أوجه الشبه والإختلاف في بلدان الربيع العربي

mainThumb

24-01-2016 11:15 AM

من بداهة القول بأن هناك نقاط تشابه واختلاف بين مسببات ومألات تلك الثورات التي ‏وأدت في مهدها وأجهضت من قوى داخلية وإقليمية ، وليس هذا من قبيل الإقرار بنظرية ‏المؤامرات التي دأب العرب على تعليق قضايا هم على هذه الشماعة وكما يقال ‏‏(الاسطوانة المشروخة ) ، ومن هنا فأي مراقب ومحلل سياسي لاشك سيرى بالفعل ‏أموراً متشابهات بين تلك المحطات ولاسيما في ما يتعلق الأمر بخاصيتين أفرزت ‏لتكريس الاهتمام المحلي والدولي بها وهي مفردة (الإرهاب) وكذا (الطائفية).‏
يُجمع بلدان الربيع العربي بما فيها العراق أن الإشكال بدلاً من معالجة الخلل في علاقة ‏النظام بشعبه إلى قضية إرهاب بخلفية طائفية صارخة ، ففي الوقت الذي تقصف وتفجر ‏بيوت في اليمن من مكون جهوياً وطائفياً ضد خصومهم في مناطق وطائفة أخرى ، نفس ‏السيناريو في العراق فمحافظة ديالى (شمال شرق بغداد) لإيران ذات ديموغرافية سكانية ‏مختلطة يراد لها ان تتحول الى طائفياً ليتجانس مع سلطة الأمر الواقع في بغداد فيتم تهجير ‏عوائل من المكون لآخر كما عملوا في بغداد ..‏
 
من ضمن مفارقات الربيع العربي في نسخته اليمنية بأن النظام السابق لازال في الواجهة ‏بلعب دورا سياسيا فاعلاً في حين أنصار النظام السابق في ليبيا خلف القضبان او قضوا ‏نحبهم ، ناهيك على ان الحالة اليمنية  نتفوق على ليبيا في بعض التفاصيل فالنظام عمليا ‏لم يسقط حسب ما عرف بالتسوية التي عرفت بالمبادرة الخليجية ، وقد يستغرب المتابع ‏غير اللبيب بأن المشهد السياسي يغوص بالمتناقضات منها وجود رئيسين فعليين خلال ‏الفترة السابقة في آن واحد فكيف يجتمع سيفان في غمد واحد !‏
 
وفي جزئية أخرى لمعالجات في غير محلها توجه هذه الدول لحلولاً فدرالية بعد تجارب ‏مريرة للمركزية المطلقة فقد تحول مسار وهدف الربيع العربي من إشكال في العلاقة بين ‏الحاكم والمحكوم إلى التوجه للفدراليات ، بني غازي في ليبيا ، والمحافظات الجنوبية في ‏اليمن ، لم تكن شعوب هذه الدول التي ثارت من اجل الفساد والظلم والاستبداد ، للتحول إلى ‏إشكال بين الشعب والأرض ، فما ذنب الوطن يُقسم بسكاكين السياسة !‏
 
من ضمن العبارات المتشابهه التي يتناولها الإعلام يومياً:‏
 
لم يعترف المجتمع الدولي في ليبيا بحكومة طرابلس ، لكنه يعترف ويدعم الحكومة الشرعية ‏في بني غازي وهو الأمر نفسه تماماً في اليمن .‏
 
في اليمن تحاصر تعز وتجوع تماما كسوريا تحاصر (مضايا) وتجوع وفي كلا الحالتين ‏يقف المجتمع اللبيب !الدولي في موقف المتفرج اللبيب !‏
 
في العراق سلمت نينوى الموصل للقاعدة في عهد المالكي أي ولا زالت الدولة العميقة تفعل ‏فعلها فرئيس حزب الدعوة الذي رئيس الوزراء الحالي (العبادي) يرأسه (المالكي) تماما ‏كزعيمنا ، بمعنى رئيس الحزب الحاكم في العراق واليمن لازال فاعلاً رغم تواريه الشكلي ‏من الحكم ، وفي اليمن سلمت سلطات الدولة العميقة بعد ثورة 2011 محافظات جنوبية ‏للقاعدة ، والرئيس هادي في حزب يرأسه من يفترض ان الثورة قامت ضد..!‏
 
تحرير الأنبار من (داعش) استعصى على حكومة بغداد رغم دعم إيران ودول عربية ‏وأمريكا وروسيا وأكثر من عشر دول ف حلف الأطلسي تماما كما تأخر حسم تحرير تعز ..‏
 
وعند رصد الجانب السياسي والتفاوضي ففي سوريا تم تأجيل جنيف 3 ، وهو الأمر نفسه ‏في اليمن فقد تأجل جنيف 3 أيضاً !‏
 
مألات متشابهة لان المخرج واحد في بلدان الربيع العربي سواء الإقليمي ( إيران ‏والسعودية) او المخرج الإقليمي مع خصوصيات لكل بلد فمثلا اليمن ليس سوريا لان ‏الشرعية تحظى بدعم دولي ، وليس هناك طيران للانقلابيين كي يقصف شعبه بالبراميل ‏المتفجرة ‏
 
لقد زاد الأمر تعقيد في الحالة اليمنية وأضفى عليها خصوصية يمنية هو تحالف من كان ‏يفترض أن الثورة قامت ضد وخرج بحصانة يحلم بها أي دكتاتور عربي مع ميليشا الحوثي ‏التًي بإسقاطها العاصمة صنعاء والاستقواء بمقدرات الدولة بسياسة الغلبة وفرض أمراً ‏واقعاً كان ذلك خروجا عن الإجماع  وكانت كل تلك التراكمات منذ بداية الإطاحة بالرئيس ‏السابق والتناقضات وهوس والصراع على السلطة الذي تداخل بداهة بتربص قوى إقليمية ‏خارجية (ايران والسعودية ) كل ذلك كان مجرد تهيئة المشهد اليمني لجولة عنيفة من ‏الصراع الداخلي مسنوداً بطموحات وإستراتيجية إقليمية ، كانت الظروف والمسوغات كفيلة ‏لاندلاع حرب ضروس وبحاجة فقط لعود ثقاب يشعل كل تلك التناقضات والتداخلات ‏وكانت ميليشيا الحوثي هو عود الكبريت التي فتحت ابواب جهنم على اليمنيين ، ومن هنا ‏فالعدوان الحاصل على اليمن هو نتيجة وليس سبب ، أي تحصيل حاصل لكل ماحدث ‏خلال الخمس سنوات السابقة بدليل ان ضرب عدن وقصفها بالطيران كان قبل عاصفة ‏العجز للتحالف العربي بقيادة السعودية .‏
 
لم يسلم من عاصفة الربيع العربي سواء تونس (رغم بعض المنغصات) واعتقد ليس ذلك ‏فقط لأنها انطلاقة الربيع العربي بل ولان الشعب في تونس وبالنظر للموروث التاريخي ‏والحضاري والموقع الجغرافي فقد تأثرت النخُب السياسية فيها بالقيم الغربية والرؤية ‏‏(العلمانية) والتي تظل هذه القيم في بعض بلدان المشرق العربي كفر وزندقة ، ففي ‏جمهوريات العسكر العربية لم نشهد سوى سلسلة من الانقلابات وهوس السلطة وإقصاء ‏الآخر ترافق ذلك بنمو الأفكار والروي الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي وقد كان ‏لبعض قيادات تلك الدول دورا في تفكيك البنية الاجتماعية وعدم تجانس تلك المجتمعات ‏بسياسة فرق تسد كما حدث في اليمن .‏
 
 
‏* كاتب ودبلوماسي يمني


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد