الملك يكسر عزلة العراق عربياً تأسيساً لمرحلة جديدة

mainThumb

16-08-2008 12:00 AM

 سجلت الديبلوماسية الأردنية من خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين لبغداد الأسبوع الماضي سبقاً تمثل في انه كان أول زعيم عربي يكسر حاجز العزلة مع العراق والتردد حيالها، وهو ما يسمح له بتحرك أكثر فاعلية يتعدى النتائج الإيجابية للبعد الثنائي إلى الأفق العربي الأرحب.

هذه الزيارة، ولّدت ارتياحاً داخل الأوساط السياسية الأردنية، وأرست اعتقاداً بأن السياسة الخارجية الأردنية متجهة إلى إحداث توازن حقيقي في علاقاتها الخارجية، بعد سلسلة من الإخفاقات، خصوصا أنها تزامنت مع الانفتاح الذي باشره مدير المخابرات الفريق محمد الذهبي مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

وعلى رغم أن تحرك عمان حيال بغداد توافق مع الرغبة الأميركية في ضرورة انفتاح الدول المجاورة للعراق عليه، إلا أن الانفتاح على "حماس" يتعارض كليا مع رغبة واشنطن، مما يعني في الحصيلة، كما يرى رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الدكتور محمد أبو هديب، أن الأردن بات يتحرك خارجيا بوحي من مصالحه العليا وليس وفقا لإملاءات خارجية.

ويضاف إلى هذا الزخم السياسي زيارة وزير الخارجية صلاح البشير المزمعة لبيروت اليوم.

ويمكن تصنيف زيارة بغداد بأنها كانت سياسية بامتياز، علماً أن اللقاءات ناقشت ملفات أخرى. وقد اعتبرها أبو هديب "خطوة استراتيجية وليست تكتيكية، تؤسس لمرحلة تعتقد عمان أنها في غاية الأهمية، إن على صعيد العلاقات الثنائية، وتحديدا الاقتصادية، أو على صعيد التضامن العربي الذي يتمثل في "السعي لإعادة العراق إلى البيت العربي".

وقال إن الزيارة "فتحت الباب واسعا لدور أردني أكثر فاعلية في تطبيع العلاقات العربية - العراقية"، خصوصا بعدما ثبت أن سياسة المحاور لم تجد نفعا، بعد فشل المراهنة على الموقف الأميركي من قضايا المنطقة. ولاحظ أن الزيارة حققت نتائج مهمة، أبرزها أن الملك "أعطى إشارة قوية إلى الدول العربية لتكون فاعلة على الساحة العراقية وألا تتركها رهينة لتجاذبات القوى الإقليمية والدولية مثل إيران والولايات المتحدة".

وفي هذا المجال أكدت مصادر ديبلوماسية عربية في عمان أن الدول العربية لا تريد ترحيل الملفات في انتظار نتائج الانتخابات، وانما تريد تهيئة المسرح في المنطقة ما أمكن بما يتوافق مع مصلحتها.

وشدد أبو هديب على أن ما حدث في السياسة الخارجية الأردنية أخيرا بقيادة الملك يبرهن ديناميكيتها وقدرتها على ترجمة "فن الممكن".

اما بالنسبة الى العراق، فان بغداد، التي بدأت تستعيد توازنها السياسي والأمني، استفادت من هذه الزيارة وباتت فرصها أكبر في التواصل مع محيطها العربي، في انتظار ما ستسفر عنه الوساطة الأردنية بينها وبين السعودية.

وبغداد تعلم جيداً أن عمان تتمتع بعلاقات ممتازة مع عدد كبير من الشخصيات العراقية، والسنية تحديداً، أكان المقيمون منهم في المملكة، وهؤلاء بينهم أعداد كبيرة من الضباط السابقين في الجيش العراقي المنحل وقيادات البعث والنواب، أو زعماء العشائر السنية غرب العراق، وهم جميعا يشكلون ثقلاً في إنجاح العملية السياسية والمصالحة الوطنية.

وبذلت عمان جهوداً كبيرة خلال السنتين الماضيتين في التشبيك بين هؤلاء والحكومة المركزية في بغداد، مما ساهم في تدعيم عملية المصالحة وتحجيم خطر تنظيم "القاعدة" وحرمانه دعم العشائر السنية في الأنبار والرمادي.

ويرى مراقبون أن الزيارة دعمت موقف حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي داخليا وأعطتها دفعا جديدا للمضي قدما في سياسة المصالحة، خصوصا مع القوى السنية التي تربطها بالملك والأردن علاقات وثيقة.

وفي هذا يشير أبو هديب إلى أن الملك أرسل من خلال الزيارة رسالة قوية إلى الشعب العراقي والقيادة السياسية بأنهم "ليسوا وحدهم الآن" خصوصا بعد الانفراجات في ملفات كثيرة مثل الوضع الأمني والمصالحة والحكومة الوطنية، وأن الأردن "يدعم بقوة العملية السياسية ومهتم كذلك بوحدة أراضي العراق (...) إضافة إلى أنه يقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف العراقية".

وفي ما يتعلق بالنتائج الأمنية، فان البعد الأمني في الزيارة أخذ حيزا مهما، فالملك اصطحب معه،إلى شقيقه الأمير علي بن الحسين ورئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي ووزير الخارجية، مدير المخابرات الذهبي.

والملف الأمني يتركز أساسا على توثيق التعاون الاستخباري بمكافحة الإرهاب وخصوصا تنظيم "القاعدة"، وكذلك أوضاع العراقيين المقيمين في الأردن، الذين يشكلون عبئا اقتصاديا وأمنيا على كاهل المملكة.

وعلى الصعيد الاقتصادي، فان إحدى النتائج المنظورة تمثلت في تشديد الملك على ضرورة تفعيل عمل اللجان الثنائية التي اتفق على تأليفها سابقا لبحث الأمور العالقة وتوطيد العلاقات، وهو ما يؤكد مسؤولون أردنيون أنه سيشهد زخما قبل نهاية السنة، وتحديدا ما يتعلق منها باتفاق تزويد الأردن النفط العراقي بسعر تفضيلي أقل بـ22 دولاراً من السعر العالمي للبرميل.

وعانى الاقتصاد الأردني بشدة من ارتفاع أسعار النفط خلال الاشهر العشرة الماضية، كما أن نسبة الطلب على الطاقة الأولية ارتفعت بنحو 5،5 في المئة. وتوقعت وزارة الطاقة أن "يصل الطلب سنة 2020 إلى نحو 15 مليون طن نفطاً في مقابل 6،7 ملايين طن العام الماضي".

وعمد الأردن إلى زيادة أسعار المشتقات النفطية اكثر من مرة منذ الغزو الاميركي للعراق في 2003 لتقليص عجز موازنته إلى أن تمكن من تحريرها نهائيا مطلع السنة الجارية وربطها بالأسعار العالمية.

وكذلك منح الشركات الأردنية أفضلية في صفقات إعادة البناء وتوريد البضائع إلى العراق ومسألة الديون المتبادلة بين البلدين، وهذا كله يخفف جزئيا الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تستحكم بالأردن منذ بداية السنة.

ويرى مراقبون أن العلاقة بين البلدين مرشحة لمزيد من التحسن والتطور، على قاعدة المصالح العليا لكلا البلدين وكذلك المصلحة القومية، وان الايام المقبلة ستؤكد هذه الفرضية./النهار



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد