أبناء قطاع غزة وشماعة الوطن البديل

mainThumb

27-01-2016 08:58 PM

غادرنا فلسطين مكرهين وغادروا مثلنا  ، عبرنا الجسر وكانوا ‏شركاؤنا  في العبور ، أقيم لنا مخيم طوارئ في جرش وأقيم لهم ‏مخيم مثله ، درسنا في مدارس وكالة الغوث وكان المقعد ‏الدراسي مشتركا بيننا وبينهم ، انتقلنا للمرحلة الثانوية وانتقلوا ‏معنا ولكن هنا ابتدأت الحكاية لدي طبعا حيث بدأت أتساءل ما ‏الفرق بيني وبين ابن مخيم غزة لماذا يدفع ثمن الكتب المدرسية ‏وأنا أحصل عليها مجانا ، شعرت لحظتها بأن أبناء مخيم غزة ‏وكأنهم جاءوا من فلسطين مختلفة عن فلسطيننا نحن !! ‏

 
 
سقت هذه المقدمة لأخوض في موضوع يؤرقني منذ زمن وكنت ‏ألاحظ وكأن الخوض فيه أصبح من المحرمات ، وما دفعني ‏بقوة للخوض فيه ، هو الجانب الإنساني المغيب عن واقع حياة ‏هذه الشريحة من المجتمع الأردني ، فقبل قرابة الثلاثة أيام ‏ذهبت للعلاج في مستشفى جرش الحكومي ، ولحسن حظي أو ‏لسوئه لا أدري أيهما أنسب لفت نظري أحد المواطنين لاحظت ‏أنه يبحث عمن يدله للحصول على  تقرير طبي أو شيء من هذا ‏القبيل ، وكعادتي دفعني الفضول لأسأله ما بك يا أخي ما الأمر ‏؟ وجاءت الصاعقة عندما انفجر قائلا زوجتي دخلت المستشفى ‏للولادة ومكثت فيه مدة يومين فقط ، والآن المستشفى يطالبني ‏بما يقارب الخمسمائة دينار بدل هذين اليومين ، وأنا أريد تقريرا ‏بحالتها لأبحث عمن يتوسط لي للحصول على إعفاء ،  تعجبت ‏وقلت له لماذا خمسمائة دينار ؟  فأجابني أنا من مخيم غزة ، هنا ‏عادت ذاكرتي بي للوراء وتذكرت زميلي في الثانوية الذي كان ‏يدفع ثمن الكتب المدرسية ، حاولت أن أجد تفسيرا لما الاختلاف ‏بيني وبينه في المعاملة لدى الدوائر الرسمية ، فلم أجد شيئا ‏سوى الإجابة العقيمة وهي أنه من أبناء قطاع غزة ، وأنه لا ‏يحمل رقما وطنيا ، وأنه لا يعتبر أردنيا لذلك يعامل معاملة أي ‏إنسان أجنبي يدخل الأردن ، رغم علمي بأن بعض الأجانب ‏والوافدين يحصلون على حقوقا أكثر مما يحصل عليه هذا ‏الإنسان الذي عاش على أرض الأردن منذ قرابة الخمسين عاما ‏بل أن غالبية أبناء قطاع غزة الذين هم من جيلي ولدوا ‏وترعرعوا في الأردن .‏
 
حاولت أن أهضم الأمر على مضض ولكني لم أستطع ، ‏فالمساواة والعدالة وقوانين حقوق الإنسان وقيمنا الإسلامية ‏وحتى عاداتنا العربية الأصيلة  كلها لن تشفع عند الله لمن قرر ‏أو ساهم في بقاء حال أبناء قطاع غزة في الأردن على ما هو ‏عليه الآن من ظلم وشظف معيشة لا يقرها أي تشريع سماوي ‏ولا حتى دنيوي  .‏
 
يتشدق البعض بحجة الوطن البديل ، وأن أي تغيير على حال ‏هذه الشريحة سيصب في خانة التوطين  !.‏
 
عجبي لكم تتحدثون عن التوطين والتوطين حاصل على أرض ‏الواقع فأنا والكثير غيري كما أسلفت عبرنا الجسر سويا مع أبناء ‏القطاع ومع ذلك فأنا احمل جواز سفر أردني ورقما وطنيا رغم ‏أنني جئت من ارض فلسطين مثله فلماذا هو يحرم منها ، يأتي ‏البعض ليقول أنهم كانوا يتبعون لمصر في قطاع غزة قبل ‏الاحتلال الصهيوني ونحن كنا نتبع للأردن في الضفة الغربية  ‏حينها ، حسنا ولكنهم دخلوا الأردن بطريقة قانونية ولم يدخلوها ‏عنوة ، وقد حاولت أن أجد لحالتهم شبيها في العالم لكني لم أجد ‏إلا ربما البدون في إحدى الدول الخليجية ورغم ذلك فحال ‏البدون أفضل قليلا منهم ، شردت بذهني قليلا متأملا ما يحدث ‏لهذا العالم فوجدت أن أي دولة في العالم إذا دخل إلى أراضيها ‏إنسان وعاش فيها ربما ربع هذه المدة يحصل على حق المواطنة ‏والإقامة فيها ، حتى الولايات المتحدة الأمريكية والتي هي سبب ‏كل ما حل فينا من نكبات ومصائب تعطي من يعيش فيها مدة ‏زمنية لا تذكر قياسا بمدة إقامة أبناء القطاع في الأردن تعطيه ‏الجنسية أو على الأقل الإقامة الدائمة بما تشمله من امتيازات ‏وحقوق .‏
 
أعود للوهم الذي نعيشه وهو الوطن البديل وأتساءل مرة أخرى ‏هل منح أبناء القطاع حق العلاج مثل لاجئي الضفة يسمى ‏توطينا ؟ هل السماح لهم بالتعلم وبالتنافس على مقاعد الجامعات ‏يسمى توطينا ؟ وهل معاملتهم في الجامعات مثل الأجانب بحيث ‏يدرسوا على نظام البرنامج الدولي ويدفعوا رسومهم بالدولار ‏مثلهم كمثل أبناء الخليج العربي مع فارق الدخل الشاسع بينهم ‏هل هذا سيبعد شبح التوطين ؟ .‏
 
الممنوعات لا بل المحرمات على أبناء القطاع كثيرة جدا ‏وبعضها مضحك لا تقبله حتى عقول أطفالنا الصغار ، ولكن ‏سأحدثكم عن بعض منها لعل الكثير ممن لم يسمعوا بها يدركون ‏واقعهم المؤلم وحياتهم التي هي اقرب للجحيم في بعض ‏تفاصيلها : فابن قطاع غزة في الأردن ممنوع من الحصول على ‏رخصة قيادة مركبة عمومية ! وحتى رخصة القيادة الخصوصية ‏رسومها أعلى بكثير مما يفرض على الأردني !  ممنوع من حق ‏امتلاك المنزل الذي تعب وكد طوال حياته للحصول عليه ! ‏ممنوع من تسجيل أي مشروع تجاري باسمه مهما كان بسيطا ! ‏ممنوع من اقتناء سيارة تعمل على الديزل ! يمنع ألمولود من ‏الحصول على الجواز المؤقت أسوة بوالده  إذا كانت والدته من ‏غزة ! أي أنه يتبع لوالدته وليس لوالده بالمقابل نرى العكس ‏حين يتعلق الأمر بمولود لام أردنية متزوجة من احد أبناء قطاع ‏غزة بحيث يصبح المولود تابعا لوالده ولا يحصل على أي مزايا  ‏كون والدته تحمل رقما وطنيا ! تناقض ما بعده تناقض ! يمنع ‏المتعلمين منهم من العمل أو الحصول على رخص مزاولة للمهن ‏التي افنوا شبابهم وهم يكافحون لتعلمها  !  للعلم هذه المهن كثيرة ‏وبعضها يحتاجه سوق العمل الأردني ، فأنا اعرف طبيب أسنان ‏من أبناء القطاع يجلس يوميا أمام شهادته ويلعن اليوم الذي فكر ‏فيه بدراسة الطب ! ولدي مثال حي أيضا على هذا الأمر ‏فزميلي الذي درس معي وتخرج مثلي معلما للتربية الخاصة قبل ‏ثلاثون عاما ما زال يجلس بدون عمل ، لدرجة أنه أحيانا  ينسي ‏أنه تخرج معلما لهذه الفئة التي كان خريجيها ندرة في ‏التسعينيات من القرن الماضي ، وحتى لا أظلم المشرع فقد سمح ‏حديثا لبعض التخصصات التي يحتاجها سوق العمل بحق العمل ‏وخاصة الطبية منها كالتمريض والمختبرات مثلا ولكنهم ‏يحتاجون إلى رخصة مزاولة وهذه تحتاج إلى موافقات من ‏الداخلية ومن الجهات الأمنية تطول مدة الحصول عليها وغالبا ‏يواجهون برفض طلب المزاولة بدون سبب!.‏
 
‏ وأخيرا تفضل عليهم رئيس الوزراء بقرار جائر وهو منع ‏عملهم في القطاع الخاص إلا بعد الحصول على تصريح عمل ‏وما رافق هذا القرار من أمور مبهمة حيث قيل أنهم يعفون من ‏رسوم التصريح كونهم يعتبرون من رعايا الدولة الأردنية ! هذا ‏الأمر أنا لم أستوعبه حتى الآن ، ومع ذلك فان  الصعوبة تكمن ‏في الحصول على التصريح حيث أن طلب الحصول عليه يحتاج ‏موافقات لعدة دوائر كما قلت سابقا وفي النهاية ترفض غالبية ‏الطلبات المقدمة بدون سبب واضح ، علما بأن غالبية الأعمال ‏في القطاع الخاص مغلقة أمامهم باستثناء بعض الأعمال الهزيلة ‏والتي يعزف الأردني عن العمل بها  مثل قطاع الإنشاءات ‏ومعاطات الدجاج .‏
 
قائمة الممنوعات تطول ولكن في الواقع إذا نظرنا لوضعهم ‏الحالي نراه أصبح كوضع الوافدين على الأردن من الدول ‏العربية الأخرى مثل مصر والعراق وسوريا ، وأحيانا تجد ‏وضع الوافد ربما أفضل كونه جاء بمفرده دون أسرته لذلك ‏يستطيع تدبر أموره بطريقة أو بأخرى وإذا لم يستطع فإنه يعود ‏إلى بلده ، بينما ابن القطاع مجبر على البقاء هنا هو وأسرته ‏ويترتب عليه متطلبات كثيرة مثل أي أسرة أردنية ، فكيف ‏يستطيع تدبر أموره في ظل كل هذه الممنوعات ، ولو فكر ‏بالعودة إلى بلده فهو ممنوع أيضا وكلنا نعلم هذا .‏
 
لن أطيل عليكم  ولكن الأمر يفرض علي أن أتطرق إلى نقطة لا ‏ادري مدى صحتها يتشدق بها البعض وهي أن سوء وضع أبناء ‏القطاع الحالي هو نتيجة قرار ومطلب سياسي صادر من السلطة ‏الفلسطينية في رام الله منعا لتوطينهم في الأردن ، كم أتمنى أن ‏يكون هذا الكلام حلما أو كابوسا مزعجا لأنه أن صح فهذا يعتبر ‏بنظري تدخل في السيادة الأردنية على أرضها وعلى رعاياها ، ‏فمنذ متى كانت السلطة الفلسطينية تعبأ  بهذه الشريحة وماذا ‏قدمت لهم غير بضعة مقاعد للدراسة في الجامعات وإذا ‏افترضنا جدلا أنها أي السلطة الفلسطينية مهتمة بهم وحريصة ‏عليهم وقادرة على فعل شيء لهم فلتعيدهم إلى وطنهم إن ‏استطاعت ! أو على الأقل فلتتحمل جزءا من المسؤولية تجاه ‏متطلباتهم من ناحية المعيشة والصحة والعمل والتعليم وغيرها ‏من المصاعب التي يواجهونها يوميا ، وخاصة بعد أن بدأت ‏وكالة الغوث الدولية بتقليص خدماتها تدريجيا لهذه الشريحة من ‏المجتمع في الأردن وهذا الأمر يعلمه الجميع ، أما وحسب ما ‏نراه من عدم قدرة السلطة على تأمين هذه المتطلبات لمن يعيش ‏في الأراضي المحتلة من فلسطين والتي تزعم أنها تسيطر عليها ‏فعليها أن تقف إلى جانبهم في الحصول على هذه الحقوق المدنية ‏والإنسانية أو لتصمت .‏
 
إذا في النهاية يتحتم على الدولة أن تنظر للجانب الإنساني لهذه ‏الشريحة من المجتمع  وتصرف النظر عن الجانب السياسي ، ‏فهم لا يريدون دخول الحياة السياسية ولا يريدون رقما وطنيا ‏والذي أصبح أشبه بصك الغفران بنظرهم ، وهم لا يريدون أي ‏مكاسب قد تثير مخاوف من يفكر بالوطن البديل ، هم فقط ‏يريدون حقوقا مدنية تسمح لهم بالعيش الكريم كباقي أبناء هذا ‏الوطن ، فبدون هذه الحقوق مثل التعليم ، والعلاج ، والعمل ‏وغيرها من أبجديات الحياة الكريمة ، كيف سيكون حالهم بعد ‏حين؟ وماذا سنستفيد نحن كدولة أردنية ؟ بل لنكون صادقين ‏ونقول ماذا سنخسر ؟  نعم ماذا سنخسر وهذا هو الأهم صدقوني ‏لأننا سنخسر كثيرا فنحن  نساهم بخلق أجيال لا فائدة منها بل ‏ستكون عبئا على كاهل هذا الوطن ، لننظر للأمر من الجانبين ‏الايجابي والسلبي سنجد أننا لن نجني بدون هذه الحقوق الإنسانية ‏إلا جيلا جاهلا متعصبا حاقدا لا يبالي ولا يهتم لما يدور حوله ، ‏فهل هذا ما نريد ، إنها مأساة بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، ‏وأنا لا أعتقد أننا في الأردن نريد أن نصل إلى هذه المأساة  !!  ‏‏.‏
 
والأمر ليس معقدا بنظري فبالإمكان تعديل بعض القوانين في ‏سبيل إعطاء هذه الشريحة حقوقها المدنية والإنسانية ، فالقوانين ‏والدساتير ليست آيات من القرآن لا يمسها التغيير وكلنا نتذكر ‏كيف عدلت القوانين  في أكثر من مناسبة كان أبرزها قانون فك ‏الارتباط بين الضفتين رغم ما ترتب عليه من بعض التبعات ‏التي أضرت بشريحة من المواطنين الأردنيين ومع ذلك أقر ، ‏أتمنى من الله أن يحطم هذا المصطلح المسمى بالوطن البديل أو ‏التوطين لأنه بات شماعة تعلق عليها جميع الأخطاء السابقة وكل ‏جوانب القصور في القوانين والأنظمة والتشريعات ، وأن يدرك ‏الجميع بأن الأردني من أصل فلسطيني سواء كان من الضفة أو ‏من القطاع لن يتنازل قيد أنملة عن حقه في العودة إلى فلسطين ‏التاريخية من بحرها إلى نهرها .‏
 
majeduothman@yahoo.com


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد