة والتعليم والصناعة والسياحة الذين قادوا تركيا إلى تجاوز أزمة اقتصادية هائلة في العام 2001 نحو نمو اقتصادي مقرون بتنمية إنسانية.

لقد نهضت تركيا من رماد كارثة اقتصادية جعلت معدل النمو ناقص 5% في العام 2001 إلى 9% حاليا وهي قفزة اقتصادية هائلة ربما لم تحقق مقلها إلا الصين في العقد الماضي. هذه النهضة لم تكن بناء على نظرية "اقتصادية إسلامية" ولا يسارية ولا اعتمدت على دور الدولة بل قامت على ركائز القطاع الخاص والإستثمار الأجنبي والخصخصة ولكن مع الإستناد إلى الصناعة والتجارة والتعليم وليس مجرد بناء العقارات السياحية ومضاربات البورصة والأراضي.الدستور

تراجعت البطالة والتضخم إلى حدود 9 و 8% فقط ولم تصل إلى خانة العشرات منذ ثلاث سنوات تقريبا وبالتالي حققت نجاحا عجزت عنه معظم دول العالم حتى الصناعية منها. ولكن ربما كان أحد أهم عناصر النجاح التركي هي عدم التسامح أبدا مع مظاهر الفساد وشن حرب متواصلة ضد شبكات الفساد التي ارتبطت بالإدارة العسكرية السابقة ، وهذا من الأسباب التي جعلت ثقة الشارع التركي كبيرة بقيادته الاقتصادية حتى لو كان هناك خلاف فكري في مسائل الدين والدولة والثقافة الاجتماعية.

إنفاق القطاع العام في تركيا لم يزداد مع الإصلاح ، بل يعتبر إنفاقا قليلا نسبيا عندما يصل إلى %37 من الإتفاق العام مقارنة بنسبة إنفاق عام تصل إلى %55 في الأردن وهذا يعني تحميل المزيد من المسؤولية التنموية إلى القطاع الخاص التركي والذي تحملها بإرادة تثير الإعجاب. لقد زادت نسبة الإنتاجية الصناعية في تركيا %10 في العام الماضي وأصبحت قادرة على منافسة الصناعات الأوروبية في كثير من المنتجات.

هذا الإصلاح الاقتصادي ترافق أيضا مع تطور كبير في سياق حقوق الإنسان والحريات السياسية الديمقراطية إلى مستويات متقاربة مع دول أوروبا الغربية وأحيانا تتجاوز ما حققته دول أوربا الشرقية ، وهي متطلبات مهمة للإنضمام إلى الاتحاد الأوروبي وقد استفاد المجتمع التركي وبناؤه السياسي كثيرا من هذه المتطلبات الديمقراطية التي حققها حزب العدالة والتنمية.

هناك الكثير مما يمكن تعلمه من تجربة الإصلاح التركية وكذلك التجربة الماليزية ، فهما أقرب إلى ثقافتنا من تجارب الإصلاح الاقتصادي الأخرى التي يتم الاقتداء بها مثل سنغافورة والتي تحولت إلى مول تجاري أكثر منها دولة ، ولكن في ماليزيا وتركيا فإن الإصلاح ركز على الإنسان لا على المال ولا العمران.

batir@nets.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد