ترحل عنا ولكن بعد ان تُش?Zيِّع?Zنا

mainThumb

16-08-2008 12:00 AM

نغبطك على رحيلك وكيف لا نغبطك؟! وقد اعطيت لموتك كل ما أعطيت لحياتك من الرقة والوقار والولدنة والغضب وتركت لنا هذه الحياة بكل غبارها وكل عتمتها وكل هزائمنا ونغبطك على ولادتك نحن الذين نولد ميتين ونموت حين نموت في حومة الذل وتحت راياته البيضاء وفوق شفرات الثرثرة وأسنة الرماح الاسفنجية! ونغبطك على خلودك نحن الذين نحمل اسماءنا ونمشي مطأطئين الرؤوس او بلا رؤوس ولا يظل وراءنا بعد ان نمضي سوى اسمائنا الباهتة على شواهد قبورنا

***

انت لم تكتب الشعر كما كتبه الآخرون او كما سيكتبه الآخرون لكنك الوحيد الذي كتبه الشعر قصيدة لا نهاية لها لا يغطي صدرها قميص ابيض او اسود ولا تختبىء وراء ستار من ورق او ستارة من قماش انت الذي تمضي الآن تاركا لنا منك اكثر مما تمنينا ان يكون لنا قامة جبلية لا يستطيع أحد ان يتسلق اولى درجاتها وعندما نحاول ان نرسل عيوننا الى القمة حيث تجلس هناك وتجلس حولك قصائدك نشعر بأعمدتنا الفقرية تتساقط فقرة فقرة فما ظل لنا هو كل ما كان لنا يوم ولادتنا هذه الرؤوس الملتصقة بصدورنا وهذه الصدور المزدحمة بالخوف والحزن والرماد ما يظل لنا هذه الرؤوس التي لا تستطيع الرنو الى اعلى كي نرى شيئا آخر غير احذيتنا وغير جواربنا وغير الصدأ الذي تركه العمر على قيودنا

***

ها أنت تمضي الى فلسطين نلتف حول جسدك النائم كأننا نحن الأحياء وكأنك الراحل الوحيد في هذا الموكب الحزين لقد أعطيتنا كل ما حلمنا به وأعرف صعوبة ان تعطينا وأنت تمضي لحظة احترام واحدة للذات في هذا الزمن العربي الكئيب حيث قلوبنا عبوات من البلاستيك الملوّن او من التنك الذي لا يغطيه صدأ الآخرين وانما صدأ الذات

***

أمام رحلتك الأخيرة نقف ونتساءل لم نر من قبل فهل رأيت من قبل رجلاً واحداً يشيّع الآلاف الى قبره؟! ثم يغادره تاركاً لنا اقتسام هذه المساحة الضيقة من زنزانة الفقر والقهر لعلها تتسع لآلافنا التي هزمت احلامنا.

***

انت بعد الآن لا تحتاج الى ارتداء اجمل ثيابك وأزهى ربطة عنق اهدتها اليك صديقة أو صديق.

ولا تشعر بالرغبة في مغادرة شقتك الصغيرة للجلوس على مقهى في شارع باريسي.

وكما في سنواتك الاخيرة، ستلتزم شقتك، وتعد لنفسك قهوتك وتجلس في انتظار مكالمة هاتفية من صديق ثم تتذكر ان عليك ان تعد فنجانين من القهوة تحتسي الاول ساخناً مثل الحنين وتحتسي الثاني بارداً مثل الموت.

انت بعد الآن لن تشعر بالرغبة في مغادرة بيتك الأخير الى مقهى على رصيف.

لانك لا تملك الفرنكات القليلة التي تكفي لدفع فاتورتك فالثورة التي قاتلت في صفوفها وقاتلت عنها قطعت عنك ثمن القهوة ورغيف الخبز لأنك تجرأت مثل قليلين وأعلنت أنك لن تعود الى فلسطين من عاصمة اوروبية لقد خلعتك كما تخلع امرأة مستهترة زوجاً صالحاً ورضياً لكنك لم تمت جوعاً ولم تمت ظمأً اما هم فلن يموتوا سريعاً، حتى يكون لهم عمر الشيخوخة الذليل وسنواتها المجللة بالسواد والرماد

***

على شاشة فضائية رحت اراقب المشهد ولعلك كنت تراقبه في مقالي وعندما اهالوا عليك تراب فلسطين غادروا مثواك المضيء.

آخر الليل جاءت اليك فلسطين جلست عند رأسك، عطرت ترابك بالدمع وقرأت على روحك الفاتحة ثم غادرت الى قريتك البعيدة مثل حلم وحدها التي لم تفتقدك بعد رحيلك الى المنفى ووحدها التي لن تفتقدها بعد رحيلك عنه وستظل مشغولة بتوزيع قصائدك على الرجال الذين يحتفظون في جيوبهم وقلوبهم بمفاتيح منازلهم وعندما يعودون اليها سيمرون عليك لاصطحابك معهم انت الذي كنت رقم هاتفهم وصندوق بريدهم وبوصلتهم التي تهدينا جميعاً الى الفجر

" الراي "


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد