يمن خوش حال

mainThumb

10-02-2016 11:47 AM

غداة الربيع العربي وبداية ظهور الحوثيين للعلن كرّست إيران ميزانية ضخمة لمشروع ‏أسمتهُ ‏‎)‎يمن خوش حال‎(‎‏ ، ويعني اليمن  السعيد ، وغدا اليمن منذ نحو عقدين أكثر تعاسة ‏وبؤسا وعانى اليمنيون سلسلة من الحروب في هذه الفترة القصيرة ، بدأ من حرب 1994 ‏مرورا بستة حروب مع الحوثيين ونحو أربعة أعوام من تأكل الدولة الهشة والضعيفة أصلاً ‏‏.‏
 
‏ وانتهاء بما سُمى (عاصفة الحزم) وهي في حقيقة الأمر عاصفة العجز وبداهة فأن أسباب ‏هذه الحرب ليست خارجية بقدر ماهي تحصيل حاصل لتناقضات متراكمة وصراعات على ‏السلطة بين النُخب السياسية اليمنية ، صحيح كان التدخل الإيراني في اليمن منذ نهاية عقد ‏الثمانينات منذ نهاية الحرب العراقية الإيرانية وكان في البداية نكاية لمواقف الرئيس السابق ‏المؤيدة لصدام حسين خلال تلك الحرب ، ومن ثم استغلت الأجواء السياسية في التسعينيات ‏غداة إعلان الوحدة التي من أهم مبادئها التعددية السياسية فتشكلت أحزاب في اليمن وكان ‏يفترض أن تكون على أساس وطني وليس عقائدي أو جهوي ، حتى الإصلاح رغم ‏أيدلوجيته العقائدية لكنه للأمانة لا من حيث الاسم ولا من حيث أدبياته ليس هناك ما يشير ‏إلى خلفية مذهبية أو جهوية وكانت ولا زالت كوادره على مساحة  كل اليمن ويجمع كل ‏الطوائف في المقابل أعلنت وأشهرت نفسها عدد من الحركات الإسلامية ذات الطائع ‏الطائفي منها حزب (الحق) و(الشباب المؤمن) والتي هي النواة الأساسية لما يسمى اليوم ‏بحركة أنصار الله المعروفين في اليمن وسواها بالحوثيين.‏
 
‏ كانت إيران تتابع كل المشهد السياسي في اليمن باهتمام وترقب كاملين وأنشئت خلية ‏سياسية متزامناً مع نشاط مذهبي لترويج أفكارها العقائدية والسياسية ،وبعد زيارة بدر الدين ‏الحوثية (والد عبدالملك الحوثي) لإيران والإقامة فيها وآنذاك بدأ الغزل بين طهران ‏ومرجعية (صعدة)وحشرتّ إيران نفسها تدريجياً في الشأن اليمني فتلاقت أهدافها مع من ‏يسمون اليوم بالحوثيين لتعمل منهم نواة صلبة على غرار حزب الله في لبنان رغم ان ‏الحوثيين في اليمن هم أقلية بالنسبة للمناطق التي تصنف مذهبياً بالزييديين والذين يعتبرون ‏ربع سكان اليمن مقارنة بالأغلبية الشافعية (السنية) ومن هنا يمكن القول بأنهم أقلية داخل ‏أقلية ومع ذلك فقد تلاقت أهدافهم واستراتيجيهم مع هوس الرئيس السابق علي عبدالله صالح ‏كي ينكل بخصومه السياسيين ، ورغم أن السعودية هي من أتت بالرئيس السابق ودعمته ‏لعقود وكذلك كان يعتبر رجل أمريكا في المنطقة فهو الذي ابتدع طائرة بدون طيار ‏واخترقت السيادة اليمنية منذ أكثر من عشر سنوات أي قبل هذه الحرب وقبل ثورة فبراير ‏‏2011 ببضع سنوات.‏
 
 
‏ تجاهلت السعودية اليمن واعتمدت على بعض رموزها من رجالات الدولية والمشايخ فقط ‏وأغدقت عليها بالعطايا والمزايا ، وفي الوقت الذي كانت إيران تنشط وتتربص باليمن ‏انصرفت السعودية في السنوات الأخيرة بالاهتمام  بقضايا يُفترض بأنها ليست أساسية في ‏إستراتيجيتها فأجزلت العطاء لنظام (السيسي) بمليارات مكافئة لإطاحته بالرئيس الشرعي ‏المنتخب على دفُع متعاقبة كأن آخرها لقاء وقوفه إلى جانبها في حربها ضد الانقلابيين في ‏اليمن ، متزامناً مع صمت خليجي وعربي ودولي بإعطاء ضوء اخضر لتحرك الحوثيين ‏وإسقاط المدن تباعاً كان ذلك يرتكز على تواطئ ومحاولة إنتاج النظام القديم من خلال ‏الدولة العميقة التي شكلها الرئيس السابق فأثمرت كل هذا التناقضات التي أدت لهذه الحرب ‏هذه الزمرة التي حكمت لأكثر من عقدين  من ضمنها الرئيس هادي نفسه وعلي محسن ‏الأحمر وبعض المشائخ والتكنوقراط (الكمبارس) فالفساد مِلة واحدة اختلفوا فقط في توزيع ‏المغانم والمكاسب السياسية التي تدور في فلك صالح وكان هادي والذي كان يعتبر ضمُن ‏منظومة الفساد ، لكنه بالفعل كما وصفه الرئيس السابق باليد ألأمينة لسلفه المتواري شكلياً ‏على الحكم ، ظل هادي يمارس دوره كرئيس توافقي وكأنه لازال نائباً لصالح رغم ‏الحصانة التي منحت للأخير وهذا يدل على ضعف المبادرة الخليجية السيئة الصيت.‏
 
‏ حرص الرئيس السابق على اختيار شخصية ضعيفة قذفت بها الأقدار لسدة الحكم‎ ‎في ‏أصعب ليمارس سلطته بصورة شكلية وسلم له العلم في حفل كرنفالي دعائي مع انه لم يسلم ‏سوى خرقة ثلاثية الألوان ، الرأي العام كان يدرك ان الدولة الهشة كانت تُدار برأسين وغدا ‏حزب المؤتمر ينافس الدولة بل أصبح  أهم من الدولة نفسها بل والزعيم أهم من المؤتمر ‏نفسه وسخرت أموال الدولة لتمويل الآلة الإعلامية والى اليوم ومنح لقب زعيم لم يكن ذلك ‏اللقب سائداً خلال فترة حكمه ، وذلك إيحاء بأهمية عودة القائد الضرورة كما هو سائداً في ‏الأنظمة الكلية الشمولية ، أو من خلال من ينوبه من أسرته لرئيس من بعدي أسمه أحمد ‏،لانه وبموجب بالمبادرة الخليجية لايمكن بأي حال من الأحوال إعادته للسلطة ، فتحالف ‏الحوثيين مع خصمهم اللدود ولان السياسة لا تعرف عدو دائم ولا صديق دائم ولكنها في ‏اليمن انتهازية مفضوحة بطريقة فجة مذلة ورخيصة ، أنذاك تداخلت اعتبارات الصراع ‏الداخلي على السلطة مع تربص اقليمي السعودية وإيران التي  لن تنسى بداية مواقف الرئيس ‏السابق لتأييده لصدام حسين خلال حربها مع العراق لثمان سنوات عندما كانت طائرات ‏أسبوعية تذهب بالمؤن العسكرية وتجييش آلاف اليمنيين على خلال سنوات الحرب ومع ‏ذلك تجاهلت إيران مواقف صالح خلال حرب الثمان سنوات مع العراق ، كما أن الخليجيين ‏انفهسم وبعد وقوف صالح مع صدام حسين في غزو الكويت تراجعت العلاقات مع جيرانه ‏وطرد مايقارب المليون من المهاجرين في السعودية ، أما العلاقات مع الكويت فمنذ ربع ‏قرن شبه متوقفة وبهذا خسر اليمن علاقاته مع الخليج وإيران وكسب فقط بقاء الزعيم ‏المتقلب الاهواء والبوصلة ، وفي نفس الوقت تناسى علي عبد الله صالح خصومه الحوثيين ‏الذين شن ضدهم ستة حروب عبثية وتفسير عجزه لحسم تلك المعارك لم يتضح إلا مؤخراً ‏حيث كان كما ذكرنا  صراع على أجنحة السلطة بعد أن شب نجله احمد وبدأت الأفكار ‏تدغدغ الرئيس السابق لتوريث الحكم على حساب رفيق دربه علي محسن وكانت ثورة ‏فبراير التي أطاحت بالرئيس صالح سبباً لانكشاف ذلك الصراع وظهوره على الملا ، وفي ‏المقابل تناسى أيضاً الحوثيين عدوهم الأساسي الذي نكل بهم في سلسلة حروب وتسبب في ‏مقتل آلاف من عناصرهم وكذا من الجيش اليمني بل وقتل سيدهم حسين في أول تلك ‏الحروب ،فكانت حروبه تلك بمثابة ابتزاز للخارج الإقليمي ودول الخليج تحديداً ، بينما ‏كانت القاعدة فزّاعة يشهرها صالح أمام الإدارة الأمريكية المتعاقبة ، تناسى الحوثيين  كل ‏ذلك ، وتركوا عقيدتهم جانباً وفضلوا المصلحة السياسية مستغلين الفراغ السياسي لقيادة ‏ضعيفة و هكذا بداهة لم يكن لهم ذلك (أي الحوثيين ) لولا تواطئ من يفترض ان الثورة ‏قامت ضده ، هذه هي خلاصة الصراع خلال خمس سنوات مضت ، لقد تجنب اليمنيون ‏الحرب الأهلية بمنحه حصانة وكانت هذه نتيجة الحصانة واليوم شعبية صالح أكثر مئة مرة ‏منذ مغادرته السلطة لان مفردة العدوان أعطته طوق نجاه مؤقت وفي مناطق محدودة ، ‏ومن هنا فلو افترضنا وقفت هذه الحرب بصورة أو أخرى على أساس تسوية وتراجعت ‏السعودية في حربها آنذاك بحكم المؤكد أن الحرب الأهلية ستندلع وقد تستمر سنوات طويلة ‏، فالخلاف في اليمن ليس سياسياً حتى يسوى بمباحثات سياسية ، لان سلطة الأمر الواقع ‏ليست فقط انقلابية على الإجماع فمفردة انقلاب لا تنطبق عليها ففي علم الثورات أن ‏الانقلاب يأتي من صلب النظام وينشق مجموعة ضباط عن السلطة الرسمية ، بينما إسقاط ‏صنعاء هو اغتصاب للسلطة من ميليشيا وليست بجيش في الدولة اليمنية وعليه فالحل لليمن ‏هو بتواري سلطة الأمر الواقع سلماً أو حرباً ، مع أن طرفي الصراع الإقليميين ووكلائهم ‏في الداخل مصرون بأن يقضي ويقصي كل طرف على الأخر بقوة السلاح ، ومن هنا ‏يتوقع بأن الحل في اليمن لن يكون إلا عبر فوهة البندقية فهذا قدر اليمن رغم أن خيار ‏الحرب ليس مستساغاً لكن واقع الحال غير التمنيات ، كما ان استعادة صنعاء قد لا يكون ‏سلمياً فكل أطراف الصراع لا يعيرون اهتماماً بالجانب الإنساني ، فإذا ظل طرف الانقلاب ‏خلال عشرة أشهر يماطل ويساوم بقضايا إنسانية من اجل تحقيق مكاسب سياسية فعلى ‏الراصد لمألآت الأحداث في اليمن أن يتوقع كل شئ !‏
 
 
‏* كاتب وسياسي يمني


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد